ما الذي يحدث الآن؟!
قرأتُ، اليومَ، حوارا مع أحد الصحافيين القدامى، الذي كانت له علاقات حميمية مع أدباء وفنانين مغاربة. ومما قاله: إن الراحل محمد خير الدين، كان يعتبر نفسه الشاعر الوحيد في المغرب!
والحقيقة أن خير الدين كان شاعرا وروائيا كبيرا، أحدثتْ أعماله، حينَ نشرها، رجّة في أوروبا، وبذلك دخل قصر الأدب المغربي من بابه الواسع. لكن، إذا كان كلام الصِّحافي صحيحا، فإن خير الدين أخطأ في حق الأدب والأدباء، لأن هذا البلد وَلود، لم يُنْجِبْه وحده، إنما أنجب العديد من الشعراء، ومنهم عبد اللطيف اللعبي وأحمد المجاطي وعبد الله راجع وعبد الكريم الطبال، وسواهم كثير..!
وقبل أيام، حضرتُ لقاء تكريميا لشاعر آخر، وكانت القاعة غاصة بطلبته. وكنتُ تعرّفتُ عليه في بداية السبعينيات، عندما التقينا صدفة، وجلسنا معا في مقهى صغير في ساحة البطحاء بفاس، أي كان في بداية كتابته الشعرية، وبداية الدراسة بالجامعة. وظهر لي أنه معتدٌّ بنفسه إلى حَدٍّ كبير، فأدَّيتُ ثَمَنَ قَهْوَتي بسرعةٍ، وودّعتُه، مُتَذَرِّعا بِمَوْعِدٍ مع طبيب!
ومرّت حوالي أربعين سنة أو أكثر بقليل على ذلك اللقاء، ولَمّا قرأتُ خبر التكريم، قلتُ في نفسي:
ـ لعل صاحبنا تغير، وما عاد متكبرا متعجرفا، كما عرفته!
غير أنني ندمتُ على هذا الحضور، إذ سمعتُ منه ما لم يخطر ببالي يوما، وخلاصته أنه عندما أراد أن يهيئ رسالته الجامعية، بحث عن الشعر المغربي، فلم يعثر على حَبَّةٍ منه، وهذا يعني أن المغرب لم يُنْجب سواه!
وما أن أُعْلِنَ عن انتهاء حفل التكريم، وبدأ حفل التوقيع، حتى تسللتُ من بين الجمهور الحاضر خارجا، وأنا أردد في نفسي: تزول الجبال، ولا تزول الطبائع!
أعود إلى الصّحافي الذي بدأتُ به كلامي، لأُتْمِمَ ما قاله في هذا الباب؛ فقد ذكر أن مؤلفا مسرحيا وممثلا ومُخْرجا ورساما في آنٍ، هو أيضا يعتبر نفسه الْفَرْقدَ الذي يضيء البلاد، وما عداه مجرد تلاميذ، ما زالوا يَنْشُدون العلم والأدب!
أظن أننا إذا سرنا في هذا الدرب، فإننا لن نصل، لأن كُلاًّ منا يتوهّم في نفسه أنه الأول والأخير في ما يتقنه من أدب أو فن. بينما، نحن جميعا، نساهم في إغناء نهر الثقافة البشري بما لدينا من مواهب وقدرات ومَلَكات، بعضنا يفوق البعض في هذا المجال أو ذاك. وليس من أخلاقية المثقف أن يدّعي أنه الأفضل أو الأول، بل أنْ يُجَنِّس نفسه بأنه شاعر أو روائي أو فنان، وليَتْرُك القراء والنقاد يصنفونه ويزنون أعماله!
فشيئا من التواضع، أيها الأدباء والفنانون!
بقلم: العربي بنجلون