استرجاع مدينة سيدي افني.. منعطف تاريخي حاسم في مسار الكفاح الوطني من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية

نظمت أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير يوم الجمعة الماضي مهرجانا خطابي بمدينة سيدي افني، إحياء للذكرى 54 لاسترجـاع هذه الحاضرة واستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية. ففي يوم 30 يونيو 1969، تم إجلاء قوات الاحتلال الأجنبي عن هذه الربوع الأبية من الوطن التي أبلت البلاء الحسن في مواجهة الوجود الأجنبي ومناهضته. وسجلت الذاكرة التاريخية الوطنية لقبائل آيت باعمران حضورها القوي ومساهمتها الفعالة في الانطلاقة المظفرة لجيش التحرير بالأقاليم الجنوبية للمملكة سنة 1956 لاستكمال الاستقلال الوطني وتحرير الأقاليم الجنوبية التي كانت ترزح تحت نير الاحتلال الإسباني، فضلا عن انغمارها في صنع أمجاد انتفاضة 23 نونبر 1957 الخالدة التي تناقلت أطوارها وسائل الإعلام العالمية، مشيدة باستماتة المقاومين وأعضاء جيش التحرير وصمودهم وروحهم القتالية العالية ووقوفهم في مواجهة المستعمر الغاشم.

يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير يوم 30 يونيو 2023،    ذكرى الانتفاضات الشعبية بالأطلس وبالريف وبسائر ربوع الوطن إثر فرض عقد الحمايـة على المغـرب يوم 30 مارس 1912 لتؤكد مطلبها المشـروع في الحرية والاستقـلال. وعلى غرار سائر المناطـق المغربية، قدمت قبائـل آيت باعمران الأمثلة الرائعة على روحها النضالية العالية، وتصدت بشجاعة وإباء لمحاولات التوغل والتوسع الأجنبي، حيث خاضت غمار عدة معارك بطولية مسترخصة الغالي والنفيس صيانة لوحدة الكيان المغربي ودفاعا عن مقدساته الدينية وثوابته الوطنية.

لقد ساهم أبناء هذا الإقليم المجاهد، وعلى هدي الأسلاف والأجداد والآباء في الملحمة الخالدة لثورة الملك والشعب بتزويد المقاومة المسلحة بالشمال بالسلاح والذخيرة. كما بلورت مدينة سيدي إفني أدوارا رائدة في معركة التحرير والوحدة الترابية والوطنية بتعزيزها للخلايا وللمنظمات الفدائية برجال أشداء ذاع صيتهم في ساحة المعارك ضد جحافل القوات الاستعمارية، كما كانت معقلا لتكوين وتأطير رجال المقاومة وجيش التحرير برز من بينهم أبطال أفذاذ أشداء نذروا حياتهم من أجل عزة الوطن والدفاع عن حريته ووحدته. 

وسجلت الذاكرة التاريخية الوطنية لقبائل آيت باعمران حضورها القوي ومساهمتها الفعالة في الانطلاقة المظفرة لجيش التحرير بالأقاليم الجنوبية للمملكة سنة 1956 لاستكمال الاستقلال الوطني وتحرير الأقاليم الجنوبية التي كانت ترزح تحت نير الاحتلال الإسباني، فضلا عن انغمارها في صنع أمجاد انتفاضة 23 نونبر 1957 الخالدة التي تناقلت أطوارها وسائل الإعلام العالمية، مشيدة باستماتة المقاومين وأعضاء جيش التحرير وصمودهم وروحهم القتالية العالية ووقوفهم في مواجهة المستعمر الغاشم.

كما تفاعلت هذه الربوع المجاهدة مع كافة المحطات النضالية التي خاضها الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المنيف لاستكمال مسلسل التحرير الذي أعلن عنه جلالة المغفور له سيدي محمد بن يوسف في خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958 عندما قال: “…إننا سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان. وهكذا، نحافظ على الأمانة التي أخذنا على أنفسنا بتأديتها كاملة غير ناقصة “…

وفي هذا السياق، نستحضر المواجهات والمعارك التي كبّد خلالها المجاهدون قوات الاستعمار خسائر فادحة في الأرواح والعتاد على الرغم من قلة العدد وبساطة العتاد، ومن تلك المعارك والمواجهات البطولية، نذكر معارك “تبلكوكت”، “بيزري”، “بورصاص”، “تيغزة”، “امللو”، “بيجارفن”، “سيدي محمد بن داوود”، “ألالن”،”تموشا” ومعركة “سيدي إيفني”، وتمكن مجاهدو قبائل آيت باعمران من إجبار القوات الإسبانية على التحصن والانزواء بسيدي إيفني، كما أقاموا عدة مواقع أمامية بجوار المواقع الإسبانية كي لا يتركوا لقوات الاحتلال مجالا للتحرك. ولم تتمكن القوات الاستعمارية الإسبانية من فك الحصار عنها إلا بعد الاستنجاد بالقوات الاستعمارية الفرنسية كما حدث في حرب الريف بعد معركة “أنوال” العظيمة، حيث كانت عملية “ايكوفيون” وتعني “المكنسة” التي فتحت الباب للدخول في مفاوضات سياسية انتهت باسترجاع منطقة طرفاية سنة 1958، ثم استرجاع مدينة سيدي إيفني في 30 يونيو 1969.

