يشهد اتحاد كتاب المغرب سجالات متوترة بين أعضائه لم تبق حبيسة اجتماعات مكتبه التنفيذي، ولكنها صارت معروضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل إعلامية مختلفة، وأدى هذا التشنج الكبير بين قياديين في المنظمة الثقافية الأكبر بالمغرب إلى تأجيل مؤتمرها الوطني، الذي كان مرتقبا في الفترة من 24 إلى 26 نونبر بطنجة، والذي كان أجل انعقاده قد حان منذ مدة طويلة.
المتابع للحملات الكلامية والتهجمية المتبادلة بين قياديي اتحاد كتاب المغرب يحس بالألم فعلا، وبالحزن لكامل هذا المآل، ويتساءل عما إذا كانت مزاجيات الأشخاص ونرجسياتهم قادرة على جر منظمة الأدباء والمثقفين إلى كامل هذا الدرك السفلي، وأن تغيب حتى أبسط قواعد اللياقة في الكلام والتواصل بين الأعضاء…
يصعب، حقيقة، الاصطفاف لصالح هذا الطرف أو ذاك في “جذبة” السباب الحامية بين مبدعينا، ونحن لا نريد أصلا هذا الاصطفاف ولا نشتهيه.
ما يهم اليوم هو مستقبل هذا الاتحاد، الذي حافظ دائما على تميزه واختلافه عن اتحادات مماثلة في مجموع البلدان العربية، وذلك من حيث استقلاليته وحرصه على الأفق الديمقراطي المنشغل بأسئلة الحرية والتقدم والانفتاح، فضلا عن التميز في إنتاج الأسئلة والقضايا الثقافية والفكرية الكبرى المرتبطة بواقع مجتمعنا وانتظارات شعبنا.
ما يحياه الاتحاد اليوم هو فعلا مشكلة تنظيمية داخلية تتفاقم جراء تداعيات العلاقات المتوترة بين بعض قيادييه، وهذا الانحدار نفسه يعتبر وضعية مسيئة، ولكن الأخطر هو أن هذا التيه يمنع منظمة ثقافية عريقة مثل اتحاد كتاب المغرب من الانشغال بالأسئلة الحقيقية والجوهرية، وذلك على غرار دور هذا الاتحاد نفسه ووظيفته، واقع القراءة وسط شعبنا وشبابنا وطلبتنا و… نخبتنا، وإسهام الاتحاد وباقي الفاعلين الثقافيين الآخرين في تنمية المقروئية والنهوض بالكتاب وتطوير الوعي الثقافي العام والمستويات المعرفية في بلادنا، ثم كذلك علاقة الاتحاد بأسئلة الثقافة والفكر في ارتباطها بالمجتمع ومستقبله…
هذه الأسئلة والانتظارات الثقافية والمجتمعية يستحيل اليوم على المؤتمر القادم للاتحاد أن يوفر مساحة لدراستها وصياغة مواقف ومقترحات بشأنها، وهذا هو المشكل الحقيقي الذي ينجم عما يجري داخل اتحاد كتاب المغرب وحواليه.
لقد قرأنا منذ أيام أن قيادة الاتحاد، وبالموازاة مع تتبعها للسجالات والاتهامات المتبادلة بين مكوناتها، تعتزم استئناف التحضيرات الخاصة بالمؤتمر، كما أنها طرقت باب المؤسسات الإدارية والرقابية ذات الصلة بغاية عرض معطيات ووثائق تدبيرية ومالية على المؤتمر مكرسة لقانونية التسيير وشفافية صرف الميزانية طيلة الولاية المنصرمة، وكل هذا مهم، ويندرج، على كل حال، ضمن القواعد البديهية المتعارف عليها اليوم في تسيير شؤون الجمعيات والمنظمات المدنية، ولكن الأساسي هو ضرورة بلوغ محطة المؤتمر الوطني من داخل أرضية ثقافية وتنظيمية يلتف حول مضمونها ومخرجاتها الإجرائية الجميع، أو الأغلبية الواسعة على الأقل، وبعد ذلك جعل المؤتمر بداية مسار جديد للبناء واستعادة انسيابية العلاقات الداخلية و”نضجها”، وأيضا مناسبة لصياغة رؤية الاتحاد لمستقبله ولمختلف الأسئلة الفكرية والثقافية والسياسية التي ينشغل بها المجتمع، وبما يتيح للمنظمة أن تستعيد موقعها التوحيدي وسط المشهد الفكري والسياسي الوطني.
صحيح، أن تحولات جوهرية عرفها مجتمعنا وشعبنا على غرار باقي العالم في العقود الأخيرة، وبالفعل هناك تحديات حاسمة أمام المجتمع نجمت عن ثورة تقنيات التواصل، وعن تراجع جاذبية المكتوب وتدني مستويات الإقبال على القراءة، علاوة على أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية لها أيضا آثارها، وتبدلات القيم والعلاقات، ولكن كل هذا هو ما يفرز بالضبط اليوم أسئلة أساسية، وبعضها وجودي حتى، أمام اتحاد كتاب المغرب وكل المنشغلين بالشأن الثقافي والفكري في بلادنا، ومسؤولية مؤتمر الاتحاد وأعضائه وكل رموزنا الأدبية والفكرية وصناع ذوقنا الأدبي والجمالي هي أن ينكبوا على تأمل هذه الأسئلة والبحث لها عن مداخل جواب، وتمتين منظومة ترافع ودفاع عن كل ذلك، أي عن دور الثقافة وأهميتها في المجتمع، وعن حق شعبنا في الثقافة، وعن دور المثقف والمبدع في إسناد سير بلادنا وشعبنا في طريق الحرية والديمقراطية والانفتاح والتعددية والتقدم والمساواة.
عفوا، أيها الأصدقاء، أيها الأساتذة الذين نقدرهم، السباب والاتهامات المتبادلة بينكم هذه الأيام لا تهمنا، ولكن الأسئلة التي أوردناها هنا تعنينا فعلا، وهي التي تلف عنق الاتحاد اليوم ودائما، وتجسد محددات وظيفته وواجب أعضائه تجاه هذه البلاد وهذا المجتمع.
محتات الرقاص