غطت صبيانية جينرالات الجزائر وخطاياهم على كل توقع أو تقييم للقمة العربية في حد ذاتها، ومن ثم تركزت معظم المتابعات على رصد ما يقترفونه هم يوميا من مناورات وبلادة، وذلك بدل تحليل القمة ورصد مؤشرات النجاح والفشل المتوقعة من مجرياتها ومخرجاتها.
السياق الاستراتيجي والدولي وتوالي الأزمات التي تلف المجتمعات العربية، كلها تفرض اليوم وعيا جديدا للأنظمة العربية واستحضارا للتحديات الخطيرة المطروحة على بلدانهم، ومن ثم صياغة مداخل مختلفة للعمل العربي المشترك.
الأمن الغذائي والأزمات الاجتماعية تجسد تحديا خطيرا أمام معظم الدول العربية في الظرفية العالمية الراهنة، لكن يبدو أن القمة لن تقدم غير أجوبتها الإنشائية المعتادة بهذا الشأن، كما أن أزمة المياه والتحولات المناخية والواقع الاقتصادي كلها قضايا سيمر العرب بجوارها فقط، ولن ينجحوا في بلورة خطط عمل شجاعة للتصدي لها.
قمة الجزائر أيضا تصطدم بكون معظم الملفات المثارة اليوم هي قضايا خلافية بين الدول العربية نفسها، وحتى لو توافق وزراء الخارجية على كل بنود جدول أعمال اجتماعهم التحضيري، فإن المخرجات لن تكون في مستوى التحدي.
في القضية الليبية مثلا، هناك خلاف بين العرب، وكذلك بشأن سوريا واليمن ولبنان والعراق، كما توجد خلافات حول العلاقة مع إيران، ومع تركيا، علاوة على خلافات بينية واضحة حول قضايا ثنائية أو إقليمية عديدة، أو في الاصطفاف المتصل بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وكل هذه الملفات المشتعلة كانت تفرض، على الأقل، أن تكون للدولة المستضيفة للقمة قيادة حكيمة وعاقلة تعمل على تيسير الوصول إلى توافقات منتجة بخصوصها، ولو في الحدود الدنيا الممكنة، وهو ما لم يتوفر لجينرالات الجزائر، وبرعوا فقط في تحويل قمة الجزائر إلى “مؤتمر إشعال الحرائق والخلافات”، بدل السعي ليكون الحدث معبرا، بالفعل، عن شعار القمة، أي “لم الشمل”.
صحيح، أن الشعوب العربية لم تألف انتظار أشياء خارقة من قمم قادتها، ولكن التئام القمة الواحدة والثلاثين في سياق طافح بالأزمات كان يفرض نفض غبار الشرود، وإبداء الوعي بما يعانيه العالم برمته، والسعي للارتقاء بالشعوب العربية وتحقيق انتظاراتها وتطلعاتها، لكن البلد المضيف لم يتردد، منذ البداية، في زرع الأشواك وتلغيم كل الممرات المؤدية لأي نجاح، ومن ثم أضيفت هذه القمة إلى سابقاتها، وتكرر الفشل، وتلقت الشعوب العربية خيبة أخرى.
لقد تعامل النظام العسكري الجزائري مع احتضانه القمة العربية ليس ضمن قواعد وأعراف جامعة الدول العربية، ومن خلال إدراكه لالتزاماته بهذا الشأن، أو في إطار أبجديات الديبلوماسية العاقلة والمتحضرة كما هو متعارف عليها كونيا، ولكنه تعامل مع الأمر كما لو أنه فرصة لتكرار بلطجة معهودة من طرفه تجاه المملكة المــــــغربية، وأصر على المناورة والتضييق والاستفزاز، وحتى عندما يقرف الجميع من ذلك ويستنكره.
كل هذه الصبيانية لم تفد لا القمة العربية ولا حتى نظام الجينرالات نفسه، ولم تؤثر على المغرب أو ديبلوماسيته، ولكن العكس هو الذي حصل.
معظم الإعلام العربي لم يتابع من القمة سوى العلاقة مع المغرب، والجميع لم يكن يسأل سوى عن حضور المغرب أو غيابه، وصارت المملكة هي المحور، وهي مؤشر نجاح القمة أو فشلها.
وزير الخارجية المغربي كان المطلوب رقم: 01 من لدن كاميرات القنوات والصحفيين داخل أروقة القمة، كما أنه أجبر السلطات الجزائرية على تقديم اعتذار باسم قناتها التلفزيونية جراء خطأ بليد اقترفته في حق المملكة ووحدتها الترابية، وأصدرت جامعة الدول العربية بيانا توضيحيا في نفس الموضوع.
وأقر كل المتابعين أن جلالة الملك جسد حدث القمة إن بأخبار وتوقعات حضوره أو بغيابه، وكل هذا جعل حينرالات النظام العسكري الجزائري يتلقون الصفعة تلو الأخرى نتيجة خطاياهم التافهة، وبعد أن انقلبت مناوراتهم الموجهة ضد المملكة إلى هزائم وخيبات أصابت ديبلوماسيتهم، وكرست عزلتهم وشرودهم.
لقد نجح المغرب في تحقيق أهدافه الديبلوماسية والخروج محترما من كل مناورات العسكر الجزائري خلال القمة المستضافة من لدنهم، كما أن غياب عدد من القادة العرب عن الحضور الفعلي في القمة وتخفيض مستويات التمثيل بشكل واضح، يجعل المشاركة كلها مجرد رفع عتب، ومن ثم يجعل تنفيذ المقررات والوعود صعبا للغاية.
التحديات ستبقى إذن مطروحة أمام منظومة العمل العربي المشترك، والأزمات ستتفاقم، والظرفية الدولية الصعبة تفرض اليوم وعيا جديدا وخطوات شجاعة، وهو ما لم يكن منتظرا أن تساهم قمة الجزائر في تحقيقه أو، على الأقل، تيسير الوصول إليه.
الجينرالات فشلوا مرة أخرى، وأكدوا أنهم بلداء وشاردون، ولا يبصرون أبعد من أنوفهم، وجعلوا تفاهتهم ومناوراتهم وعبثيتهم وصبيانيتهم هي عناوين القمة الواحدة والثلاثين.
<محتات الرقاص