تحل يومه الاثنين، 13 غشت، الذكرى 21، لوفاة المناضل الوطني، سي علي يعته، أحد السياسيين القلائل الذين كانت لهم مواقف سياسية جريئة، ونظر ثاقب في القضايا الاستراتيجية للمغرب، ومن خلال هذه الورقة، سنحاول أن نركب مجددا، أهم الأفكار والتصورات الفكرية والإنسانية التي كان يدافع عنها الراحل يعته، انطلاقا من نص حوار كان قد أجراه مع المجلة الناطقة باللغة الفرنسية “LE LIBERAL”، عدد 15 فبراير 1988.
تطرق في هذا الحوار مع الصحافية نادية برادي، والذي ترجمه بالمناسبة، الصحافي عبد العالي بركات عن جريدة بيان اليوم، ونشر في عدد خاص، حول الذكرى 20 لوفاة علي يعته، سنة 2017، (تطرق) إلى العديد من النقط الحساسة التي كانت تهم تلك المرحلة، من قبيل، رفضه بعض ممارسات الحكومة بالبرلمان، وإعلانه عن إنشاء جبهة مشتركة للمعارضة، لنهج سياسة أخرى تستجيب لمتطلبات الشعب ومطالبه الضرورية والشرعية، علاوة على حديثه عن الموضوع القديم-الجديد ظاهرة التطرف، وكذا علاقة المغرب بالجزائر…
مبادر متوازن
علي يعته، كان من بين السياسيين، الذين يبادرون إلى الاشتغال مع القوى السياسية في المعارضة، من أجل الدفاع عن مجموعة من القضايا الاجتماعية والسياسية الأساسية، التي تهم الشعب المغربي، وكذا البلاد ككل، على المستويين العربي والدولي، وهو ما يقودنا “إلى النظر في إمكانيات العمل المشترك بين قوى المعارضة. حيث أتيحت لنا الفرصة للقيام بذلك، خلال الدورة الخريفية للبرلمان. فتمت عدة مشاورات واتفاقيات في هذا السياق، وهكذا اتخذت أحزاب المعارضة موقفا مشتركا في ما يتعلق بالبرنامج السياسي 1988، 1992، وكذا قانون المالية لسنة 1988″، يقول يعته، بخصوص هذه النقطة.
وكان المناضل الشيوعي، يغلب المصلحة العامة، من خلال مبدأ التوافق مع باقي الأحزاب السياسية الأخرى (حزب الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية، وحزب الاستقلال على الخصوص)، رغم الاختلاف في بعض النقط، ليبق بذلك تحقيق التوافق على عمل مشترك هو القاعدة الأساسية في العمل السياسي والحزبي، وهو ما كان ينعكس على الميدان، في مجال التشريع داخل قبة البرلمان، وكذا تسيير بعض المرافق العامة في الجماعات المحلية، بمختلف التراب الوطني.
وكان مبدأ المواطنة التقدمية، هو العنوان القار ليعته، وظل يدافع عنه إلى آخر يوم في حياته، إذ كان يعتبر الحرية، والديمقراطية، هي المتنفس والقاعدة الأساسية لبناء دولة حديثة، ومؤسسات منتخبة قوية “نابعة من الشعب وتعكس الإرادة الشعبية”.
إلى جانب هذا، حرص علي يعته، بشدة وبشكل دائم “على أن لا يتم التفريط في القطاع العام لفائدة القطاع الخاص في ما يخص أهم جوانبه”، موضحا أنه كان ينسق مع المعارضة على هذا المستوى، لاسيما في مجال التعليم، “إذ كنا نلتقي حول نفس المواقف المرتبطة بهذا الأخير، الذي نشهد يوما بعد يوم التراجع عن مبادئه الكبرى التي سنتها الحركة الوطنية، في ما يتعلق بالتعميم، والتعريب والمغربة، التي ما يزال تحققها بعيد المنال”.
المصلحة العامة أولا
والمعارضة عند علي يعته لم تكن المعارضة من أجل المعارضة، بل من أجل التنبيه، والمبادرة، والمراقبة، والمحاسبة، بل السعي إلى المشاركة في الحكومة أيضا، وهو ما أكده في هذا الحوار، بترديده “إن كل الأحزاب الوطنية التي في المعارضة، تسعى إلى الانخراط في العمل الحكومي. لهذا ينبغي التغاضي عن هذا الأمر، إن هدف كل حزب سياسي هو أن يكون داخل الحكومة”.
