رقمنة التواصل.. مؤسسات تستغل القانون لتقييد الحق في الولوج إلى المعلومة

على الرغم من تطور الترسانة القانونية والتنصيص الصريح على الحق في الولوج إلى المعلومة في دستور 2011، إلا أن الصحفيين وعموم المواطنات والمواطنين ما زالوا يجدون صعوبات في الحصول على المعلومات من مؤسسات حكومية وعمومية بالمغرب.
وفي الوقت الذي كان العديد من المتابعين للشأن القانوني والحقوقي بالمغرب ينتظرون تطور منظومة الحق في الحصول على المعلومة، خصوصا في ظل التطورات الرقمية، وتطور وسائل ومكينزمات التواصل المؤسساتي وتوفير المعلومات تبقى مجموعة من المؤسسات العمومية بعيدة على هذا الفعل التواصلي وتتماطل على القوانين في توفير المعلومة لطالبيها سواء صحفيين أو مواطنين.
ووفق شهادات استقتها “بيان اليوم” من صحفيين مغاربة، فإن عدد من المؤسسات ما تزال بعيدة عن التواصل وتوفير المعلومة، إذ ترفض الكثير من المؤسسات إعطاء المعلومات بشكل مباشر، بحجة أن طلب المعلومة يخضع لآلية رقمية عن بعد، من خلال التواصل مع أرقام هاتفية موضوعة رهن إشارة المواطنات والمواطنين أو عبر البريد الالكتروني أو المواقع الالكترونية للمؤسسة، أو عبر البوابة الوطنية المخصصة لطلب المعلومة “الشفافية”.
هذه الآلية، أكد عدد من الصحفيين أنها وإن جرى اتباعها لا توفر أي جواب في العديد من المؤسسات، بما فيها مؤسسات حكومية، كما هو الحال بالنسبة لوزارة الصحة، التي قال صحافيان تحدث لهما بيان اليوم، إنهما طلبا معلومات أكثر من مرة وقدما طلبا عبر البوابة الوطنية “شفافية.ما”، وتواصل مع أرقام للتواصل مع الإعلام داخل الوزارة لكنهما لم يتلقيا أي جواب، لا بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا ضمن الحيز الزمني المحدد في 20 يوما بالنسبة للبوابة الوطنية “شفافية.ما”.
في هذا السياق، قال يوسف.خ صحفي مغربي إنه سبق وأن طلب معلومات من وزارة الصحة، لكنها لم تقدمها، له، مما اضطره للإلحاح على مصلحة التواصل من أجل المعلومات التي يحتاجها، قبل أن يتم الرد عليه بأن هذه المعلومات المطلوبة خارج اختصاص الوزارة، ليطرق بعد ذلك أبواب المندوبية الجهوية للصحة بالدارالبيضاء، والتي لم تتفاعل لا مع طلبه الحضوري ولا الرقمي ولا محاولات الاتصال الهاتفية.
ويضيف يوسف.خ أن المشكل لا يكمن فقط هنا، بل في غياب هذه المؤسسة من لائحة المؤسسات العمومية، التي يمكن طلب المعلومة منها عبر البوابة الوطنية “شفافية.ما”.
نفس الأمر مع صحفية أخرى، كانت قد وجهت طلبا لمؤسسة عمومية، وهي مؤسسة المكتب الوطني للتكوين المهني، وذلك بغرض طلب عدد من المعلومات من أجل نشرها ضمن ملف صحفي.
وأكدت الصحفية “س.م” أنها تواصلت مع عدد من الأرقام بدون أي مجيب، كما بحثت عن أرقام مسؤولين بالمكتب، ونفس الشيء، حيث ظل طلبها بدون رد، لتقرر اللجوء إلى بوابة شفافية، وتضع طلبها الذي ظل بدون جواب إلى اليوم.
إلى جانب ذلك، يتداول الصحفيون عشرات الشهادات حول غياب التواصل، واستغلال شعارات الرقمنة والمسطرة القانونية للتماطل على طالبي المعلومة، سواء قصد تأخيرهم في عملية النشر أو دفعهم نحو الاستسلام، أو حتى في إطار التحايل وعدم تقديم المعلومة المطلوبة.
في هذا السياق، قال يونس برداعي الباحث في الإعلام التفاعلي والتواصل إنه رغم مضي أزيد من 6 أعوام على صدور القانون 13-31 الذي يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، إلا أن الحديث عن حصيلة تنزيله لا يزال يطرح أكثر من سؤال، إنْ من جهة شيوع ثقافة طلب المعلومة عند عموم المواطنين، أو من جهة التزام مؤسسات الدولة بالتطبيق الفعلي لمقتضيات هذا القانون.
وتابع يونس برداعي في تصريح لبيان اليوم “كثيرة هي الحالات التي تؤكد بالملموس أن انخراط المؤسسات والهيئات المعنية لا يزال في مراحله الأولى وأن تلقي جواب رسمي يظل استثناء في ظل تسيد ثقافة عدم الرد”.
وذكر برداعي بإحدى التجارب التي همت الحق في الحصول على المعلومة والتي قامت بها جمعية “سمسم مشاركة مواطنة” التي عرضتها في دراسة منشورة، حيث قدم فریق عمل الجمعية 80 طلبا وجهه إلى 35 مؤسسة وإدارة عمومية موجودة على المنصة الإلكترونية “شفافية.ما”، حيث أكد المتحدث أن الملفت هنا أنه تم الرد على 17 طلبا فقط للحصول على المعلومات من أصل 80 طلبا مقدما، أي بنسبة رد بلغت 21 بالمئة.
هذا الرقم، اعتبره الخبير في الإعلام التفاعلي والتواصل متدني ويجسد نسب الاستجابة التي تكاد تنطبق على جل حالات من سبق أن تعاملوا مع المنصة، مضيفا أنه يمكن الحديث عن عديد العراقيل التي تؤدي إلى هذا الواقع. والتي حددها أولا في مقتضيات القانون نفسه الذي وسع دائرة “الاستثناءات من الحق في الحصول على المعلومات” التي سردها في المادة 7، ما منح الهيئات المعنية حججا إضافية لتجنب الإدلاء بالمعلومات. ثم ثانيا في عدم الاهتمام الكافي بتأهيل المكلفين بالإدلاء عن المعلومات وترسيخ ثقافة الإفصاح عن المعلومة بينهم وتوعيتهم بأهمية تنزيل هذا الواجب الوطني.
ويرى برداعي، في هذا الصدد، أن نقص التأهيل هذا قد ينتج منطق التعامل المهمل واللااكتراثي تجاه هذه المهمة. مضيفا أن المحدد الثالث الذي يزيد من عرقلة الحق في الولوج والحصول على المعلومة هو عدم الصرامة في تطبيق العقوبات على الهيئات المتلاعبة بتطبيق القانون، وهذا راجع بدرجة أولى، وفق تعبيره، لما تضمنه القانون نفسه مرة أخرى؛ إذ نصت المادة 27 على: “تعرض الشخص المكلف المشار إليه في المادة 12 للمتابعة التأديبية طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل في حالة امتناعه عن تقديم المعلومات المطلوبة طبقا لأحكام هذا القانون” لكنها فتحت استثناء غريبا بقولها: “إلا إذا ثبت حسن نيته”، وهو ما يترك الباب مشرعا أمام مدلولات عبارة “حسن النية” المفترض، فعدم الجواب المتعمد عن بريد إلكتروني قد يعلل تحت هذا الاستثناء بعدم فهم المطلوب، وعدم الرد على اتصال قد يبرر بـ “حسن نية” أيضا. يقول المتحدث.

محمد توفيق أمزيان

Top