عديشان وتهامي يبسطان مسارا من نضال وكفاح حزب التقدم والاشتراكية

في إطار اللقاءات التواصلية التي يحتضنها المقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية، نظم الفرع الإقليمي للحزب بالصخيرات تمارة، يوم الجمعة الماضي، لقاء تواصليا هم “المسار النضالي لحزب التقدم والاشتراكية”.
اللقاء الذي أطره كل من المصطفى عديشان ونادية التهامي عضوا المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، عرف بسطا موسعا ومفصلا لتاريخ حزب “الكتاب”، وتضحيات مناضلاته ومناضليه من الرعيل الأول، وسياق التأسيس في الأربعينيات من القرن الماضي.
وقدم عضوا المكتب السياسي للمناضلات والمناضلين بفرع الصخيرات تمارة، وخصوصا الأعضاء الملتحقين الجدد، أسس عمل الحزب والأفكار التي يتأسس عليها، وفي مقدمتها الفكر التقدمي الحداثي، فضلا عن التحامه بالقضايا الوطنية واصطفافه إلى جانب الفئات الشعبية المقهورة.
< محمد توفيق أمزيان

من الحزب الشيوعي المغربي إلى التحرر والاشتراكية

في هذا السياق، بسطت نادية تهامي عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، نشأة الحزب وتأسيسه، بدءا من مغربة الحزب الشيوعي الفرنسي إلى الحزب الشيوعي المغربي وصولا إلى تأسيس حزب التحرر والاشتراكية ثم فيما بعد التقدم والاشتراكية، بعد سلسلة من المنع والتضييق.
وعادت نادية تهامي إلى تأسيس الحزب الشيوعي المغربي الذي قالت إنه جاء في سياق الكفاح الوطني المنظم والكفاح المسلح ضد الاحتلال الفرنسي وكذا المقاومة الفكرية المعتمدة على التخطيط والتنفيذ والتضحية الجسدية في سبيل الاستقلال الوطني، فضلا عن الظروف الاستعمارية وظروف الاستغلال والاستبداد التي كان يمارسها الاحتلال الفرنسي في حق الشعب المغربي ومصادرة حقوقه وحرياته.
وسجلت ظروف تأسيس الحزب الشيوعي، وكذا سياق الأطروحة المشكلة لأسسه والتي تم تقديمها في المؤتمر الوطني للحزب للفترة الممتدة بين 1943 و1969، بحيث همت على مستوى الإديولوجيا تبني الاشتراكية العلمية كمبادئ عامة وكمنهج للتحليل مكنته من النزعة الأورومركزية السائدة آنذاك، ثم على مستوى البرنامج السياسي الذي كان ينبني على مواقف وطنية جعلت مصالح الوطن العليا ومصالح الطبقة العاملة والشعب الكادح فوق كل اعتبار، ثم على المستوى التنظيمي باعتماد المركزية الديمقراطية كأسلوب يربط بين الديمقراطية في إبداء الرأي ومساهمة الجميع في تبسيط البرامج، وكذا المركزية في اتخاذ القرار.
وذكرت تهامي، في اللقاء الذي سيره الأستاذ البوزيدي، بعديد من التضحيات التي قدمها المقاومون المغاربة في سبيل الوطن شمالا وجنوبا ضد المحتل الإسباني، وغربا وشرقا ووسط البلاد ضد المحتل الفرنسي، مبرزة أنه وسط هذه الدينامية والزخم الثوري خرج الحزب الشيوعي المغربي الذي توغل بين صفوف الفلاحين والمزارعين والعمال والكادحين، مما جعله يحظى بشعبية واسعة.
كما ذكرت تهامي بسياق التأسيس في عام 1943 والذي جاء على يد خيرة المناضلات والمناضلين وحاملي الفكر اليساري المغربي من ضمنهم علي يعتة، عبد السلام بورقية، عبد الله العياشي، شمعون ليفي، وغيرهم من المغاربة الذين تشبعوا بالروح الوطنية وآمنوا بالتضحية من أجل الاستقلال، حيث جرى حينها انتخاب علي يعتة أول أمين عام للحزب.
هذا، ولفتت تهامي إلى المسار الحافل الذي سار عليه الحزب الشيوعي المغربي، والنضالات التي قدمها في سياق صعب، وفي سياق منعه من قبل الحماية الفرنسية، إذ عادت حينها كل أنشطة الحزب تتم في السرية، والاعتماد على توزيع المنشورات بتخطيط سياسي متمرس رغم قلة الإمكانيات ووسائل التواصل وتفادي أعين أذناب الإدارة الاستعمارية والخونة.
واستعرضت المتحدثة أهم مراحل الحزب والوثائق التي أصدرها، ومن ضمنها وثيقة إلى الملك الراحل محمد الخامس والتي قدم فيها الحزب تصوره لمرحلة ما بعد الاستقلال ومطالب الشعب المغربي من أول حكومة بعد الاستقلال، بالإضافة إلى وثيقة في المؤتمر الثالث للحزب في يوليوز 1966 الذي توقف فيه عند التجربة التي راكمها وكذا قراره تكييف أطروحته وأسسه مع واقع البلاد، وقرار تغيير اسمه إلى حزب التحرر والاشتراكية قبل منعه هو الآخر من قبل السلطات.

