الحلقة الرابعة
في العادة، لا أقرأ القصص المصورة حتى لو كنت أعترف بالموهبة الأكيدة لبعض الكتاب وبعض السيناريست والرسامين. اسن رياض صطوف لاح أمام ناظري في محطة حيث إعلان يشيد باستحقاقات”عرب المستقبل”. ها هو عنوان رائع، اكتشاف، حظ. كيف يمكن تصور مواطن عربي في المستقبل؟ هل هناك وجود له؟ أردد هذا العنوان “عرب المستقبل”، أفتح الكتاب وها أنا بداخل عالم طفل عربي يحكي لي عن طفولته.
كيف لا يتم التفكير في “مغربي المستقبل”؟ مواطن يتمتع بكامل حقوقه، إنسان له حس المواطنة والتسامح واحترام قانون السير. من يرسم هذا المغربي؟ من يضفي عليه ألوانا وطباعا؟ سيكون من الأفضل لو كان للرسامين طموح أن يحكوا لنا عن مغربهم.
رياض صطوف من أصل زواج مختلط، الأم بروطونية والأب سوري. في هذا القصص المصورة يحكي عن ذاته. لا يتعلق الأمر بخيال علمي، إنها يوميات صبي صغير ينظر إلى العالم بعينين مفتوحتين بسعتهما على تفاصيل الحياة. نحن في سنوات الثمانين. يستحضر حافظ الأسد، سفاح شعب حماة ووالد المجرم الحالي، بشار. المدرسة كانت تمدح “الرئيس الكبير”، و”الظريف” و”الطيب”. كل معارضة تم خنقها في المهد. كل شيء على ما يرام، كل شيء عنيف، لكن هذا لا يظهر للعيان.
والد رياض الصغير محدود الدخل. إنه متقشف وحتى بخيل. يحلم بأن يحمل مسدسا، رمز لسلطة ما. خال رياض الصغير، رجل حائر من قوة ما فتئ يعبر عنها ( يمشي وهو يختال نتيجة منصبه الوظيفي الكبير)، يشغل منصب ضابط في بلد حيث الناس الذين يحيطون بالسلطة هم قادة كبار، لكن الجميع يعلم بأنه ليس هناك سوى قائد واحد، الأسد.
المثير في هذه السيرة الذاتية، هو الانشغال بالتفاصيل ومعنى الألوان. هكذا، سوريا حمراء، وردية مثل الأرض، وبروطان زرقاء رمادية.
رياض يحكي عن لقائه الأول مع نعيم الثروة. عثر داخل متجر في بوطان عن كل ما يحتاج إليه: يوغورت بنسمات مجهولة، أجهزة لا يعرف لأي شيء تصلح.
لكن المهم في جزئي “عرب المستقبل” هو النظرة الساذجة والسديدة نحو هذا البلد السوري التي تقيم في طفولته. أبواه كانا يقطنان في قرية صغيرة سنية، إذن أشد معارضة لجماعة العلويين، الأقلية السائدة. لكن في ذلك الإبان، كانت الحياة تمر بدون مآسي. كانت فترة حيث الرجال يحكمون والنساء يطعن، مبدئيا على الأقل، لأنهن كان لهن نصيبهن من السلطة، بشرط عدم معارضة الزوج أو الأب.
اليوم، أفراد عائلته تمكنوا من نفي أنفسهن في كل جهات العالم تقريبا. لا يدري لماذا فرنسا هي بخيلة وتستقبل بنوع من التقتير طالبي اللجوء. كما أنه لا يفهم كيف أن العالم يتحرك حين يتم هدم مآثر تدمر من طرف همجيي داعش وهذا العالم نفسه ينظر إلى المأساة اليومية حيث آلاف من البشر يتم اغتيالهم، باعتباره شيئا مألوفا. إنه يفضل الإنسان على الحجر حتى لو كان يعترف بأن العمل الفني هو جزء من التراث الإنساني. لكن كما يقول أحدهم:
“في حريق، حينما يكون أمامي خيار بين عمل فني وطفل، أقوم بإنقاذ الطفل”.
كان من عادتي القول إن “الشعر سينقذ العالم”. اليوم أقول بفضل رياض صطوف، إن السخرية ستنقذ العالم العربي؛ لأن السخرية، هي الشعر في حالة سكون.
بقلم: الطاهر بنجلون
ترجمة: عبد العالي بركات