الدار البيضاء.. فوضى احتلال الملك العمومي والسلطات تشن حملات محتشمة

عادت موجة احتلال الرصيف بشكل قوي خلال النصف الثاني من سنة 2020 وبداية 2021، وخاصة على صعيد الأحياء الشعبية، وذلك من طرف أصحاب محلات إعداد وبيع المأكولات الخفيفة والمطاعم الشعبية والمحلات التجارية وأرباب المقاهي، حيث لا يترددون في بسط الكراسي والطاولات بالرصيف العمومي أمام محلاتهم، وهو ما جعل الراجلين والمارة يعانون الأمرين في السير ويضطرون إلى المرور وسط الشارع بمحاذاة السيارات وباقي وسائل النقل، ما يشكل تهديدا خطيرا لسلامتهم، ويساهم ذلك أيضا في صعوبة حركة السير والجولان. وهذا الوضع، المخالف للقوانين ذات الصِلة، التهم العديد من أزقة وشوارع الأحياء الشعبية، وأماكن عبور ومرور الراجلين، ولم يترك ولو شبرا واحدا لهؤلاء العابرين مشيا، لكي يمروا بطمأنينة وأمان فوق الرصيف، ودفعهم مرغمين لهجر الرصيف المعد لهم.
وبالمقابل، يجد العديد من أصحاب السيارات صعوبات بالغة لركن سياراتهم بعد انتشار ظاهرة غريبة بين سكان الأحياء الشعبية. حيث يعمدون إلى ملئ حاويات مختلفة الأحجام بالحجر والرمل والاسمنت، ويضعونها عدد منها أمام بيوتهم وفي جانب الرصيف المخصص لركن السيارات من أجل منعهم من ذلك في خرق واضح للقانون.

الحي الحسني.. حملة لم تكتمل

وشنت السلطات المحلية بالمقاطعة الجماعية الحي الحسني لتحرير الملك العمومي حملة تحرير جنبات الأرصفة من الحاويات المعيقة لركن السيارات وتحرير الملك العمومي. فقد تم هدم واجهات وسياجات عشرات المحلات والمقاهي، التي أقيمت دون سند قانوني فوق الملك العمومي.
هذه الحملة لاقت الحملة استحسان وتنويه المواطنين الذين سرعان ما تساءلوا عن السر وراء وقفها علما أن هنالك أرصفة ومحلات تجارية ومقاه ومطاعم لم تبلغها الجرافات.

عين الجرافات على الحي المحمدي

أكدت مصادر مسؤولة بالدار البيضاء أن الحملة ستطال هذا الأسبوع الحي المحمدي وستهم ما بين ألف وألف و500 محل تجاري يتوفر على رخص لاستعمال الملك العمومي. وستقتصر الحملة بالمقاطعة الجماعية بالحي المحمدي على بعض الأحياء دون غيرها، أي أن الحملة ستركز على المنطقة التجارية لوضع حد للفوضى التي تعانيها، إذ يصعب المرور منها في ساعات الذروة، بسبب أصحاب العربات، الذين حولوها إلى محلات تجارية بالممرات المحاذية للأسواق اللاقانونية، ويصبح من المستحيل على السيارات المرور منها، كما ستركز. أحياء سكنية احتل المواطنون فيها أماكن ركن السيارات.

سيدي مومن/سيدي البرنوصي.. الحملة تستهدف السكان أولا

إذا كانت السلطات تحاول وضع حد للفوضى التي يتسبب فيها التجار باحتلالهم للملك العام، فإن الغريب في سيدي مومن أن السكان هم من يخلقون هذه الفوضى بتعمدهم وضع حاويات مليئة بالحجر والاسمنت على الرصيف لمنع أصحاب السيارات من الوقوف القانوني أمام بيوتهم. فقد انتشرت عقلية غريبة في صفوف سكان حي الهدى بصفة خاصة. فهم لا يكتفون بما يملكونه خلف أبوابهم بل يعتبرون أن الشارع أيضا ملكا لهم. فلا يخلو منزل دون أن تجد أمامه معيقات لركن السيارات على الأرصفة القانونية. وهي ظاهرة خلفت العديد من المشاحنات والنزاعات. ولو اقتصر أمر حي الهدى، خاصة شارعه المشهور “الزنقة 3″ التابعة لمقاطعة المنظر العام، لهان الخطب، فقد دخلت الشاحنات الكبيرة جدا ” camions remorques ” على الخط. حيث يقوم سائقوا هذه الشاحنات بركنها في ما يسمونها “مزبلة سيدي حي الهدى” أي “الزنقة 3” التي تحولت، رغم اكتظاظها بالسكان، إلى مرآب لهذه الشاحنات الضخمة التي تحدث ضجيجا متواصلة صباح كل يوم عند إدارة محركاتها، وتهدد سلامة الأطفال الصغار الذين لا يجدون من فضاء للعب سوى الزنقة 3 في غياب لفضاءات التسلية بالحي.
هذه الفوضى صارت محط استنكار وتذمر كل ساكنة حي الهدى الذين أصبحوا مضطرين لركن سياراتهم بعيدا عن بيوتهم في ظل احتلال الحاويات والشاحنات الكبيرة للحي.
ويعبر المواطنون عن سخطهم جراء ذلك واستيائهم من غياب السلطات المحلية وعدم تدخلها لرفع هذا الضرر وحماية العابرين والمارة، خصوصا في هذه الفترة حيث تتم محاربة مظاهر الازدحام للتصدي لتفشي فيروس كورونا.
الواقع أعلاه يفضح مظاهر الاستغلال غير القانوني للملك العمومي من طرف المقاهي والمطاعم، وأيضا عدم تطبيق القانون من طرف مجلس المقاطعة والجماعة الحضرية للدار البيضاء في حق المخالفين، وهذا صار يطرح أكثر من علامة استفهام ويدفع إلى التساؤل عن دوافع هاته الفوضى والمتسببين فيها، أليس تطبيق القانون من صميم اختصاصات السلطات المحلية؟ ألم يقتنع المسؤولون بعد أن العديد من حوادث السير التي يكون ضحيتها الراجلون تعود في الأصل إلى هؤلاء الذين استعمروا الرصيف بدون ترخيص، وأساسا في غياب تام لدور الشرطة الإدارية المنصوص عليها في الميثاق الجماعي، و التي يعود لها اختصاص مراقبة الأملاك العمومية التي يتوجب استغلالها بمقتضى ترخيص في إطار القانون.