وبشأن هذا الموضوع، قال علي يعته بالحرف”إن كل الأحزاب الوطنية التي في المعارضة، تسعى إلى الانخراط في العمل الحكومي. لهذا ينبغي التغاضي عن هذا الأمر، إن هدف كل حزب سياسي هو أن يكون داخل الحكومة”.
وبشأن هذا الموضوع، وقال علي يعته بالحرف: “نعم نريد أن نكون في الحكومة. نحن لم نخلق لنظل إلى الأبد في المعارضة. خصوصا وأن السياسة التي تم تطبيقها والتي ناضل حزبنا طويلا ضدها كان مآلها الإفلاس. إننا نرى من الطبيعي جدا أن الأحزاب التي قاومت السياسة الممارسة إلى يومنا هذا، تحاول أن تتجه بالبلد نحو اتجاه آخر، وسياسة أخرى، وتحقيق ما لم يستطع الآخرون القيام به منذ بداية الاستقلال. لكن بالنسبة لنا، لا يتعلق الأمر بالتواجد في الحكومة لأجل شغل مناصب وزارية. إننا لا نخفي كوننا نريد أن نكون داخل الحكومة لأجل ممارسة وتطبيق سياسة محددة ونحن نملك البديل. إننا ننتقد بصفة كلية السياسة التي نهجتها الحكومات المتعاقبة، لنقل منذ بداية سنة 1960. هذه الحكومات وبسياستها الليبرالية، لم تتمكن من تحقيق الأهداف الكبرى للاستقلال، لا على الصعيد الاقتصادي ولا على الصعيد الاجتماعي ولا على الصعيد الثقافي”.
المغرب والجزائر في حاجة إلى بعضهما
وعلى مستوى القضية الوطنية الأولى للمغرب، والمتمثلة في الصحراء المغربية (الوحدة الترابية)، وعلاقة الجزائر بهذا الملف، كان يدعو علي يعته، إلى ضرورة التعايش مع هذا البلد الجار، رغم مواقفه المتشددة من الصحراء المغربية، مشددا أن “الجزائر والمغرب بحاجة إلى بعضهما البعض، لأجل مواجهة المشاكل الكبرى الراهنة، فالجزائر لا يمكنها أن تستغني عن المغرب، ولا المغرب يمكن له أن يستغني عن الجزائر”.
وبسط يعته، رؤيته على هذا المستوى، بالإشارة إلى ضرورة الوصول إلى “توافقات محددة على عدة أصعدة: التمثيلية الدبلوماسية، التبادل التجاري والثقافي والإنساني، وفتح الحدود، وعدة مجالات أخرى.. تهم البلدين”.
غياب الديمقراطية من أسباب التطرف
والحديث الدائر اليوم، حول ظاهرة التطرف والإرهاب الذي تعرفه دول العالم خلال السنوات الأخيرة، تطرق له سي علي، منذ سنة 1988، عندما قال عنه، إنه ليس ظاهرة حديثة العهد “فالتطرف في العالم العربي قائم منذ مدة طويلة، في مصر، حسب اعتقادي، وظهر منذ سنوات الثلاثين. صحيح أنه خلال المدة الأخيرة، عمت هذه الظاهرة العالم العربي برمته وكل البلدان العربية تشهد تناميا للتطرف”.
وعن أسباب هذه الآفة التي لا زالت تنخر دول القارات الخمس، أوضح يعته، أن هناك عدة عوامل، لخصها في ثلاثة نقط:
“- أولا غياب الديمقراطية، إذا كانت بعض البلدان العربية تشتكي من تنامي التطرف، ليس عليها سوى أن تتحمل مسؤوليتها بنفسها، القادة العرب الذين ما فتئوا يعبرون عن انزعاجهم من ذلك، هم مسؤولون عن هذا الوضع القائم، لو كانوا يراعون الديمقراطية، لو كانوا يمنحون الإمكانية لكل القوى السياسية للتعبير وللتنظيم وللعمل في إطار الحرية والشرعية، لن ينزعجوا من التطرف، وهذا الأخير لن يتنامى بهذا الشكل الصارخ في بعض الدول العربية.
– السبب الثاني الذي ينضاف لغياب الديمقراطية، هناك عدم الأخذ بعين الاعتبار مصالح الكتل الشعبية، فالمطالب المشروعة للكتل الشعبية لم يتم تحقيقها على أرض الواقع. هذه الكتل الشعبية بحد ذاتها، كانت عرضة للإهمال، وللفقر، لا ينبغي الاستغراب أنه في وضعية البؤس والحرمان يجد البعض في التطرف الوسيلة والسبيل للخروج من وضعية الفقر. مرة أخرى، المسؤولية يتحملها القادة العرب الذين يهتمون بخدمة مصالح الانتهازيين الوطنيين والأجانب الذين يطمحون للحصول على الامتيازات عوض خدمة مصالح شعوبهم.
