أكتب هذا المقال حول مكانة الدين الإسلامي عند المغاربة، ليس لكوني فقيها أو متخصصا في هذا المجال، وما دفعني لكتابته كوني لاحظت أن الكتابات المتداولة حاليا من طرف المختصين في هذا المجال يبقى تداولها محصورا على مستوى النخبة، في حين أن هذا الموضوع نظرا لأهميته، من الأفيد أن يتسع لجميع فئات وطبقات المجتمع لما يمكن أن تكون له انعكاسات إيجابية تخدم الصالح العام. وسأقف فقط عند القضايا التي لا اختلاف حولها. وينقسم الدين الإسلامي إلى ثلاثة جوانب تتمثل في المعتقدات والعبادات التي لا تقبل أي نقاش، لكونها مسلمة ولا داعي للإكثار من الخوض فيها كما هو عليه الوضع حاليا إلا فيما يتعلق بالتوضيحات التي يجب العودة فيها إلى الفقهاء من ذوي الاختصاص عندما تستدعي الضرورة ذلك، بالإضافة إلى كون هذا المجال يتوفر على نسبة كبيرة من الكتب التي تفي بالغرض بفضل المجهودات التي تم بذلها من طرف الفقهاء جازاهم الله عنا خيرا. ثم جانب المعاملات، وهنا يفتح المجال للاجتهاد لكون الوضع هنا يخص العلاقات بين الناس في كافة المجالات التي تعني الحياة اليومية وعدم القيام بها بشكل سليم يضر بمصلحة الجميع، وقد عرف المغرب تطورا كبيرا خلال المراحل الماضية أدى إلى اتساع قيم التسامح بين جميع المغاربة بشكل كبير، وعدم اتساع مظاهر التطرف الديني والتعصب العرقي، ويعود الفضل في ذلك إلى الدور الكبير الذي ظل يقوم به كبار علماء الدين المتنورين والمفكرون وقادة الحركة الوطنية والزعماء السياسيون الذين كانوا بالإضافة إلى تمكنهم من معرفة واسعة بالدين الإسلامي يتوفرون على رؤية شاملة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من أمثال الزعيم الراحل علال الفاسي وحجة الإسلام محمد بلعربي العلوي ومحمد بلحسن الوزاني، والمختار السوسي، وعبد الله كنون ومحمد عابد الجابري والمهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد والشهيد عمر بنجلون وعبد الرحمان اليوسفي وامحمد بوستة وعلي يعته وعزيز بلال رحمهم الله وغيرهم، وخلال جميع المراحل الماضية ظل الدين الإسلامي يلعب دورا كبيرا لدى جميع المغاربة في حياتهم الخاصة والعامة، ومن هنا يمكن لعلماء الدين في الظرفية الراهنة أن يقوموا بدور كبير لتحسين الحياة العامة في كافة المجالات من خلال الكتب والملخصات (كتاب الجيب) والمجلات والصحف ومن خلال خطب الجمعة على أن يتم التركيز على القضايا التي تهم الشأن العام بشكل أساسي والتي جاء من أجلها الدين الإسلامي وتخدم مصلحة الإنسان وفق منظور شمولي والمتمثلة في:
– محاربة الخرافة بمختلف أشكالها والتي مع الأسف ازدادت اتساعا كبيرا في المراحل الأخيرة حيث أصبحت عائقا كبيرا أمام تطور وتقدم المجتمع.
– توضيح دور المرأة ومساواتها مع الرجل لكونها تشكل نصف المجتمع وفق ما جاء به الدين الإسلامي وإزالة ما يروج حولها من سلبيات إذ لا يمكن تحقيق التقدم والتطور دون ذلك.
– تقوية دور التغطية الصحية والحماية الاجتماعية لما لذلك من علاقة مع قيم التضامن بين مكونات المجتمع وما ينتج عن ذلك من حماية كرامة المواطن وضمان عزته.
– محاربة الغش في المعاملات التجارية والمهنية وما للاستهانة بذلك من انعكاسات سلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية علما بأن الدين الإسلامي ينبني عل الصدق والوضوح والقيم النبيلة وينبذ كل الأشكال التي تضر بالمجتمع والصالح العام.
– محاربة استعمال المال الحرام في الانتخابات والتي تنتج عنها مؤسسات غير سليمة من جماعات ترابية أو غرف مهنية أو برلمان أو حكومة.
– احترام حقوق الإنسان وفق منظور الدين الإسلامي الحنيف والذي لا يتناقض مع القيم الكونية في هذا المجال.
– العمل على توفير الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية.
حماية البيئة في ما يتعلق بالنظافة ورمي الأزبال وحماية الحدائق وكل ما يتعلق بهذا المجال والذي يعرف تجاوزات كبيرة.
– احترام قانون السير وما ينتج عنه من مخلفات ونتائج كارثية تضر بالمجتمع.
– عدم الغش في العمل من طرف العمال والموظفين وما ينتج عن ذلك من سلبيات.
ومن خلال القيام بما أشرنا إليه يمكن أن يلعب الدين الإسلامي دورا كبيرا في تقوية الحياة الاجتماعية والاقتصادية، غير أنه يلاحظ في السنوات الأخيرة حدوث انزلاقات خطيرة حول علاقة الدين بالسياسة وهو ما أعطى صورة سلبية عن الدين الإسلامي الحنيف الذي يتسع للجميع سواء أن تكون له مرجعية اشتراكية أو ليبرالية وهو ما حصل على مستوى العالم العربي مثل ما هو عليه الوضع حاليا بتونس ومصر ولبنان وأن يتم احترام ما جاء به دستور فاتح يوليوز 2011 في فصله السابع والذي نص على :
«لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان.
ولا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي، أو بالنظام الملكي، أو المبادئ الدستورية، أو الأسس الديمقراطية، أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة».
وهو ما يستوجب – في المرحلة الراهنة – الاهتمام بالنقاش الفكري بشكل واسع، إذ لا وجود للاختلاف بين ما جاء به الدين الإسلامي والقوانين الكونية، وهو ما يساعد على الإسراع بتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان ومساواة المرأة مع الرجل وإزالة مظاهر الفساد والرشوة وغيرها من الأمراض التي تضر بالمجتمع.
< بقلم: عبد الرحيم الرماح