الانتصار الذي تحقق لبلادنا من خلال القرار رقم: 2602، الصادر يوم الجمعة عن مجلس الأمن الدولي، يمكن إبرازه من خلال مضامين القرار نفسه وأيضا من خلال قراءة السياق الذي سبق صدوره ومختلف المناورات والضغوط التي قام بها خصوم الوحدة الترابية للمملكة.
النتيجة التي انتهى إليها التصويت تؤكد مثلا أن الموقف الأمريكي والموقف الفرنسي لم يتغيرا، وتعززا هذه المرة بتصويت الصين وبريطانيا لصالح القرار، وبلغ عدد المصوتين لفائدة القرار 2602 ثلاثة عشر عضوا، في حين لم يعارض أي عضو القرار ولم يصوت ضده، وحتى روسيا، صاحبة حق الفيتو، والتي راهن الخصوم على موقفها، اكتفت بالامتناع ولم تعارض، وبقيت وحدها تونس التي فاجأت المتابعين وصوتت، بدورها، بالامتناع.
من المؤكد أن موقف تونس قيس سعيد بدا غريبا وشاردا، وحتى التفسير اللاحق جاء بنفس المستوى، ولكنه جاء عاكسا لارتباك النظام التونسي الحالي وتيهه، ولم ينجم عنه أي تأثير في الأخير، حيث النتيجة النهائية كانت هي: «صفر معارض وامتناعين اثنين وثلاثة عشر مؤيد للقرار».
الخلاصة من هذا، أن كل التصعيد والضغوط لم تنفع النظام الجزائري في تغيير النتيجة أو في التأثير عليها.
وموقف واشنطن أيضا لم يتغير بتغير الإدارة هناك، ومن راهن على منصة مجلس الأمن ليكشف بايدن عبرها تغيير موقف سلفه من مغربية الصحراء أصيب بالصدمة، كما أن القرار الأممي الجديد لم يتوقف عند فتح قنصليات بأقاليمنا الجنوبية، وفرنسا، من جهتها، لم يؤثر في موقفها قرار المحكمة الأوروبية الأخير أو ما تشهده علاقاتها مع الرباط، في الفترة الأخيرة، من التباسات، وبقي موقفها ثابتا ولم يتأثر بذلك، وكل هذا يعني أن السياق السابق، الذي كان شهد تأمين معبر الكركرات والإعلان الأمريكي عن الاعتراف بمغربية الصحراء وتوالي فتح قنصليات أجنبية، كل هذا لم يرد في القرار أي رفض له أو تنديد به، وإنما بقي يجسد مكتسبات سياسية وميدانية حققها المغرب على أرض الواقع.
وفِي المضمون الذي ميز القرار الأممي الجديد، يمكن استعراض عدد من النقاط التي تؤكد الهزيمة المدوية لعسكر البلد الجار وصنيعتهم الانفصالية.
المعطى الجوهري، في هذا الإطار، أن القرار الأممي ينتصر للحل السياسي وليس لأي خيار آخر، ويشدد على أن الغاية من المسلسل تبقى هي أن يفضي إلى حل واقعي وعملي وقائم على أساس التوافق، وفِي كامل هذا المعجم المعروف يبرز حضور المغرب ومقترحه الخاص بالحكم الذاتي، ولا مكان مطلقا للتكلس والجمود الجزائريين، وهو ما يعني تنامي وعي المجتمع الدولي بجدية ومصداقية الموقف الوطني المغربي.
المعطى الأساسي الثاني، هو أن الجزائر التي ناورت لإبعادها وعدم اعتبارها طرفا وصرحت بكونها غير معنية بالموائد المستديرة، نص القرار الأممي على مسؤوليتها، واعتبرها مدعوة للانخراط في المسلسل السياسي، كما أن قرار مجلس الأمن أبرز أن الموائد المستديرة تبقى هي الآلية الوحيدة لتدبير المسلسل.
ومن خلال هذين المعطيين السابقين، يكون قرار مجلس الأمن قد صدر مذكرا إذن بثوابته السابقة بشأن الملف، كما أنه لم يشر إلى معبر الكركرات الذي كان المغرب قد أمنه وأعاد فتحه للحركة التجارية، ومقابل ذلك عبر عن انشغاله العميق بخرق وقف إطلاق النار، والكل يعرف من أعلن جهارا تحلله من أي التزام باتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع الأمم المتحدة، ومن ثم يجد اليوم النظام الجزائري وجبهته الانفصالية نفسيهما في مواجهة مباشرة مع المنتظم الدولي بهذا الخصوص، وضد إرادة مجلس الأمن الذي عبر عن حرصه وسعيه لحماية الاستقرار في المنطقة.
إن قرار مجلس الأمن كذلك، والذي مدد ولاية بعثة الأمم المتحدة»مينورسو»لمدة سنة، لم يضف لها صلاحية مراقبة حقوق الإنسان، ولم يرضخ لمناورات إدخال هيئات إقليمية مثل الإتحاد الإفريقي أو الإتحاد الأوروبي، ولكن في المقابل جدد الدعوة لإحصاء محتجزي مخيمات تيندوف.
كل هذه المعطيات والنقاط أعلاه تلخص إذن الضربة والرسائل القوية التي صفع بها مجلس الأمن جينرالات الجزائر، وتكشف أن المرحلة القادمة تفرض على النظام العسكري في البلد الجار الاحتكام إلى العقل، والاقتناع بكون العداء المرضي للمغرب ليس مجديا، وبأن المغرب يدافع عن حقوق وطنية مشروعة، وعن قضية تعني وحدته الترابية وسيادته الوطنية، ولا يمكنه التراجع عن ذلك…
<محتات الرقاص