شهد إقليم جرادة، أول أمس الأربعاء، مواجهات عنيفة بين قوات الأمن وعشرات المحتجين الذين اعتصموا داخل آبار الفحم الحجري في تصعيد غير مسبوق بالإقليم.
المواجهات التي جرت بمحيط الآبار، جاءت حسب مصادر محلية، عقب تدخل قوات الأمن لفض اعتصام لعدد من المواطنين والساكنة بآبار الفحم الحجري “السندريات”، مما أدى، حسب ذات المصادر، إلى اندلاع مواجهات أدت إلى إصابة ما يزيد عن 200 محتج، بعضهم في حالة خطيرة، بالإضافة إلى اعتقال العشرات من المحتجين.
وأكدت ذات المصادر أن عددا من المحتجين ألقوا بأنفسهم داخل الآبار احتجاجا على التدخل الأمني مما أدى إلى إصاباتهم إصابات بليغة، نقلوا على إثرها إلى المستشفى الجامعي بوجدة من أجل تلقي العلاجات الضرورية، قبل أن تعمد السلطات، حسب المصادر، إلى اعتقال بعضهم من داخل المستشفى.
من جهة أخرى أفادت عمالة إقليم جرادة بأنه تم تسجيل إصابات في صفوف القوات العمومية، بعضها بليغة، وذلك أثناء اضطرارها للتدخل، أول أمس الأربعاء، من أجل فض اعتصام غير مرخص بمدينة جرادة.
وذكر بلاغ للعمالة في هذا الشأن، أنه “وعلى الرغم من القرار الصادر بتاريخ 13 مارس 2018 عن السلطات المحلية لإقليم جرادة، بشأن منع تنظيم جميع الأشكال الاحتجاجية غير المرخصة، حاولت مجموعات من الأشخاص، يوم الأربعاء، في تحد لقرار المنع هذا، تنظيم اعتصام بمحيط الآبار المهجورة على مقربة من ثانوية الفتح، عمدت خلاله بعض العناصر الملثمة، في خطوة تصعيدية، إلى استفزاز القوات العمومية ومهاجمتها بالحجارة، مما اضطرت معه هذه القوات، بتنسيق مع النيابة العامة المختصة، إلى التدخل لفض هذا الشكل الاحتجاجي”.
وأضاف البلاغ أن أحداث العنف هاته “خلفت تسجيل بعض الإصابات في صفوف القوات الأمنية، بعضها بليغة، نقلوا على إثرها للمركز الاستشفائي الجامعي بوجدة”.
إلى ذلك، أفاد بلاغ عمالة جرادة أن بعض المتظاهرين قاموا بإحراق 5 سيارات تابعة للقوات العمومية وإلحاق أضرار مادية جسيمة بمجموعة من العربات والمعدات المستخدمة من قبل هذه القوات، مضيفا أنه جرى توقيف 9 أشخاص على خلفية هذه الأحداث، سوف يتم تقديمهم أمام العدالة.
وخلص بلاغ العمالة إلى أن السلطات المحلية لإقليم جرادة، تؤكد بهذا الخصوص على أن عناصر القوات العمومية ستواصل إجراءات حماية الأمن والنظام العامين، بما يقتضيه ذلك من تحفظ وضبط للنفس وعدم انسياق وراء الاستفزازات من جهة، وبما يستوجبه الأمر من احترام دقيق للضوابط المقررة قانونا من جهة أخرى.
تضارب في المعطيات.. ووزارة الداخلية تتوعد “صفحات فيسبوكية”
جدير بالذكر أن هناك تضاربا في المعطيات بين السلطات المحلية بالإقليم من جهة وبين المواطنين والمحتجين من جهة أخرى، حيث يؤكد الطرف الأول أن التدخل جاء كرد على استفزازات المتظاهرين، فيما يؤكد الطرف الثاني أن التدخل الأمني جاء من أجل وضع حد لاحتجاجات سلمية مطالبة ببديل اقتصادي عن “الرغيف الأسود”.
وكانت وزارة الداخلية قد أصدرت، أمس الخميس، بلاغا حول ما ينشر بمواقع التواصل الاجتماعي من معطيات وصور تخص الاحتجاجات بإقليم جرادة، جاء فيه أن “بعض الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” عمدت إلى ترويج صور لأشخاص مصابين بجروح في أحداث إجرامية مختلفة وأخرى توثق لوقائع جرت ببعض مناطق الشرق الأوسط والادعاء كذبا أنها تتعلق بأعمال عنف ممارسة من قبل القوات العمومية بإقليم جرادة”.
وأضاف البلاغ، الذي توصلت “بيان اليوم” بنسخة منه، أنه “نظرا لخطورة هذه الأفعال والادعاءات المغرضة التي من شأنها تضليل الرأي العام والتأثير سلبا على الإحساس بالأمن وإثارة الفزع بين المواطنين، فقد تم إبلاغ السلطات القضائية المختصة قصد فتح بحث في الموضوع لتحديد هويات الأشخاص المتورطين في الترويج لهذه الافتراءات والمزاعم وترتيب المسؤوليات القانونية عن ذلك”.
