زلازل وكوارث هزت العالم..- الحلقة 7-

على إثر الزلزال مدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.
وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.
بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.

زلزال أرمينيا المدمر 1988.. أزيد من 25 ألف قتيل ونصف مليون مشرد

في سنوات الثمانينات، ارتفعت وتيرة الزلازل المدمرة التي ضربت مجموعة من دول العالم، وما كان يجعل كل زلزال له خصوصيته هو التوقيت الذي يحدث فيه وكذا الخسائر التي يؤدي إليها.
ومن ضمن أسوء الكوارث الطبيعية في الثمانينات الزلزال الذي ضرب جمهورية أرمينيا التي كانت في عام 1988 جزءا من الاتحاد السوفيتي، حيث أدت هذه الكارثة إلى خسائر فادحة بشريا وماديا.
وقعت هذه الكارثة في صباح الأربعاء 7 دجنبر 1988، على الساعة الحادية عشر صباحا و41 دقيقة، إذ في وسط أجواء من الهدوء، وبينما الجميع منشغل في ترتيب بداية اليوم، سواء في العمل أو المدرسة أو البيت، اهتزت الأرض فجأة تحت أقدام الأرمينيين كقدر مفاجئ جاء ليحول مسار يومهم بل ومسار حياة الآلاف منهم أيضا.
بدا صباح الكارثة عاديا، لم تكن هناك أي مؤشرات على أن كارثة ستحدث وتهز البلاد، كان التلاميذ يتابعون دراستهم، فيما يقوم الآلاف من المواطنين بأداء عملهم، بدون أن يعلموا ان لحظات فقط تفصلهم عن إحدى الكوارث الطبيعية المدمرة التي لم يسبق لها مثيل بالبلاد.
في الساعة الحادية عشر و41 دقيقة، سيبدأ زلزال بالغ القوة بمنطقة سبيتاك أو سبيداك، وسيستمر نحو 30 ثانية، والذي ضرب جزءا كبيرا من البلاد، لكن كانت مدينة سبيتاك الأكثر تضررا من هذه الكارثة، إذ في أقل من نصف دقيقة سيحدث دمار هائل بأنحاء مختلفة من أرمينيا.
بغت شدة الزلزال 6.8 على سلم ريشتر، وهي الشدة التي كانت كافية لتدمير ومحو مدينة من حجم سبيتاك، وتدمير مدينة لينيناكان (كومري الآن) ليمتد الدمار إلى مدن أخرى ومئات القرى، جعلت المنطقة تتحول إلى منطقة منكوبة.
ساد الهلع في اللحظات الأولى للكارثة، بين من حاول الهرب نحو فضاءات مفتوحة، وبين من اصبح عالقا في لحظات تحت الأنقاض، كان مفعول الكارثة مهولا على ساكنة أرمينيا التي تحول صباحها المثلج في دجنبر إلى سواد وغبار يتطاير في الأرجاء.
لم تعد مدن وقرى أرمينيا بذلك الهدوء الصباحي المعتاد، أصبح أنين العالقين وصراخ المصابين يصدح في المكان، ومع حجم الأدخنة التي خلفها الزلزال كان الأمر أشبه بفيلم رعب، غبار وركام وصراخ وسط جو من الذهول الذي أصاب الجميع.
بعد توقف الزلزال، وعقب الأصوات المخيفة لانهيار الأبنية وتصاعد الأتربة والدخان في ذلك الصباح البارد، بدأ بعض الناجين يهرعون للبحث عن أهاليهم وسط الركام والدمار ومهم مشدوهين لحجم الكارثة وكأن لسان حالهم يقول كيف للوضع أن يتغير بهذه السرعة في نصف دقيقة، كي لهذه البنيان المشيدة أن تصبح ركاما في 30 ثانية، وكيف لطلبة وعاملين أن يتحول تواجدهم في المدارس والمصانع إلى تواجد تحت الأنقاض.


