أدباء مغاربة وعرب وضعوا حدا لحياتهم..

إن من ينتحر ليس بالضرورة إنسانا يكره الحياة، بل إنه يحبها بشدة، غير أنه لم يجدها كما كان يتمناها. العديد ممن اختاروا أن يضعوا حدا لحياتهم تركوا رسائل ذات معنى بليغ، ومنهم من لم يترك أي رسالة، لكن انتحاره كان في حد ذاته خطابا
. بليغا إلى من يهمه الأمر
العديد من الأدباء والمبدعين المغاربة والعرب وجدوا أنفسهم ذات لحظة يأس
. وإحباط؛ مرغمين على توديع الحياة رغم حبهم الشديد لها
ضمن هذه الفسحة الرمضانية، سيرة لمجموعة من هؤلاء المعذبين على الأرض، إلى
جانب نماذج من إنتاجاتهم الإبداعية، تكريما لأرواحهم الطاهرة

الأديب والباحث الأكاديمي المغربي سعيد الفاضلي

قبيل انتحاره ظل يرسل لأصدقائه رسائل هاتفية وهو يمازحهم

“في يونيو 2004، عثر على الأديب والباحث الأكاديمي المغربي سعيد الفاضلي في فندق بالدار البيضاء منتحرا، وقد كان في طريقه إلى مدينة الجديدة للمشاركة في ندوة أدبية، لكن عامل الفندق لاحظ عدم خروجه من غرفته فاتصل بالشرطة التي اقتحمت الغرفة ووجدته ميتا.
يذكر بعض أصدقائه، أنه في الساعات القليلة السابقة عن موته، ظل يرسل لهم رسائل هاتفية يمازحهم
ويضاحكهم، مما طرح علامة استفهام حول ظروف وفاته.
سعيد الفاضلي، القاص والباحث الأكاديمي، من مواليد 1960، صدر له: إرم ذات العناد: قصص، 1997. أيام مغلقة: قصص، 1999. ديوان عبد المجيد الفاسي: تحقيق، 1999. وادي الجواهر ومجموع المكنون من الذخائر لعلال الفاسي: تحقيق، 2000.
نال جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي سنة 2005 بالاشتراك مع صديقه سليمان القرشي، عن تحقيق الرحلة العياشية، أو (ماء الموائد) لأبي سالم العياشي ضمن مشروع ارتياد الآفاق الإماراتي، وقد سبق له الفوز بالجائزة نفسها في حياته سنة 2003 عن تحقيق “الرحلة الأوروبية” 1919 لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي.
تحقيق الرحلة العياشية، أو (ماء الموائد) لأبي سالم العياشي ضمن مشروع ارتياد الآفاق الإماراتي، وقد صدرت بعد وفاته ونال عنها جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي سنة 2005 بالاشتراك مع صديقه سليمان القرشي الذي أكمل عمله. وقد سبق له الفوز بالجائزة نفسها في حياته سنة 2003 عن تحقيق “الرحلة الأوروبية” 1919 لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي.
جمع قصصه المتناثرة في الملاحق الثقافية والمجلات المغربية والعربية لنشرها في مجموعة ثالثة بعد “إرم ذات العناد” و”أيام مغلقة”.
وضع كتابا حول نظريته في علاقة الشفاهية والكتابية في عصور الانحطاط.
إضافة إلى ذلك فهو من تلاميذ عباس الجراري مؤسس النادي الجراري الذي يضم ثلة من الباحثين في الأدب المغربي وقضاياه وإشكالاته. قام بتحقيق “البرنس في باريس: رحلة إلى فرنسا وسويسرا 1913” تأليف محمد المقداد الورتتاتي، وقد صدرت ضمن سلسلة ارتياد الآفاق سنة 2004. كما قام بجمع وتحقيق ديوان عبد المجيد الفاسي ( 1909 – 1970 ) سنة 1997.
هذا وغيره وهو لم يتعد الأربعين سنة من عمره”.

من قصصه القصيرة:

“الجوّ قائظ والرطوبة خانقة والسراب يمتطي متن الإسفلت متلألئاً كثوب شفّاف. لا هناك، على الرصيف الأيسر من هذا الشارع الممتدّ الموحش، هناك … يبدو رجل يمشي فريداً شارد الذهن.
على نفس الرصيف، أعني الرصيف الأيسر، خلف الرّجل أعني الرجل الشارد الذهن، على بعد مسافة محترمة نسبياً، مع استحضار محترمي هذه الأيّام، هناك يبدو كلب يمشي فريداً يشغله لهاثه عمّا حوله.
رفع الرجل عينيه إلى السماء ماسحاً جبينه ثمّ نظر إلى الرصيف الأيمن، هنا حيث الأشجار الوارفة الظليلة تتعانق على طول الشارع. ردّد بصره بين الرصيفين، فتنبّه إلى أنّه يمشي على الرصيف الخالي من الأشجار. قرّر أن يعبر إلى الرصيف ذي الأشجار، أعني الرصيف الأيمن، اتّقاء لأشعة الشمس اللّافحة. بدأ العبور بتثاقل، وبسبب شروده أو لوقع الشمس على رأسه، أو لتفكيره في شيء أو أشياء لا ندريها، أو بسبب ذلك جميعاً، وكما يحدث في مثل تلك الحالات المتهورة التي اعتدنا على رؤيتها في حملات الوقاية من حوادث السير، وخصوصاً منها ما كان للتحذير من الإفراط في السرعة، صدمته سيّارة مرقت كالسهم، بل إنّها ازدادت سرعة بعد صدم الرّجل ومضت قدماً لا تلوي على شيْ.
سقط الرّجل أرضاً وبقيت جثته ملقاة وسط الطريق الموحش والشمس ترسل عليها أشعتها اللّافحة غير عابئة بما جرى. وبخلافها، توقّف الكلب لحظة قصيرة لسماعه ضجّة الفرملة القاسية. كما توقّف لنفس اللحظة القصيرة عن اللهاث، تتبّعت عيناه مصدر الضجّة ومشى مقترباً من الجثّة، في مهل حذر، اشتمّها بلا مبالاة كلبية كبيرة، ثمّ عبر في هدوء إلى الرصيف الآخر، أعني إلى الرصيف الأيمن، الرصيف ذي الأشجار الوارفة التي تتعانق على طول الشارع، وتابع طريقه وقد فارقه اللهاث، وأمل سراب الماء يتلألأ في عينيه”.

> إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top