الداخلية تمنع الاحتجاجات بشكل رسمي
وكانت وزارة الداخلية قد أصدرت، يوم الثلاثاء الماضي، قرارا رسميا بمنع جميع الأشكال الاحتجاجية والتظاهرات بالشارع العام بإقليم جرادة. حيث جاء هذا المنع بعد التصعيد الذي شهدته المدينة خلال الأسبوع الماضي، إثر اعتقال أربعة شبان شاركوا في التظاهرات، حيث قادت الساكنة تظاهرة عارمة على مسافة 40 كيلومتر من مدينة جرادة نحو العيون الشرقية احتجاجا على الأوضاع المزرية التي يعيشها الإقليم رافعين شعارات تطالب ببديل اقتصادي وتحقيق الوعود التي أعطتها الحكومة، في لقاء سابق جمع المنتخبين مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وعدد من وزراء حكومته.
هذا وجاء في بلاغ وزارة الداخلية، الذي عممته على وسائل الإعلام، “أنه بالرغم من المجهودات التي بذلتها الدولة لمعالجة الإشكالات المطروحة على مستوى إقليم جرادة، تأبى بعض الفئات إلا أن تضع هذه المجهودات على الهامش من خلال سعيها بكل الوسائل إلى استغلال المطالب المشروعة المعبر عنها، وتحريض الساكنة بشكل متواصل على الاحتجاج بدون احترام المقتضيات القانونية، مما يربك الحياة العادية بالمنطقة”.
وأكدت الوزارة أن هذا المنع يأتي “انطلاقا من صلاحياتها القانونية، على أحقيتها في إعمال القانون بمدينة جرادة من خلال منع التظاهر غير القانوني بالشارع العام والتعامل بكل حزم مع التصرفات والسلوكات غير المسؤولة، حفاظا على استتباب الأمن وضمانا للسير العادي للحياة العامة وحماية لمصالح المواطنات والمواطنين”.
وذكر البلاغ أنه إيمانا منها بضرورة معالجة الإشكالات المطروحة على مستوى إقليم جرادة، حرصت الحكومة على إبداء تفاعلها الإيجابي مع كل المطالب الاجتماعية والاقتصادية المعبر عنها من طرف كل الفاعلين المحليين، من ساكنة ومنتخبين وفعاليات سياسية ونقابية ومجتمع مدني، وفق مقاربة تشاركية تم الإعلان خلالها عن إجراءات عملية وملموسة تهم العديد من القطاعات ذات الأولوية، والتي أفصح عن خطوطها العريضة رئيس الحكومة في زيارته رفقة وفد وزاري هام للجهة الشرقية بتاريخ 10 فبراير 2018.
إلى ذلك أوضح البلاغ أنه “نظرا لأهمية وجدية هذه الإجراءات”، فقد أصدرت الهيئات السياسية والنقابية وفعاليات المجتمع المدني بالإقليم، فضلا عن رؤساء الجماعات الترابية، بيانات تم التعبير من خلالها عن ارتياحهم الكبير للتفاعل الإيجابي للسلطات العمومية مع انتظارات وتطلعات الساكنة، معتبرين أن المقاربة المعتمدة من شأنها أن تعطي دفعة قوية لتنمية الإقليم.
جدير بالذكر أن عددا من قادة الاحتجاجات كانوا قد دعوا في وقت سابق إلى إضرابات عامة واحتجاجات خلال الأسبوع الجاري، من أجل مطالبة الحكومة بتنفيذ وعودها من جهة ومن أجل إطلاق سراح المعتقلين من جهة أخرى. قبل أن تدخل وزارة الداخلية على الخط وتقرر منع الاحتجاج بشكل رسمي.
إلى ذلك كانت السلطات المحلية قد أوضحت أن توقيف أربعة شبان لا علاقة له بالاحتجاجات وأنه مرتبط بحادثة سير، حيث قالت إنها أوقفت “ثلاثة أشخاص ضالعين في حادث سير في حال سكر والفرار من موقع الحادث، فيما تم إيقاف الرابع بتهمة “انتهاك مؤسسة عمومية وإلحاق خسائر مادية بها”.
هذا وتسود حالة من الترقب بالإقليم، خصوصا بعد تكثيف التواجد الأمني، حيث أوضحت مصادر محلية، أن هناك توترا كبيرا بالشارع وترقبا كبيرا من لدن الساكنة، مشيرة إلى أن هناك تخوفا من اندلاع مواجهات أخرى جديدة بين بعض المتظاهرين والأمن أو نهج مقاربة الاعتقالات التي قد تزيد من “تأزيم الوضع وتعقيد المسألة”، حسب ذات المصادر.
محمد توفيق امزيان