شرفات فلسفية في الدين والفكر والفلسفة

 صدر مؤخرا للباحث المغربي المقيم في النمسا  حميد لشهب، عن “منشورات النورس” بالرباط كتاب جديد “شرفات فلسفية في الدين والفكر والفلسفة”. وكما يوحي العنوان الفرعي للكتاب، فإن مواضيع الكتاب تتوزع على ثلاثة ميادين مختلفة ومتكاملة. فالفكر في المؤلف يجمع بين الدين والفلسفة، دون أن يعني هذا بأن هناك تطابقا أو نوعا من محاولة الصلح بين الدين والفلسفة، لأن الصراع الوهمي بينهما لا يوجد إلا في دماغ بعض المفكرين الذين لم يفهموا بعد أن الميدانين مختلفين جملة وتفصيلا في منهجية العمل وطرق البحث وأهدافه.

إذا كان لشهب قد خصص بحوثا في الدين في كتاب تطغى عليه النظرة الفلسفية، فليذكر الفلاسفة العرب عموما، والمغاربة خاصة، بأن التطرق إلى مواضيع دينية بطريقة فلسفية هو واجب فكري عظيم الشأن، لكي لا يبقى فهم الدين حكرا على “مغتصبي” الدين والمستعمرين لساحات النقاش فيه. لا يحاول لشهب بهذا التأسيس لفلسفة الدين، كما قام بذلك الباحث المغربي محمد مزوز بجرأة قل نظيرها، بقدر ما رسم أخاديد طريقة عمل الفلاسفة الشباب لأخذ دراسة الدين محل الجد والجود بتأويل فلسفي يحترم نفسه للكثير من الطقوس والأفكار الدينية، تتجاوز المألوف وتصب في خانة تنوير الواقع وقطع الطريق على المتاجرين في الدين من جهة والرادكاليين الدينيين على اختلاف توجهاتهم.

  إذا كان حميد لشهب قد خصص حيزا مهما لعرض أفكار شلة من الفلاسفة الألمان حول الإسلام، سواء أكانوا ممن حاولوا فهمه والتواصل معه كفكر، أو ممن رأوا فيه “خزعبلات”، بل لم يكونوا يخفون معاداتهم له، فليؤكد بأن الإسلام كفكر يحمل مؤهلات كبيرة للمساهمة في الفلسفة على الصعيد العالمي. وهذا الجانب بالضبط هو الذي لم ينتبه له المفكر والفيلسوف المسلمين، فإما أن البحث الفلسفي عندنا يركز على التعريف بمذاهب فلسفية غربية وفلاسفة غربيين أو أنه يركن إلى اجترار الماضي والغوص في إشكالية التراث. والمطلوب حاليا من جيل الباحثين الشباب في الفلسفة والسوسيولوجيا والسيكولوجيا، ومن مؤطري رسائلهم الجامعية، الإنتباه إلى أن اختيار أسهل الطرق لنيل شهادة جامعية ما بإعادة اجترار ما قيل عن كانط أو هيدجر أو سارتر..  أو بالتطرق إلى محنة ابن رشد وقتل الغزالي للفكر الفلسفي المسلم؛ هو كسل أكاديمي غير مبرر، ولا يليق بباحثين أكفاء في الفلسفة في العالم العربي. المفروض، بعد هذه السنين الطويلة من الإجترار، المرور إلى مرحلة الإبداع في الفكر الفلسفي العربي. ولا يتم هذا إلا بتأطير كفء لجحافل طلبة شباب متعطشين للمعرفة والراغبين في تقديم الجديد في ميادينهم. وما يغذي هذا الأمل هو أن المؤطر والطالب، وبفضل انفتاح عالم الفكر على مصراعيه بفضل وسائل الإعلام وسهولة الحصول على المراجع والمعلومات، باستطاعتهما تقديم هذا الجديد والمرور إلى مستوى آخر من البحث العلمي في العلوم الإنسانية عامة. وهذا بالضبط هو الهدف الأساس لـ “شرفات فلسفية “، الموجه طبقا لمؤلفه  للباحثين الشباب ومؤطريهم، كنموذج لاختيار مواضيع البحوث الجامعية في الفلسفة.

Related posts

Top