بعثت قيادة الحزب الشيوعي السوري الموحد رسالة توضيحية لسائر الأحزاب الشيوعية والعمالية في العالم تثير فيها الأوضاع السياسية الراهنة لسوريا وموقف الحزب من تداعياتها واقتراحاته للخروج من الأزمة، وفيما يلي نص الرسالة كما توصلت بها بيان اليوم الرفاق الأعزاء في الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية..
تحية رفاقية؛
بدأت الأحداث المؤلمة في سوريا منذ قرابة الشهرين، بظهور حركة احتجاجية لتلبية المطالب المحلية والعامة المحقة لأهالي محافظة «درعا». هذه الحركة التي نبهت إلى وجود ثغرات قوية في الحياة السياسية للبلاد تتمثل في استمرار حالة الطوارئ، وغياب القوانين الناظمة للعمل السياسي وغيرها… كما عبرت عن الاستياء الشعبي المتراكم من تدهور الأوضاع المعيشية والاجتماعية الذي تسبب به النهج الاقتصادي للبلاد، إذ جنح نحو اقتصاد السوق الحر، وقلّص دعم الدولة ورعايتها للفئات الفقيرة من أبناء الشعب ورفع الدعم عن المواد الأساسية ومستلزمات الإنتاج الزراعي، وحرر التجارة الخارجية دون أن يترافق ذلك مع تأهيل مناسب للصناعة السورية، إضافة إلى زيادة معدلات البطالة وخاصة بين الشباب، مما جعل من الضروري إصدار المراسيم التشريعية الثلاثة حول إلغاء حالة الطوارئ، وإلغاء محكمة أمن الدولة، والسماح بالتظاهر السلمي وفق أسس قانونية، وتشكيل لجان لإصدار عدة قوانين مثل: قانون الانتخابات -قانون الأحزاب- قانون الإعلام وغيرها…، ويَعد بتشريعات أخرى في الجانب الاقتصادي والاجتماعي.
لكن الاحتجاجات سرعان ما امتدت إلى مدن أخرى، مستغلة بعض الأساليب الأمنية الخاطئة الذي اتبعتها السلطات في مواجهة المحتجين في الشوارع، والتي أدت إلى سقوط عدد من الضحايا. وترافق هذا التحرك الشعبي مع ضخ إعلامي استثنائي قامت به فضائيات أجنبية وعربية عدة، مستخدماً أحدث أشكال التكنولوجيا، وبضمنها تكنولوجيا التزييف والمبالغة والتهييج النفسي، وخاصة ما برز جلياً من اهتمام أمريكي مليء بالعواطف الكاذبة تجاه المواطنين السوريين، متناسياً ما سببته الإدارات الأمريكية المتعاقبة في أنحاء مختلفة من العالم، من الدمار والموت، وتأجيج الصراعات الطائفية والإثنية، وخاصة في العراق.
لقد لعبت سوريا دوراً أساسياً في إفشال المخططات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى إنشاء فضاء إقليمي جديد معاد لمصالح الشعوب العربية، ويهدد لضرب المقاومة الفلسطينية، ويستجيب لمخططات إسرائيل التوسعية، ويحرر الصفقات الاستسلامية التي تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحق سوريا في استعادة أراضيها المحتلة، لذلك دعم حزبنا الصمود السوري في مواجهة هذه المخططات، ونال هذا الموقف الوطني السوري دعم الشعوب العربية، ودعم وتأييد الحركة الشيوعية العالمية، ودعم الحركات التحررية في العالم.
لقد كنا ندرك، وما نزال، أن النهج الوطني لسورية أقوى من أن تسقطه المؤامرات الخارجية مهما كانت، ولكننا حذرنا من أخذه من الداخل، وكنا وما نزال نقول إن السياسة الخارجية المقاومة تحتاج إلى سياسة داخلية مقاومة ترتقي إلى مصاف السياسة الخارجية، وإن تجاهل ذلك سيؤدي إلى فسح المجال أمام قوى الهيمنة العالمية لاستغلال الوضع ودس أنفها فيه وتحويل مجراه باتجاه خدمة مصالحها.