لو تم توفير أدنى شروط العيش لدى شعوبهم، أعتقد أنه لن يزعجهم تنامي وتطور مظاهر التطرف.
– السبب الثالث، أجده في تصرف بعض الدول العربية التي انفتحت بشكل سريع ومباغت وتقريبا بشكل مطلق على العالم الغربي، مع تناسي خصوصيات بلدانهم وإهمال التقاليد التي تتوافق مع بلدانهم، من خلال اتباع توجه يتنافى مع عاداتهم ومع أسلوب عيشهم وتفكير شعوبهم.
بالتأكيد، لا يعني ذلك أنه ينبغي الانعزال واتخاذ موقف معارض للحضارة الغربية. هناك فائدة لا ينبغي إنكارها يجدر أن نأخذ منهم ما يصلح، لكن هناك كذلك مصلحة لا يجب إغفالها وهو ما يميزنا وما يعطي خصوصية لكل بلد عربي، لكل شعب عربي.
وأرى في هذا الانفتاح المباغت على العالم الغربي، أحد الأسباب التي قادت بعض العرب إلى محاولة الدفاع عن خصوصيات أوطانهم. عن طريق الرجوع إلى إسلام في أزمنته الأولى. ‘رجوع’ لا يمكن أن يكون ناجعا إلا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار تطور الحضارة البشرية، وشروط جديدة لعالم معاصر.
تلك هي الأسباب الأساسية. بالتأكيد في كل بلد، هناك أسباب خاصة به. بالنسبة إلينا، يجب القول إن الظاهرة موجودة، إنها تتطور لكن بحدة أقل بكثير مما يجري في البلدان الأخرى، كما هو الحال بالنسبة لتونس أو مصر. بلدنا كان مراعيا جدا للجانب المتعلق باحترام التقاليد، المشاعر الدينية للشعب”.
وعن ظاهرة التطرف بالمغرب، زاد علي يعته مفسرا، أن الظاهرة لا تقلقه وتخيفه، موصيا بالتشبث والدفاع، عن المسلسل الديمقراطي الذي كان لا يزال في بدايته، ومطالبا بالدفع به إلى حده، ومعتبرا هذا المبدأ، هو المنفذ للسلام من ظاهرة التطرف ومحاربتها بذكاء ومنطق عقلاني.
وكان عندها (سنة 1988)، ينبه علي يعته، من ظاهرة التطرف التي تنامت في صفوف طلبة الجامعات، مرجعا ذلك، إلى “تخريب التنظيمات الطلابية ونهج سياسة القمع تجاه المطالب العادلة والمشروعة للطلبة، لأنه قد تم إقامة حراسة تستخدم لغة العصا بدل لغة الحوار مع الطلبة”.
وكانت الجامعة بالنسبة ليعته، هي فضاء للحرية، والتعبير عن الأفكار، ومناقشة المواضيع السياسية والاجتماعية التي تهم المغرب، لاسيما، الحركة الطلابية المواطنة والتقدمية، التي كان يرى فيها الخلف للسلف، داعيا إلى الأخذ بعين الاعتبار تمثيلية الشباب في الغرفة التشريعية خلال انتخابات سنة 1990، من أجل أن يدافعوا عن مستقبلهم، ومصير أقرانهم، استنادا إلى تمثيلية إرادة وصوت الشعب.
الديبلوماسية الحزبية
سي علي، لم يبخل يوما عن خدمة المغرب، في الدفاع عن وحدته الترابية، انطلاقا من الديبلوماسية الحزبية، التي كانت تربط حزب التقدم والاشتراكية بمجموعة من الأحزاب السياسية عبر ربوع العالم، والتي توجد في الصفوف الأمامية، والقوى الثورية والديمقراطية، ويقول عن هذه النقطة في حواره، إن “لدينا علاقات مع كل الحركات العمالية العالمية ومع العديد من القوى الديمقراطية، لدينا علاقات ممتازة مع البلدان الاشتراكية. سعينا دائما لتوظيف هذه العلاقات لفائدة بلادنا، لفائدة قضية الاستقلال والوحدة الترابية لبلادنا. أعتقد أن هذا أعطى ثمارا لا يستهان بها”.
