قرار محكمة الاتحاد الأوروبي القاضي بإلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، ليس هزيمة للمملكة أو خطوة غير منتظرة، وذلك بغض النظر عن الانتشاء الأبله به من لدن النظام العسكري الجزائري وماكينته الإعلامية أو فلول الانفصاليين.
بداية، هو قرار ابتدائي ولن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد استنفاذ كل درجات التقاضي، وبالتالي العلاقات التجارية ستستمر كالمعتاد في انتظار ذلك، كما أن المعنيين بالاستئناف سيقومون بذلك.
من جهة ثانية، هذا «الفيلم» يذكرنا بقرار مماثل حدث قبل ست سنوات، وصدر عن ذات المحكمة وبنفس تركيبتها، ثم جرى استئنافه وألغي لاحقا.
ثالثا، المملكة أصلا لم تكن طرفا في الملف أو في الترافع، ومن ثم ما حدث كان نتاج مبارزة أوروبية أوروبية، وعادة ما يحضر في ذلك الاعتبار السياسي والمنطلق الإيديولوجي، علاوة على الكثير من المزايدات والمساومات والضغوط…
قراءة خطوة المحكمة الأوروبية، يجب أن تستحضر ما سبق، وأيضا واقع العلاقات المؤسساتية والتدافع بين هياكل منظومة العمل الأوروبي المشترك، فضلا عن حسابات السياسة، إن داخل الأقطار الأوروبية أو على صعيد جيواستراتيجية الاتحاد وما يتفاعل من تحولات بداخله وحواليه، كما أن هذه القراءة لا بد أيضا أن تسجل ردود الفعل الأوروبية التي أعقبت صدور القرار مباشرة، وخصوصا من طرف المفوضية الأوروبية ومسؤولي الاتحاد والفاعلين الاقتصاديين المعنيين، وأساسا إسبانيا المعنية كثيرا بالاتفاقيتين، وخاصة اتفاقية الصيد البحري، وهنا سيقع قرار المحكمة الأوروبية أمام اختبار الدول الأعضاء، والتي تعتبر هي المتضررة من إلغاء الاتفاقيتين مع المغرب.
في 2015 سارعت الدول الأوروبية المتضررة نفسها إلى مواجهة قرار المحكمة واستئنافه، وهو ما سيتكرر، بلا شك، هذه المرة، وسيحضر المغرب لتمتين شروط ومقومات تموقعه، وصيانة مصالحه ضمن مقتضيات الاتفاقيتين.
كل المراقبين سجلوا أن قرار المحكمة الأوروبية انطلق من منطلق يفتقد إلى السند القانوني، ويتعلق الأمر بالصفة القانونية للجبهة الانفصالية، وبالتالي أخطأ القضاة في تحويل حساب سياسي إلى حيثية قانونية تعلل الحكم، كما أن المحكمة ألغت مختلف التحريات والتدقيقات التي وقفت عليها هياكل الاتحاد الأوروبي قبل الإقدام على صياغة الاتفاقيتين وتوقيعهما مع المغرب، وأقدمت على التشطيب عليها ورفضها، ما يحول المشكل إلى نزاع بين مؤسسات وهياكل الاتحاد الأوروبي ذاتها وسعي لإبراز القوة فيما بينها، وبالتالي يضع قادة دول الاتحاد الأوروبي أمام مسؤولية الالتزام بقراراتهم والوفاء بما يوقعونه من اتفاقيات ومعاهدات، وهنا تتجلى مسؤولية أوروبا في الدفاع عن صورتها الدولية، والتزاماتها مع شركائها…
نعرف أن توترات موجودة اليوم بين بعض الدول الأوروبية والمملكة، ونعرف أن النجاحات الدبلوماسية والإستراتيجية التي يحققها المغرب في إفريقيا وعلى الصعيد الدولي يوجد لها خصوم ورافضون، ونعرف أيضا أنه عند اقتراب شهر أكتوبر وموعد مناقشة مجلس الأمن لمستجدات قضية الوحدة الترابية للمملكة تتعدد «المقالب» وتظهر الضغوط والابتزازات من أكثر من جهة، ولكن كل هذا صار من ضمن المشاهد المكررة كل سنة، ويتطلب اليوم يقظة دبلوماسية وسياسية قوية للتصدي له وإفشاله.
المواجهة تحتم اليوم الرصانة والعمق والكثير من السياسة والدبلوماسية والمعرفة القانونية والحضور الإعلامي والترافعي، ولا تقبل المزايدات المتبادلة أو الردود المتشنجة…
وطبعا هذه المستجدات تأتي لتعزز أهمية تقوية الجبهة الداخلية وإنجاح كل الإصلاحات التنموية والديمقراطية وتمتين التعبئة الوطنية للانتصار لمصالح بلادنا، ولبناء المستقبل…
<محتات الرقاص