إن من ينتحر ليس بالضرورة إنسانا يكره الحياة، بل إنه يحبها بشدة، غير أنه لم يجدها كما كان يتمناها. العديد ممن اختاروا أن يضعوا حدا لحياتهم تركوا رسائل ذات معنى بليغ، ومنهم من لم يترك أي رسالة، لكن انتحاره كان في حد ذاته خطابا
. بليغا إلى من يهمه الأمر
العديد من الأدباء والمبدعين المغاربة والعرب وجدوا أنفسهم ذات لحظة يأس
. وإحباط؛ مرغمين على توديع الحياة رغم حبهم الشديد لها
ضمن هذه الفسحة الرمضانية، سيرة لمجموعة من هؤلاء المعذبين على الأرض، إلى
جانب نماذج من إنتاجاتهم الإبداعية، تكريما لأرواحهم الطاهرة
الشاعر فخري أبو السعود
كتب في رسالة انتحاره: “سئمت تكاليف الحياة ومن يعش (ثلاثين) حولاً لا أبالك يسأم”
في سنة 1940 انتحر بإطلاق النار على نفسه ووجدوا عند جثته ورقة تقول: “سئمت تكاليف الحياة ومن يعش (ثلاثين) حولاً لا أبالك يسأم” ولد الشاعر فخري أبو السعود سنة 1905 امتهن التدريس، له اشتغال بالأدب والترجمة، وله نظم كثير، فيه رقة، نشر بعضه في الصحف والمجلات، تعلم بالقاهرة واستكمل دراسته في انجلترا، وعمل في التدريس بالقاهرة ثم بالإسكندرية. وتزوج بإنجليزية، فكان له منها ولد. وابتعدت عنه مضطرة خلال الحرب العالمية الثانية، فانقطعت أخبارها. وغرق ولده في إحدى السفن، فانهارت أعصابه، فأطلق على رأسه رصاصة ذهبت بحياته في الإسكندرية،
وهو في نحو الخامسة والثلاثين من عمره.
له (مقارنة بين الأدبين العربي والإنكليزي) نشر متسلسلا في مجلة الرسالة، و(الثورة العرابية.. تاريخها ورجالها)، و(التربية والتعليم) لم يطبعه.
وترجم عن الإنجليزية (تس، سليلة دربرفيل) لتوماس هاردي.
****
مقطع من قصيدته الشعرية:
إِلام تَغيب الشَمس عَنا وَتَطلع
إِلام تَغيب الشمس عَنا وَتَطلع
وَنَلعَب في ظل الحَياة وَنَرتَع
رَضينا بَخفض العَيش والذُل حَولَه
وَما الذُل إِلّا حَظ مَن باتَ يَقنَع
نَهيم بِهَزل لا نَهيم بِغَيره
وَنَهرُب مِن جَد الحَياة وَنَفزَع
وَنَحجم عَن أَخطارِها وَصِعابها
وَتَنهبنا لذاتها وَالتَمَتُع
نَسير عَلى رَسول وَلِلعَصر حَولَنا
مَواكب في طَريق العُلا تَتدَفع
أَساغ بَنو الشَرق الحَياة ذَليلة
وَعَيش بَني الغَرب العُلا وَالتَرَفُع
هُم قادة الدُنيا وَنَحنُ وَراءَهُم
فُضول وَأَذيال تَجر وَتَتَبع
ندل وَنَستَعلي بِمخترعاتهم
وَلا كاشف مِنا وَلا ثُمَ مُبدع
وَنَرفل في أَعطافِها مِن حَضارة
وَما نَحنُ نَبنيها وَلا نَحنُ نَصنَع
وَكَم تائه مِنا بِثَوب مُنَمَق
وَأَحرى بِهِ مِنهُ الأَديم المرقع
لَهُم حاضر عال وَماض مُؤثل
وَسَعي إِلى مُستَقبل المَجد أَروَع
إِذا ذَكَروا أَوطانَهُم فَخَروا بِها
وَيا حَبَذا فَخراً ذَمار ممنع
يَطولون بِالجاه العَزيز تَفاخُرا
وَنَطرُق مِن ذُل الأَسار وَنَخشَع
وَنَشحَذ مِن آبائِنا وَجدودنا
فَخاراً عَلى أَعقابهم لَيسَ يَخلَع
هُم دُونَنا أَهل الفَخار وَلَم يَكُن
عُلو أَب في حطة الوَلَد يَشفَع
نتيمه بِتاريخ لَهُم وَمَآثر
قيام عَلى الأَيام لا تَتَزعزَع
وَما هِيَ ما لَم نَحي إِلّا صَحائف
بَوال وَأَطلال خَوال وَأَربَع
وَفيم تَباهينا بِعز ورفعة
وَحاضرنا قفر مِن العز بلقع
تَبرأَ ماضي المَجد مِنهُ وَلو دَرى
لَطاش لَهُ خوفو وَأَذهَل خفرَع
وَريع الفَراعين العِظام وَأَجفَلوا
وَهالَهُم هَذا التُراث المضيع
رَأوا أُمة تَمشي وَراء زَمانِها
وَقَد عَرَفوها في الطَليعة تَطلَع
وَتَقنَع مِن حَظ الحَياة بِدُونِهاوَقَد تَرَكوها في الذَرا تَتَربَع
وَأَوغَل فيها الأَجنَبي نيوبه
وَقَد عَهدوها النجم أَو هِيَ أَمنَع
وَهالَهُم خَيل بِمَصر وَراية
عَلى رايَة النيل المفداة تُرفَع
كَأَني أَصغى مِن عُلاهُم إِلى صَدى
يَشق القُرون الداجِيات فَيَسمَع
يَقول بَني مَصر الحَياة أَو الرَدى
وَما لَكُم مِن دُون هَذين مشرع
وَلَيسَت حَياة الشَعب إِلّا سِيادة
تَرد طِماع الطامِعين. وَتَردَع
> إعداد: عبد العالي بركات