والسيادة كانت عند يعته، خطا أحمرا لا يمكن أن تتجاوزه أية دولة في العالم، داعيا عندها الحكومة إلى فتح العلاقات مع البلدان الاشتراكية، على اعتبار أن المغرب كان يجهل وقتها “بعض الدول الاشتراكية: فمثلا ليست لدينا علاقات مع الفيتنام، بلد من خمسين مليون نسمة، بلد ما فتئ يلعب دوار هاما في آسيا، والذي سبق له أن لعب دورا على الصعيد العالمي، من خلال مقاومته بنجاح الاستعمار الفرنسي والامبريالية الأمريكية، وليست لدينا علاقات مع الكومبودج، لاووس، كوريا الديمقراطية”.
وفي هذا الإطار، حث عليه يعته، على ضرورة فتح العلاقات مع مختلف الأقطار، “إننا نستطيع القيام بالشيء الكثير، لكن ما نستطيع القيام به لن يكون كافيا، ما دام أن المغرب لا يمارس سياسة توازنية. ونحن نعمل لكي يتبنى بلدنا سياسة استقلالية حقيقية، ذات حياد إيجابي، سياسة صداقة مع الجميع، مع الولايات المتحدة الأمريكية بالقدر نفسه مع السوفيات، الصين الشعبية.. إلى آخره”.
وبهذه النبذة الصغيرة عن الحياة السياسية لسي علي يعته، في مرحلة خاصة، يمكن القول إنه كان رجل توازن، وشخصية عامة تدافع عن القضايا الوطنية الكبرى، بالإضافة إلى دفاعه المستميت عن القيم الإنسانية، التي تعد المدخل الأساس لتحقيق العدالة الاجتماعية في المغرب.
إعداد: يوسف الخيدر
*****
في حضرة السي علي
1
لا خطو في الممر
لا صوت ولا صداااه
– اجتماع، أيها الرفاق
لم يتردد النداااه
– اجتماع، أيها الرفاق
تلك المفاتيح على الباب الموارب
والقاعة الكبرى
سفينة على أهبة الانطلاق
– اجتماع، أيها الر..
رفاق في المكاتب
ينتظرون الموعداااه
– اجتماع، أيها الرفاق
أنشودة واحدة
موصولة الإيقاع
قلبا ولسانا ويداااه
– اجتماع، أيها الرفاق
بوصلة هادية، واضحة المسار
والساعة الكسلى عقارب
تلسع قلب الانتظار
– الاجتماع، أيها الرفاق
2
في القاعة
حشد وفود من أقصى المغرب
بقلوب ملتاعة
تتطلع نحو القلب الطيب
3
أيهذي البلاد
البلاد التي شردتها المناحات
في كل واد
ضمدي فيك هذي الجراح
وانزعي عنك هذا الحداد
وارفعي بيرق النصر
فوق رؤوس الرماح
4
يا علي
كلما صحت: هذا أوان النضال
قال لي
معشر: إن ميزاننا اليوم مال
5
أيهذي البلاد
البلاد التي عاث فيها الرخاء
لم يعد كافيا أي شيء
ولا شيء يحيي العظام وهي رميم
فاطرحي عنك كل رجاء
عند باب الجحيم
6
يا علي
نحن من نحن
من معدن خالص كالنضار
أم ترانا كخرقة وحل
لغسل
السما والبحار
7
أيهذي البلاد
البلاد التي كلما
عاث فيها الفساد
قلت: قلبي على وطني
وبكيت دما
والتفت إلى السوق
ألعن آلهة الثمر
نعرضه للمزاد
يا علي
الخوارج قد عقدوا
مع نظام
معاوية العالمي الجديد
معاهدة للسلام
وقد سددوا
باتجاه فؤادي السهام
8
يا علي
اختلط الحابل بالنابل :
منا من يرى
الثورة في الثروة حقا
ومنا من يرى
الحق في الثورة
مهما
صار حمقا
9
كل صباح
في تمام التاسعة
تغتسل القلوب
في مطهره
باسمة العيون
كل صباح
في تمام التاسعة
وقبلها وبعدها
لا مستراح
كل مساء
في تمام السابعة
تغتسل العيون
في حضرته
مثخنة القلوب
بالجراح
كل مساء
في تمام السابعة
من ذلك السبت الحزين
عند وقوع الفاجعة
10
كفكف دموعك يا رفيق
فعزاؤنا فينا وفي الوطن العزاء
ودع البكاء ولا نمت عطشا
منى حم القضاء
وانهض كما نهض الفنيق
14 غشت 1997
شعر: إدريس الملياني