عرفت الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت منذ 24 فبراير 2022، اهتماما واسعا من قبل الرأي العام الدولي، نظرا لمكانة البلدين في الساحة العالمية، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، ناهيك عن الجانب التاريخي المعقد الذي تمتد سرديته إلى التطورات الأخيرة في العلاقة المتوترة بين موسكو وكييف.
ويتوالى الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي يصفه الكرملين بـ”العملية العسكرية” المحددة الأهداف، بتدمير المنشآت العسكرية، ونزع سلاح هذا البلد، ودفعه إلى الحياد تجاه حلف الشمال الأطلسي”النيتو”.
ولا توجد حاليا مؤشرات دالة على قرب انتهاء هذه الأزمة التي أرخت بظلالها على العالم، بفعل دمار “الغزو” الذي لحق أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب.
وتعد هذه الحرب الدائرة رحاها فوق الأراضي الأوكرانية، والتي أدت إلى نزوح أزيد من 10 ملايين أوكراني داخل البلاد وخارجها، تطورا حتميا للعلاقات المتشنجة بين الكرملين والغرب، هذا الأخير الذي يقدم مساعدات عسكرية لفائدة القوات الأوكرانية لمواجهة الجيش الروسي، وهو ما يدفع إلى مزيد من المواجهة في الوقت الذي تسير فيه المفاوضات بشكل “ثقيل” على حد وصف وزارة الخارجية الروسية.
ومن خلال هذه الزاوية الرمضانية، سنعيد تركيب قطع “البوزل” لمحاولة فهم ما يجري بين روسيا وأوكرانيا، والوقوف عند تداعيات هذه الحرب، وما سيترتب عنها في المستقبل من إعادة لرسم خريطة العلاقات الدولية، وهو ما ظهر بشكل واضح بتحالف التنين الصيني مع الدب الروسي في وجه الغرب”أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”.
تطهير الهوية الروسية من أوكرانيا
يقود “النازيون الأوكرانيون” بحسب موسكو، موجة قسرية لتطهير البلاد من الروس منذ سنوات، حيث يستمر البرلمان الأوكراني في اتخاذ قرارات عنصرية مع كل مرة، من بينها اعتماد اللغة الأوكرانية كلغة رسمية، وإلغاء الروسية، في تجاهل للروس في الأراضي الأوكرانية الذين “يحمون لغاتهم وثقافتهم وهوياتهم”.
وخلال سنة 2014، ألغى البرلمان الأوكراني قانون السياسة اللغوية لعام 2012 الذي كانت اللغة الروسية بموجبه تملك صفة إقليمية مستعملة في الدوائر الرسمية للمناطق التي تعتبر هذه اللغة أصلية لـ 10% من سكانها، أي في 13 من 27 وحدة إدارية بأوكرانيا.
وفي هذا الإطار، تم استبعاد اللغة الروسية خلال 2019 بشكل رسمي، عقب التصويت على قانون جديد يعتمد الأوكرانية لغة رسمية، في المدارس وكافة المؤسسات الرسمية، بل وحتى من المتاجر العادية، في حرب مباشرة على اللغة الروسية والتضييق عليها وعلى ناطقيها في أوكرانيا.
وألزم القانون هيئات السلطات العامة والحكومة والمؤسسات التعليمية والمستشفيات والمؤسسات والمواطنين باستخدام اللغة الأوكرانية في جميع مجالات الحياة، مع إتاحته لاستخدام اللغات الأجنبية في التواصل الشخصي والطقوس الدينية.
وينص القانون على تشكيل “لجنة لغوية” خاصة واستحداث منصب أمين المظالم المخول لحمايتها. ويحدد القانون دائرة الذين يجب عليهم إتقان اللغة الأوكرانية بشكل جيد لتشمل رئيس الدولة ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة والبرلمان، والعاملين في مجال التعليم والمؤسسات الطبية والمحامين وكتاب العدل.
وبات واجبا استخدام هذه اللغة في المحاكم والجيش والشرطة والإعلانات والدعاية والانتخابات والاستفتاء، بالرغم من أن نسبة كبيرة من سكان أوكرانيا وخاصة في جنوب وشرقي البلاد، يعتبرون اللغة الروسية لغتهم الأم ويستخدمونها في التعامل اليومي، وبشكل أساسي.
وابتداء من يناير 2022، بدأت مرحلة تطبيق قواعد قانون اللغة، والتي تتضمن زيادة حضور لغة الدولة في الفضاء العام وتعزيز مكانتها كلغة دولة.
وتفاعلا مع هذا الهجوم “المقصود” على اللغة والهوية الروسية بأوكرانيا، عبرت وزارة الخارجية الروسية عن قلق موسكو من خرق حقوق الإنسان في أوكرانيا والاستخفاف بحق استخدام اللغة الأم.
وشددت الخارجية الروسية على أنها ستتعامل بحزم إزاء خرق حقوق الروس في الدول الأجنبية، مستنكرة أيضا، التمييز الاثني والقومي في أوكرانيا، والاعتداءات والتخريب الذي تتعرض له منشآت التراث التاريخي-الثقافي والعبادة الدينية فيها.
ولم يقف الاعتداء على هوية الأوكرانيين عند هذا الحد، بل وصل الأمر، إلى التعسف والتضييق على “الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو”، ومن جهة أخرى، قام مجلس الشورى العليا الأوكراني بإعداد تشريعات جديدة ضد رجال دين الكنيسة، كما أن الإدارة الحالية في أوكرانيا، “لا تستجيب لمطالب المواطنين بإلغاء القوانين التي تنتهك الحقوق الدينية للمواطنين الأوكرانيين”.
وتتزايد يوما بعد آخر الممارسات التي من شأنها تهيئة الأرضية لكبت حرية التعبير وطمس الهوية، ومعارضة القوات الأوكرانية، والظلم الممارس على المعارضة نفسها، من قبل مسؤولين غربيين يقومون باختراع العقوبات ضد المواطنين والمنشآت وقنوات التلفزة وغيرها من وسائل الإعلام بل وحتى على نواب البرلمان.
وتتساءل روسيا، عن هذا التنكر لتاريخ وهوية الاتحاد السوفييتي الذي أسس أوكرانيا وبنى مجدها التاريخي والثقافي، قبل أن تتنكر فئة من المتطرفين لهذا الجهد، الذي تشهد عليه المعالم العمرانية والثقافية لأوكرانيا.
> إعداد: يوسف الخيدر