وفي هذا المضمار، يقول جلالة المغفور له الحسن الثاني في خطابه بمناسبة زيارته لمدينة سيدي ايفني في 18 يونيو 1972: ”…أرجو منكم أن تبلغوا تحياتنا إلى سكان الإقليم، وبهذه المناسبة، أبلغ سكان المغرب قاطبة افتخاري واعتزازي وحمدي لله وتواضعي أمام جلاله لكونه أنعم علي بأن أكون ثاني الفاتحين لهذه البقعة، أعاننا الله جميعا وسدد خطانا وأعانكم وألهمكم التوفيق والرشاد”.

ولم يكن تحرير مدينة سيدي افني إلا منطلقا لمواصلة وتعزيز جهود المغرب في استرجاع ما تبقى من الأطراف المغتصبة من ترابه، وتكللت التعبئة الشاملة بملحمة أبهرت العالم أجمع، جسدت عبقرية جلالة المغفور له الحسن الثاني التي أبدعت مبادرة رائدة في ملاحم التحرير بتنظيم مسيرة شعبية سلمية وحضارية استقطبت آلاف المتطوعين وساندها أشقاء من العالم العربـي والإسـلامي ومن العديد من البلدان الصديقة، وسارت وفودهم في مقدمة وطليعة المتطوعين في المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 1975. فكان جلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية يوم 28 فبراير 1976، ورفرفت الراية المغربية خفاقة في سماء العيون إيذانا ببشرى انتهاء عهد الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية، وإشراقة شمس الوحدة الترابية لبلادنا، من الشمال إلى الجنوب، ومن طنجة إلى الكويرة.

وتتواصل مسيرات البناء وإرساء أسس دولة الحق والقانون والمؤسسات في العهد الجديد والزاهر لجلالة الملك محمد السادس، والانغمار في مسلسل التقدم والتنمية الشاملة والمستدامة والدامجة لأقاليمنا الصحراوية لتصبح أقطاباَ تنموية جهوية، وقاطرة للتنمية الشاملة والمتكاملة بكل أبعادها، بأوراش العمل والمشاريع الاستثمارية التي تكرس النموذج التنموي الجديد الرائد والمتواصل ببلادنا في كافة المجالات، وتعزيز ورش الجهوية الموسعة والمتقدمة التي أراد لها صاحب الجلالة أن تكون نقلة نوعية في مسار الديمقراطية الترابية، في أفق جعل الأقاليم الصحراوية نموذجا ناجحا للجهوية المتقدمة بما يؤهلها لممارسة صلاحيات واسعة، ويعزز تدبيرها الديمقراطي لشؤونها المحلية في سياق ترسيخ مسار ديمقراطي صحيح وخلاق يؤمن إشعاعها كقطب اقتصادي وطني وصلة وصل بين المملكة المغربية والبلدان الإفريقية جنوب الصحراء، وبين بلدان الشمال والجنوب.

وباحتفائها بهذه الذكرى العظيمة التي يحق لكل المغاربة الاعتزاز بحمولتها الوطنية ورمزيتها وقيمتها التاريخية، تستحضر أسرة المقاومة وجيش التحرير ملاحم الكفاح الوطني في سبيل تحقيق الحرية و الاستقلال والوحدة الترابية، وتستلهم منها قيم الصمود والإقدام والتعبئة الوطنية المستمرة والالتحام الوثيق بين أبناء الشعب المغربي من أقصى تخوم الصحراء إلى أقصى ربوع الشمال، وتؤكد مجددا تجندها الدائم والموصول صيانة للوحدة الترابية الراسخة التي لا تزيدها مناورات الخصوم إلا وثوقا وصمودا وثباتا.

إن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تخلد بإكبار وإجلال الذكرى 54 لاسترجاع مدينة سيدي افني، لتجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية، وتعلن استعداد أفرادها لاسترخاص الغالي والنفيس في سبيل تثبيت السيادة الوطنية بأقاليمنا الجنوبية المسترجعة ومواصلة المساعي والجهود لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لفائدة ساكنتها، وتعبئتهم المستمرة ويقظتهم الموصولة وتجندهم الدائم وراء عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس، من أجل تثبيت المكاسب الوطنية والدفاع عن وحدتنا الترابية غير القابلة للتنازل أو المساومة، متشبثين بالمبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الجنوبية المسترجعة في ظل السيادة الوطنية.

هذا المشروع الذي حظي بالإجماع الشعبي لكافة فئات وشرائح ومكونات الشعب المغربي وأطيافه السياسية والنقابية والجهوية والمدنية، ولقي الدعم والمساندة بالمنتظم الأممي الذي اعتبره آلية ديمقراطية وواقعية لإنهاء النزاع الإقليمي المفتعل حول أحقية المغرب في السيادة على ترابه الوطني من طنجة إلى الكويرة.

واحتفاء بهذه المناسبة، نظمت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير يوم الجمعة  23 يونيو 2023، بقاعة الاجتماعات لعمالة إقليم سيدي افني، مهرجانا خطابيا تلقى خلاله كلمات تستحضر الدلالات العميقة لهذه الملحمة الخالدة، وذلك بتنسيق وتعاون مع عمالة الإقليم ومشاركة الفعاليات الإقليمية والمحلية وأسرة المقاومة وجيش التحرير.

وبهذه المناسبة، تم تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وكذا توزيع إعانات مالية على عدد من المستحقين منهم للدعم المادي والاجتماعي.

وبمدينة تزنيت، التأم في نفس اليوم، لقاء تواصلي بفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، توج بتكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وتوزيع إعانات مالية على  عدد من أفراد هذه الأسرة  الجديرة بكل تشريف وتكريم ورعاية.

إعداد للنشر: سعيد ايت اومزيد

Related posts

Top