“البوفا”.. قاتل الشباب ومدمر العائلات

يعتبر مخدر “البوفا”، أو “الكراك”، أو كوكايين الفقراء، من أسرع المخدرات التي تقوم بالتأثير على الجهاز العصبي المركزي، إذ يعمل كمنبه له، من خلال التأثير على مستوى “الدوبامين” في المخ، ويتكون المخدر من بعض المكونات مثل الكوكايين و”الأمونيا” ونشا الذرة و”بيكاربونات” الصوديوم، يطهى على نار هادئة، ويتم استنشاقه أو تدخينه، حيث يشعر المدمن بفقدان القدرة على التمييز والتفكير، والإحساس برغبة كبيرة في إيذاء الذات أو الآخرين.

وظهر مخدر “البوفا” داخل الولايات المتحدة بين الشباب عام 1986، و خلال السنوات الأخيرة غزا بشكل واسع المدن المغربية عموما، والأحياء السكنية الشعبية بالدار البيضاء، خصوصا (حي سيدي مومن، الهراويين، الشيشان)، ويلجأ الشباب والمراهقون للتعاطي لمخدر “البوفا” بدافع الترفيه، ونسيان المشاكل الاجتماعية، وهو بديل للكوكايين، بسبب سعره المنخفض (50 درهما للغرام الواحد)، وتأثيره السريع في مدة لا تتجاوز 15 دقيقة هو ما يدفع البعض للبحث عن جرعات إضافية.

وسبق أن كشف تقرير المخدرات العالمي لسنة 2019، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، عن معطيات صادمة بخصوص انتشار الكوكايين و”كراك” الكوكايين في المدارس المغربية.

المعطيات ذاتها أشارت إلى أن نسبة تعاطي الكوكايين وسط تلاميذ المغرب البالغة أعمارهم ما بين 15 و17 سنة، تصل إلى 1.2 في المائة، بينما تبلغ في صفوف التلميذات 0.4 في المائة، لتكون النسبة العامة للتلاميذ المتعاطين لهذا النوع من المخدرات حوالي 0.8 في المائة.

وحصلت بيان اليوم على شهادات لمدمنين على “البوفا” من قبيل تصريح فاطمة التي أكدت على أن مخدر” “البوفا” هو بقايا مخدر الكوكايين الذي يطهى على نار هادئة مع مادة الأمونياك، وقالت: قمت بتجربة مخدر البوفا من باب التسلية، وبدافع أيضا الرغبة في الهروب من المشاكل، حتى وجدت نفسي مدمنة عليها بكثرة، وأصبحت كالمجنونة في حالة عدم استعمالها، مضيفة “مابقاش عندي الفلوس وليت كنبيع حوايجي وحتى شي واحد ما عقل عليا”.

وأبرزت فاطمة أنه بعد تفكير عميق، وجدت أن أفضل حل لوقف هذا السم القاتل، هو الالتحاق بمركز متخصص في معالجة الإدمان، وأنها ترددت طوال تسعة أشهر وباستمرار على المركز، قصد إزالة أكبر مشكل ينغص حياتها، لتستفيد من الحصص النفسية، مع استخدام بعض العقاقير والأدوية التي تساهم في التخفيف من حدة استخدام هذا المخدر،وأضافت أنها حاليا لديها العزيمة والثقة لوقف استخدام هذا المخدر، مع دعوتها لجميع المدمنين بضرورة اللجوء إلى مركز متخصص في معالجة الإدمان، “راه هذا السم ماشي مفتاح السعادة وخاصو يتمنع”.

ويستعمل “البوفا”،حسب فاطمة، عن طريق الاستنشاق، ويحتاج إلى قارورة و”طفاية” و”ستيلو” فارغ، وغالبا ما يتم استعماله إلى جانب مواد مخدرة أخرى، مثل “القرقوبي” و”الماريخوانا”، والمشروبات الروحية، وتظهر مجموعة من السلوكيات على متعاطيها كالتحدث بشكل سريع، تناول الطعام بشراهة، اليقظة والنشاط،التأرجح في الطاقة اليومية.

ويتسبب هذا المخدر في أضرار شديدة تتمثل في هلاوس سمعية وبصرية، الاكتئاب، التعرض للنوبات القلبية، تضخم عضلة القلب، الإصابة بالعقم، والتأثير على الجهاز العصبي وأيضا عدم التنفس بشكل جيد والانتحار بشكل كبير.

وفي هذا الصدد، قامت بيان اليوم بمجموعة من البحوث التي تبين مدى صعوبة محاربة هذا المخدر الذي أصبح ينتشر بالمملكة كالنار في الهشيم، وتوصلت إلى أن الحل يكمن أساسا في اللجوء إلى مراكز معالجة الإدمان وتتبع الحصص باستمرار مع المختصين، عبر وضع استراتيجية أقوى لمحاربة الإدمان والحد من انتشاره عبر ربوع المملكة، خاصة في أوساط المراهقات اللواتي تعتبرن صيدا سهلا لتجار هذه السموم، واللواتي شكلن مادة دسمة للعديد من المختصين الذين دقوا ناقوس الخطر لمحاولة الإنقاذ قبل فوات الأوان.

بهذا الخصوص، يقول الحسن البغدادي، رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين والمخدرات، إن هذا المخدر “يتم إنتاجه وترويجه من طرف بعض الأشخاص المهاجرين من جنوب الصحراء، ويتراوح ثمنه بين 50 و60 درهما للغرام الواحد”.

وأضاف البغدادي أن إدمان هذا المخدر “قريب من إدمان السيلسيون والميكا، لكن يبقى مخدر البوفا أخطر على مستعمله، حيث يرفعه من الواقع كوحش آدمي، إذ يقوم بتغييب العقل ويتسبب في العجز الجنسي التام”.

وتابع بأن “إدمان هذا المخدر يعرف انتشارا واسعا وغريبا بين شبابنا ونشئنا، خاصة بعد وصوله إلى جنبات ووسط المؤسسات التعليمية والتكوينية”، موردا: “للأسف، هي ظاهرة وليدة اليوم لكنها تعرف انتشارا فظيعا بين دروبنا باسم التفتح والتحرر تارة، وتارة باسم العيش بعيدا من مشاكل الحياة من جهة نظر الشباب المغرر بهم”.

وأردف قائلا: “بهذه الطريقة تضيع الحقيقة المرة؛ كون الأمر يتعلق في جوهره بسياسة تسويقية محكمة نهجها لوبي صناعة وبيع وترويج هذا المنتوج، وذلك بغية استقطاب زبائن جدد وكثر، خاصة في صفوف شبابنا ونشئنا، عن طريق تنويع العرض في شكل خلق سياق بعيدا عن أعين الناس ودفعا لكل حرج، وما يتبع ذلك من إغراء للضحايا عن طريق تنويع العرض والثمن”.

واعتبر المتحدث أن “التمادي في صم الآذان عن صراخ الأمهات ونهج سياسة الهروب إلى الأمام، من شأنه أن يدفع بهذه التجارة إلى أن تتعدد وتتنوع في الخطر بين فلذات الأكباد مع مرور الوقت، بهدف الإيقاع بأكبر عدد ممكن من المواطنين، حتى تصل الأمور إلى استنزاف المقدرات الأساسية للوطن المتمثلة في شبابها، ومن ثم تهديد مشروعنا المجتمعي في غفلة منا”.

آية مزوار و فرح عكادي(صحافيتان متدربتان)

Related posts

Top