بقدر ما توجد تباينات في منطلقات وسياقات التوتر في العلاقات بين المغرب وكل من إسبانيا وألمانيا، فإن الذي يجمع بينهما هو كون المملكة تصر اليوم على تغيير قواعد التعامل معها، وخصوصا في الموقف من حقوقها الوطنية المشروعة، وأساسا من مغربية الصحراء.
ربما الأعراف الدبلوماسية لا تسمح في بعض مراحل التوتر بين الدول بكشف كل الأسباب، وإعلان تفاصيل المواقف والخطوات، ولكن، في علاقة الرباط ببرلين، سجل المراقبون عددا من المواقف الألمانية العدائية في حق المصالح والقضايا المغربية، وهو ما دفع المملكة للإقدام على خطوات احتجاجية تنبيهية قصد مراجعة السلوكات العدائية.
أما بخصوص إسبانيا، فالتوتر الحالي في العلاقات بين البلدين الجارين، ربما يجسد أزمة حقيقية وغير مسبوقة، وذلك بالنظر لعلاقة مدريد بملف الوحدة الترابية المغربية، وللرهانات المطروحة على العلاقات الثنائية بحكم الجوار والمصالح المشتركة.
وما فاقم هذه الأزمة المستمرة هو وجود حكومة إسبانية ضعيفة في الداخل، وتفتقر إلى بعد النظر وشجاعة اتخاذ القرارات السياسية والإستراتيجية الجريئة.
أمام ما تحقق للمغرب من مكتسبات دبلوماسية وميدانية تتصل بملف الصحراء المغربية، وفِي خضم التبدلات التي تشهدها اليوم العلاقات الدولية وتموقعات البلدان والتكتلات، وبداية تشكل معالم وضع جيواستراتيجي عالمي جديد لما بعد الجائحة، كان لا بد للمغرب أن يبحث، بدوره، عن صياغة موقعه الجديد، ومن ثم التأسيس لمحددات هذا التموقع وثوابته، وعلى رأس ذلك احترام حقوقه الوطنية ووحدته الترابية واستقراره ومصالحه.
ضمن هذا الأفق، لم تستطع أوروبا، وخصوصا إسبانيا وألمانيا، وإلى حد ما فرنسا كذلك، أن تتحرر من عقليتها التقليدية، وأن تفتح أعينها على ما يشهده عالم اليوم من تحولات كبيرة ومهولة، وبقيت مكبلة بمواقفها التاريخية المتكلسة، خاصة ما يتعلق بمدريد، الشيء الذي، من البديهي، سيصطدم بالتطلع المغربي المشروع.
الدول تقوم بصياغة خطواتها الدبلوماسية بحسب مصالحها وأهدافها، وتبعا لذلك، تختار توقيت الإقدام على هذه الخطوات أيضا، وترتيبا على ذلك، من حق المملكة اليوم بلورة سعيها الدبلوماسي لكتابة معجم جديد تخاطب به الدول الأخرى بحسب ما تراه مصلحة لها، ومن حقها أن تطلب من هذه القوى الإقليمية والدولية تغيير مرتكزات التعامل معها، وأن تحترم حقوقها الوطنية.
من باب العبث اليوم، أمام كل الحقائق التي انكشفت بشأن ملف مغربية الصحراء، وأمام تنامي الاقتناع في العالم كله بعدالة الموقف الوطني المغربي ومشروعيته، أن تستمر إسبانيا في تجاهلها لكل هذا، وألا تلعب الدور المطلوب منها لإنهاء هذا النزاع المفتعل، والذي تدرك هي تفاصيله أكثر من غيرها، ومن غير المقبول أن تواصل مدريد الامتناع عن دعم المغرب بهذا الشأن، أو أن تمعن في تبني المواقف العدائية ضد وحدته الترابية، أو في الأخير أن تقترف فضيحة إيواء كبير الانفصاليين فوق أراضيها من دون أي اعتبار للموقف المغربي أو إخباره أو التنسيق معه.
المغرب اليوم، بصدد رفع نقطة نظام علنية في وجه إسبانيا وألمانيا، وضمنيا تجاه أوروبا كلها، بأن الوقت لم بعد هو الوقت، وبأن دعم مغربية الصحراء يمثل شرط وضوح في علاقات الرباط مع العالم، وبأن المملكة أيضا تستحضر مصالحها وحقوقها الوطنية في علاقاتها الخارجية، وتتقيد بثوابتها ولا تتنازل عليها.
صحيح، أن هذا الإصرار المغربي ليس سهلا، وليس خاليا من تحديات بحكم أوضاع العالم وصعوباته وصراعاته، ولكن ربح التحدي يقتضي صمود الدبلوماسية المغربية، وتمتين حضورها وهجوميتها وكفاءتها، وأساسا يجب الاعتماد على الجبهة الوطنية الداخلية، واعتبارها الورقة الرئيسيّة التي تضمن دائما لبلادنا الانتصار في المعارك الوطنية الكبرى.
<محتات الرقاص