هرع الناس للبحث عن ذويهم بين الأطلال التي كانت قبل دقائق بيوتا ومدارس ومتاجر، كانت الحالة مأساوية، خصوصا في مدينة سبيتاك التي انهارت بشكل كلي تقريبا، لدرجة جعلت أحد المشرفين على أعمال إزالة تداعيات الزلزال اعتبر ما حدث في هذه المدينة من دمار أكبر بكثير مما أحدثه انفجار مفاعل تشرنوبيل بأوكرانيا التي كانت حينها جزءا لا يتجزأ من الاتحاد السوفيتي.
وقال نيقولاي تاراكانوف، وهو المشرف على عملية إزالة تداعيات الزلزال إن حالة سبيتاك كانت أسوأ حتى من محطة تشيرنوبل النووية في جمهورية أوكرانيا السوفييتية، التي وقع انفجار في أحد مفاعلاتها في عام 1986. مضيفا في إحدى مذكراته “في تشيرنوبل، حصلت على حصتك من الأشعة وانتهى الأمر، فهي عدو غير مرئي. أما هنا، فكانت جثث ممزقة وصرخات تحت الأنقاض. لذلك، لم تكن مهمتنا الرئيسية المساعدة وإخراج الأحياء من تحت الأنقاض فحسب، بل كذلك دفن القتلى”.
وهكذا، في لحظات، تحولت بيوت سبيتاك إلى مقابر للموتى والأحياء على حد سواء، وظل بعضهم عاجزا عن الحركة لبضعة أيام من دون أن يعلموا ما إذا كان سيأتي أحد لنجدتهم. خصوصا وأن البلاد كانت دمرت ولم تكن فرق الإنقاذ كافية للتدخل باستعجال وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل اتساع رقعة الكارثة.
إلا أن قلة الموارد والخبرة في التدخل ستجعل المساعدات والإنقاذ يتأخر، حيث ستنطلق عمليات الإنقاذ ساعات بعد الزلزال وبشكل محصور في بعض المناطق، حيث قضى بعض الناجين ما يزيد عن أسبوع تحت الأنقاض.
أدى الزلزال بشكل عام إلى مقتل ما بين 25 ألفا و31 ألفا، فيما رجحت مصادر أخرى ان يكون عدد القتلى قد وصل إلى 50 ألفا، فيما أصيب ما يزيد عن 130 ألف شخص بتبعات الزلزال وتباعات الهزة الارتدادية التي بلغت قوتها نحو 5.8 درجة على سلم ريشتر والتي أدت إلى مقتل أربعة مواطنين في تركيا التي طالها صدى الزلزال.
في 9 دجنبر من نفس السنة، أي يومين على حدوث الزلزال، ستشرع أرمينيا في تلقي المساعدات الإنسانية من الاتحاد السوفياتي ومن دول مختلفة من أجل تجاوز هول الكارثة، كما ساهم في المساعدات مشاهير كثر، على رأسهم الفنان العالمي الراحل الأرميني الأصل، شارل أزنافور، الذي توجه إلى يريفان حاملا معه مساعدات إنسانية للفت أنظار المجتمع الدولي إلى الأوضاع في المنطقة المنكوبة.
في اليوم الموالي، أي 10 دجنبر، سيقطع الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، زيارته إلى الولايات المتحدة، من أجل الالتحاق بالمنطقة المنكوبة والتباحث في سبل تقديم المساعدات وانتشال المدينة من الدمار الذي لحق بها.
ومن ضمن ما جعل الكارثة تأخذ طابعا حادا، هو حالة الفوضى التي عاشها الأرمن بعد هذه الكارثة، حيث استغل المخربون حالة الفوضى العارمة لنهب المصارف والمتاجر والاستيلاء على أملاك الضحايا، ووصلوا إلى حد أخذ المجوهرات من جثامين الموتى مباشرة، ما اضطر السلطات السوفييتية إلى توظيف 20 ألف عسكري للسيطرة على الوضع ومساعدة المتضررين.
كان للزلزال أثر وخيم على ذاكرة الأرمنيين، الذين أصبح غالبيتهم مشردين وبدون مأوى، الأمر الذي سيدفعهم إلى الهجرة، حيث ارتفعت حركة هجرة الأرمن إلى الخارج، وزيادة نسبة الجالية الأرمينية حول العالم، لتصبح في ظرف وجيز تقدر بـ 10 ملايين مهاجر، أي أضعاف عدد السكان في الداخل.

< إعداد: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top