للسرد منطق يحكمه. فالأدب صنعة، كما اعتبر خورخي لويس بورخيس، في محاضراته الست ، الشعر صنعة. فلا يمتح ـ أي الأدب ـ إلا من علوم إنسانية ؛ علم النفس ، وعلم الاجتماع ، وعلم الجمال. وبالنظر إلى حجم التطور السردي ، الذي عرفه النص الأدبي ، تصبح الدراسات اللغوية واللسانية الحديثة ذات قيمة كبيرة ؛ لأنها تكشف عن مكنون الذات المبدعة نفسها. في التطور الأجناسي ، مثلا ، الذي اخضع لمنطق الصيرورة التاريخية ، نجد تطورا على مستوى بنية الأجناس . مما يخول لنا القول: إن البنية التي تتحكم في الأجناس الأدبية شرعنت التطور أو الإبدال .فالحديث عن الأشكال الشعرية (الشعر العمودي ، الشعر التفعيلي ، الشعر الومضي ) كالحديث عن الأنماط السردية (القصة القصيرة ، القصة القصيرة جدا ، الرواية…) من باب نظرية الأدب التي تلف الإبداع الإنساني بغطاء وجودي متأصل في وعي الانسان.
للبحث الهادف أسس يقوم عليه . فالسمو بالإبداع هو بحث في بنائيته و تفكيك مكوناته ومن ثم بناؤه من جديد . هدم من أجل البناء. فالسرد ، وإن كان من السمو الأدبي ، على حد قول حميد لحمداني ، هو بحث في الأدبية ، بما هي الخصائص و المؤشرات الرامية إلى أن تجعل من الأدب أدبا . فهذه العلاقة تتحول مع تحول الواقع الاجتماعي و الاقتصادي . بمعنى أن السرد وقف في وجه عاصفة التغير والتغيير و التبدل و الإبدال و المبادلة. فلهذا الوقوف الشامخ معنى يرتجيه ، معنى يتشكل من خارج التجربة ومعنى يتشكل من خارج الوعي ذاته.
ألا يمكننا أن نشرعن العلاقة التي تربط بين السرد و صاحبه ؟ ألا يمكننا القول : إن الواقع المتبدل يؤثر في السرد و الأجناس السردية؟
فالميدان فسيح جدا لكل التأويلات البناءة . تماشيا و العلوم الجديدة التي أفرزها التقدم العلمي و التقاني . فالبشرية ذاهبة نحو البحث عن أجناس أدبية جديدة ، تساير بها هذا الزخم الحضاري الذي يعيشه الانسان المعاصر ، الآن. فالسرد متأثر بالرؤية النفسية ( تحليلات فرويد ) متأثر بالرؤية الاجتماعية ( زفزاف) ، وأكيد متأثر بالرؤية الوسائطية الجديدة.
فمن الطبيعي جدا ، و نحن نتحدث عن السرد، أن نكشف عن المكنون البنائي للأنماط السردية الكائنة و المتوقعة . وفيه بحث عن معان ثاوية في الإبداع ؛ معان تخيط السرد سواء في القصة أو الرواية . فالمدلول الحضاري تعكسه المعاني و من ثم فحقيقة البناء الداخلي للمنظور السردي لا يخلو من الرؤية الجديدة للعالم ، لذا كيف استقبل السرد هذا التطور على مستوى البناء ؟ وعلى مستوى الرؤية أيضا؟ وبذكر السرد نطل من خلاله على النقد كنشاط وفعالية . كيف سيستقبل النقد ، أيضا ، هذا التغيير؟
بالحديث عن السرد ثمة فعاليتان جديدتان تنبعثان من وراء الغيم . فالحوافز و الوظائف شرطان أساسيان لتشكيل البناء السردي ، بما هما لا يسايران عتبات التغير و التغيير. يخيطان لحمة الإبداع منذ أن ظهر الحكي في حياة الناس.فالحوافز ،إذن ، هي حوافز مشتركة متداخلة و متخارجة مع شحنة الإبداع . ففي منطق الوسائط الجديدة للحكي سنجد حوافز أيضا تلعب دورا أساسيا في إنتاج المحكي.
رشيد سكري