تظل السمة المميزة للتجربة الصباغية عند الفنانة العصامية فاطمة عيجو (تعيش وتشتغل بمدينة العيون) هي تفرّدها في أسلوبها التلويني المبني على الكثافة والتعضيد وشغل المساحات والكتل بألوان طرية مستوحاة من تربة الصحراء ومن ثقافتها البصرية الممتدة والمفتوحة على الشساعة والمطلق والامتداد.
فهي فنانة أصيلة ممتلئة بالجد والحيوية التي ترسم أفقها الجمالي الذي لا يتوقف عند تجربة تلوينية معيَّنة إلا وينطلق من جديد مع تجريب آخر يدفعها بالتأكيد إلى إنتاج المزيد من اللوحات الصباغية التي تتكدَّس ببيتها الذي تحوَّل إلى متحف صغير ينبت بحي شعبي بمدينة العيون. وقد عاينت عديداً من هذه اللوحات وأمكنني القول بأنها ممارسة تلوينية خاصة تستدعي المزيد من الاهتمام والالتفات.
تنسج الرسامة فاطمة عيجو لوحاتها بخبرة عفوية وبمَلوَنة Palette طرية تمتزج فيها الألوان الحارة والألوان الباردة بأهم اشتقاقاتها القزحية، منطلقها الأساس خبرتها وتجربتها في الحياة.. ترسم كما تحلم.. وتحلم بأن يظل الرسم متنفسها الذي تنتصر به على كل قلق أو ضيق.
هي هكذا تصبغ بعفوية وكأنها تكتب مدونة يومية بألوان الحياة، من منظور كون “الرسم طريقة أخرى لكتابة المذكرات”، كما يقول بابلو بيكاسو.
فهذه الفنانة لا تطمح سوى أن تظل وفية لفنِّها ورسمها الذي يبدو ملتصقاً بحسِّها العصامي الموسوم بكثير من البذل والعطاء والإنتاج المتتالي. ففي مقابل الصمت والخجل اللذين يطبعان شخصيتها كإناسة، تظهر ألوانها عكس ذلك صارخة ومبتهجة وناطقة بأصوات مرئية تتضمن تكوينات ومفردات تشكيلية عديدة من الصعب فكِّ سننها وشفراتها خلال قراءة واحدة.
ألوانها عموماً تعبيرية واصطلاحية مشحونة بطاقة داخلية متباينة الإيقاعات والرجّات، تنبعث من عمقها إحساسات مرهفة تفوح زهواً وتفاؤلاً وترسم نوعاً من الدهشة تيمُّناً بقول الفنان الفرنسي هنري ماتيس: “وظيفة الفنان ليس أن يرسم ما يراه ولكن أن يعبِّر عن الدهشة التي يسببها ما يراه وينجح في التعبير عنها بقوة”.
في لوحاتها تتبدَّى أكثر من دلالة أيقونية تتوارى خلف مضمون صباغي يعكس فكرها الراكض ويمتد لشعورها الإنساني، ذلك أن غالبية هذه اللوحات تظهر في شكل حدائق غنّاء حيث الكثافة اللونية المنسوجة والمطروزة بخطوط إحاطة رخوة تؤسر الكتل والنماذج المرسومة (أزهار وبساتين متخيَّلة، وجوه آدمية، أشكال حرة..) لتمنحها هوية جمالية بسيطة وخالية من كل تعقيد أو ادّعاء.
هذه البساطة التلوينية كثيراً ما تمنح القارئ متعة بصرية تجعله يتجوَّل باشتهاء داخل ثنايا اللوحة دون عناء، بل تجعله يساهم في تشكيل مسارات اللون والمعنى ليتذوقها عقب ذلك بحس تشاركي يفتح الحدود ويردم المسافات بين التلقي والعمل الفني. بمعنى آخر، وبفهم مختلف، تظل اللوحات التي تنفذها الفنانة فاطمة عيجو تمثل احتفالية لونية شديدة البناء والتوليف والتنوُّع، ما يجعل تجربتها الصباغية الخاصة تعكس ببهاء الأفق الجمالي الذي تُراهن عليه هذه الفنانة الحالمة التي تتحزَّم بفنها ورسمها وتعتبرهما رسالة إبداعية وإنسانية في آن.. وهذا هو سرّ نجاحها واستمراريتها.
> بقلم: إبراهيم الحَيْسن
لوحات الرسامة فاطمة عيجو
الوسوم