لقد أعلن حزبنا منذ بداية الأحداث أن المواطنين الذين قاموا باحتجاجاتهم وتظاهراتهم يضمون جماهير معادية للاستعمار ولكل أشكال التدخل الأجنبي في سورية، ولكنهم في الوقت نفسه أصحاب حق في الاحتجاج على مظالم محلية تسبب بها مسؤولون أمنيون وإداريون في المحافظة، ومظالم عامة يعانونها مَثَلُهم مثل شرائح واسعة من المجتمع السوري، وطالب حزبنا بوقف العنف، وتلبية المطالب الشعبية المحقة، وعدم التعرض للتظاهرات السلمية، كما حذرنا من استغلال أصحاب المخططات المرتبطة بالخارج هذه الحركة الاحتجاجية الشعبية بهدف إثارة النعرات الطائفية وتفتيت الوحدة الوطنية للشعب السوري، تمهيداً لنشر الفوضى الشاملة التي تشجعها وتمولها جهات خارجية معادية للسياسة الوطنية التي تنتهجها البلاد، وأكدنا في مناسبات عدة ضرورة استمرار السلطة في إصدار التشريعات الإصلاحية وتنفيذها بالسرعة المطلوبة، كما أوضحنا أن ذلك يرتبط بعودة الحياة الطبيعية والهادئة إلى مدن البلاد، كما يتطلب إيقاف العنف والاعتقالات وردود الأفعال غير المدروسة من جميع الأطراف.
لكن مجريات الأمور في الفترة الأخيرة أخذت منحى مختلفا، إذ ظهرت مجموعات مسلحة استهدفت قتل عناصر الجيش والشرطة، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وسقط العديد من الضحايا بين العسكريين والمدنيين، وتعطلت الحياة الطبيعية في عدة مدن، وطغى سلوك هذه المجموعات العدواني المسلح على حركة الاحتجاج السلمية، وعرضت وسائل الإعلان مجموعات سلفية تخريبية، اعترفت بتلقيها الأموال والأسلحة من الخارج، واستهدافها رجال الجيش والأمن وعائلاتهم.
لقد دعا الحزب الشيوعي السوري»الموحد» في بيان قوبل بتأييد واسع من القوى الوطنية، إلى عقد مؤتمر وطني عام، يضم جميع الأحزاب السياسية، والمعارضة الوطنية في الداخل، وممثلي النقابات الرئيسية في البلاد، والنخب الفكرية والثقافية والاقتصادية ورجال الدين، وذلك للحوار والالتقاء حول برنامج وطني يستهدف وضع بلادنا على سكة إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل، يقود إلى سورية الديمقراطية الحديثة، دولة القانون التي تطلق الحريات العامة لجميع المواطنين ومكونات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات والجمعيات المدنية الأخرى، وتعترف بالتعددية السياسية، وحرية الاجتماع والتعبير عن الرأي، وتحرر الحياة العامة من القوانين والقيود وأشكال الرقابة المفروضة عليها، وتتيح للمواطنين التعبير عن مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة في إطار توافق جماعي وتنافس سلمي، وبناء مؤسساتي يتيح للجميع المشاركة في إنهاض سورية، وتعزيز كرامة شعبها، ولتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، تخدم مصالح جميع الفئات الاجتماعية، الفقيرة منها قبل الثرية، ولدعم صمود بلادنا في وجه مشاريع الاستسلام، والنضال من أجل تحرير الجولان.
لقد أوضح حزبنا أن السوريين يعرفون طريقهم إلى الإصلاح السياسي، كما يعرفون ما هي العيوب التي يشكو منها وضعهم الداخلي، وهم يميزون تمام التمييز بين المطالبين بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة لتقوية الجبهة الداخلية، وتعزيز قدرات البلاد، وبين من يستغلون الأوضاع لإثارة الفتنة التي لا تخدم إلا أعداء الوطن.
لقد اتضح في الآونة الأخيرة تمام الوضوح التدخلات الاستعمارية في الشؤون الداخلية لسورية تحت حجة «الديمقراطية» وتقود الحكومتان الفرنسية والأمريكية ومعهما بريطانيا وألمانيا حملة إعلامية واسعة ضد سورية، ويسوق لها عدد من المعارضين السوريين في الخارج المرتبطين بالمشروع الأمريكي- الإسرائيلي في المنطقة.
إن شعبنا يأخذ التهديدات الأجنبية ضد وطننا على محمل الجد، وفي هذا المجال يقف صفاً واحداً لمواجهة هذه التهديدات التي لن تنجح في تغيير مسار النهج الوطني للبلاد، ومقاومتها للمشروع الأمريكي الإسرائيلي في سبيل تحرير الجولان ونصرة نضال الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وكذلك تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي، ومزارع شعبا في جنوب لبنان.
ولابد من الإشارة إلى المواقف الإيجابية الحازمة التي اتخذتها كل من روسيا والصين في فضح مرامي هذه التهديدات، ووقوفها الكامل إلى جانب سورية في هذه الأزمة.
ويقوم حزبنا الآن بإجراء مشاوراته مع الأحزاب السورية، وقوى المعارضة الوطنية، ومختلف أطياف المجتمع المدني، لوضع اقتراحه بعقد ملتقى للحوار الوطني موضع التنفيذ.
مع خالص التحيات الرفاقية
الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري «الموحد»
حنين نمر