عقود من النضال والتضحية والقوة الاقتراحية

من جهته، ربط المصطفى عديشان عضو المكتب السياسي بين النضالات والتضحيات التي قدمها الحزب الشيوعي المغربي، وبعده التحرر والاشتراكية اللذين تم منعهما تواليا، بقرار تسمية الحزب من جديد في 1975 باسم حزب التقدم والاشتراكية، بحيث تم تنظيم المؤتمر الوطني الأول تحت شعار “الديمقراطية الوطنية مرحلة تاريخية نحو الاشتراكية” بمدينة الدارالبيضاء، مشيرا إلى أن المؤتمر جاء بعد أشهر من قرار الحصول على الترخيص القانوني في 23 غشت 1974، باعتباره امتدادا تنظيميا وفكريا وسياسيا للحزب الشيوعي المغربي وحزب التحرر والاشتراكية.
واستعرض عديشان تاريخ المؤتمرات التي عقدها الحزب بدءا من 1975 وصولا إلى المؤتمر الأخير الذي انعقد في 2018 ببوزنيقة، مرورا بتسع مؤتمرات، شكلت جلها، حسب المتحدث، محطات للنقاش السياسي وإصدار وثائق مهمة تنادي بالبديل الديمقراطي وضرورة القيام بالإصلاحات، وآخرها المؤتمر العاشر الأخير الذي ناد من خلال الحزب بنفس ديمقراطي جديد.
وسلط عديشان الضوء على محطات خالدة في تاريخ حزب التقدم والاشتراكية، من ضمنها وثائق تهم المسلسل الديمقراطي، والتي وجهها إلى سلطات البلاد حينها من أجل إخراج البلاد من دوامة العنف والتشنج التي عرفتها في السبعينيات وأساسا بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين، ثم فيما بعد وثائق مهمة تهم عدم الاستمرار في تغييب الديمقراطية بالتزامن مع الإجماع الوطني حول استرجاع الصحراء المغربية والدفاع عن فكرة انخراط القوى الديمقراطية واليسارية في التغيير من داخل المؤسسات.
وقدم عضو المكتب السياسي لحزب “الكتاب”، أبرز مراحل الحزب، إذ وإلى جانب وثائقه التي همت المسلسل الديمقراطي، أصدر وثائقا تهم ما سماه حينها مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، مشيرا إلى أن القصد من التسمية هو معاداة الإمبريالية والقدرة على جمع أوسع للجماهير من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية والتحرر الاقتصادي، فضلا عن السعي نحو توسيع الديمقراطية والدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشغيلة والشعب والحد من السيطرة الأوليغارشية وإضعاف الرجعية.
من جانب آخر، تطرق عديشان إلى المعنى الذي جاء به اسم حزب التقدم والاشتراكية، والذي حدده في كون الحزب حاملا لمشروع تقدم المجتمع في كل مناحي الحياة، ويطمح لبناء اقتصاد متقدم ومتطور، فضلا عن دفاعه ونضاله من أجل إرساء دعائم الديمقراطية، وغيرها من القضايا المرتبطة بالتقدم التي آمن بها الحزب وما يزال يؤمن بها، بالإضافة إلى معنى الاشتراكية الذي حدده المتحدث في الإيمان بمثل الاشتراكية العليا كما صاغتها أفكار وكفاحات الشغيلة والشعوب منذ ما يقرب ثلاثة قرون، فضلا عن رؤية العدالة والمساواة التي لا تقوم على مجرد التوازن القانوني أو تكافؤ الفرص وإنما تقوم على النضال من أجل إلغاء الأساس الموضوعي للظلم والاستغلال والاستبداد، وكذا النضال من أجل العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وتوفير الشغل والصحة والسكن للجميع.
هذا، وذكر عديشان بأبرز التطورات التي حدثت تواليا خلال العقود الأخيرة، من ضمنها مرحلة التسعينيات والتحولات العالمية التي رافقت انهيار الدول الحاملة للمنظومة الاشتراكية، والتي كان لها وقع على الحزب من خلال فتح نقاش كبير حول مآل الحزب وما إذا كان قد استوفى وجوده، ليكون القرار استكمال مسيرة النضال وتكييفه مع واقع البلاد والإيمان بالفكر الاشتراكي والسعي إلى تنزيله انطلاقا من خصوصيات البلاد والعمل على الدفاع عن العدالة الاجتماعية والنهوض بأوضاع الفئات الهشة والنضال إلى جانب الجماهير.
وتابع عديشان تسجيل أبرز المحطات في التسعينيات، وأهمها تأزم الأوضاع الاقتصادية والأحداث التي عرفته البلاد آنذاك تزامنا مع إعلان الإضراب العام، ثم المنحى الذي اتخذه الملك الراحل الحسن الثاني نحو القطع مع طبيعة الحكم على المستوى الديمقراطي بعد مجموعة من التقارير الدولية وما رافق ذلك من انفراج وإعادة هيكلة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إشراك الأحزاب السياسية، إطلاق سراح المعتقلين وعودة المغتربين والمنفيين، الدعوة إلى تعديل دستوري، ثم بروز نواة تشكيل الكتلة الديمقراطية.
وعاد عديشان إلى التذكير بإرهاصات الإصلاح الدستوري الأول في 1992، ثم الثاني في 1996، ثم التمهيد لخوض غمار التوافق التاريخي، وقرار الحزب الدخول مع حكومة التناوب التوافقي برئاسة الأستاذ الراحل عبد الرحمان اليوسفي وما تلا ذلك من سلسلة من الإصلاحات التي شهدها المغرب فيما بعد.
هذا، وتوقف المصطفى عديشان عند استمرارية حزب التقدم والاشتراكية وتفاعله الدائم مع جميع القضايا منذ عقود من تأسيسه إلى اليوم، حيث دائما سباقا إلى إنتاج وثائق قيمة ويدعو إلى سن إجراءات تهم مختلف مناحي الحياة العامة، وهي الوثائق التي يتم الانكباب من قبل أطر الحزب وإشراك كل الفاعلين في إنتاجها، فضلا عن شعاراته ونداءاته المتكررة للإصلاح الديمقراطي بدءا من السبعينيات إلى المرحلة الحالية التي ينادي فيها الحزب بنفس ديمقراطي جديد.

Related posts

Top