ويرى عدد من المواطنين، أن احتلال الملك العام أمسى ظاهرة مستعصية تتحدى دوريات وزارة الداخلية المتعلقة بتحرير الملك العمومي، وذلك إثر تحكم لوبيات واستفادتها من ذلك، ويشتكي المواطنون كون الراجلين لم يعد لهم الحق في استعمال الأرصفة والمشي فوقها، ويطالبون بتدخل صارم وزجري من لدن السلطات العمومية ضد مستغلي الملك العمومي بطريقة غير قانونية.
وإذا كانت السلطات المحلية بالحي الحسني باشرت بعض أعمال الهدم في حق المترامين على الملك العمومي، فإن مناطق أخرى بالدار البيضاء لم تحرك ساكنا، على غرار الحي المحمدي وسيدي البرنوصي وعين الشق، إذ هناك محلات تجارية ومقاه ومحلبات أصبحت تعتبر أجزاء الملك العمومي، التي ترامت عليها حقا مكتسبا لا يمكن أن ينازعها فيه أحد. ولم تصدر من السلطات المحلية التابعة لها هذه المناطق أي مبادرة، من أجل تحرير الملك العمومي. ولاحظت “بيان اليوم” أن بعض المقاهي بهذه المنطقة أقامت حواجز فوق أرصفة الراجلين.
وإذا كانت السلطات العمومية تبرر تقاعسها عن محاربة الباعة المتجولين بدواع اجتماعية، إذ تغض الطرف عن هذه الفئات، بدعوى أنها تعتبر من الشرائح الفقيرة، التي لا تتوفر على مصدر رزق، وأن هذه الأنشطة توفر لهم مدخولا لتأمين حاجيات أسرها، فإنها لا تستطيع تبرير عجزها عن إجبار أصحاب المحلات التجارية والمقاهي على احترام القانون، فيكفي التجول بشوارع البيضاء، لتلاحظ أن بعض المقاهي احتلت أرصفة الراجلين، الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى استخدام الشوارع المخصصة للمركبات.

انتقائية في الهدم

يعتبر الفراشة والباعة المتجولون من المحتلين للملك العمومي، الذين عجزت السلطات العمومية عن مواجهتهم ورفعت الراية البيضاء، معلنة عن فشلها في التصدي لهم. ويتوزع البائعون المتجولون على فئتين أساسيتين، الفئة الأولى تتوفر على العربات المدفوعة أو المجرورة بالدواب أو الدراجات النارية ثلاثية العجلات، التي تعرض عليها بضائعها، وهي الفئة التي تتطلب رأسمالا نسبيا أعلى يتراوح ما بين 2000 و15 ألف درهم، إذ يتعين اقتناء الدابة والعربة وتجهيزها، إضافة إلى تكاليف اقتناء البضائع. وانعكس الإقبال على نشاطات التجارة المتنقلة على نشاطات أخرى، إذ تعرف محلات التلحيم والحديد والعجلات المستعملة إقبالا ملحوظا.
وهناك فئة الباعة المتجولين، الذين يعرضون بضائعهم على الأرصفة مباشرة ولا يتوفرون على عربات، الذين يعرفون بـ “الفراشة”، إذ يكتفون بوضع البضائع على قطع من البلاستيك على قارعة الطريق. ويتراوح رأس المال الدائر لهذه الفئة بين 100 وألفي درهم.
وتساهم هذه الفئات في توفير الدخل لشريحة أخرى، خاصة أصحاب المنازل التي يضطر “الفراشة” إلى وضع بضائعهم أمام أبوابها. وصرح بعضهم أنهم يضعون بضائعهم أمام المنازل، مقابل إتاوات يدفعونها لأصحابها، وتتراوح هذه الإتاوة ما بين 70 درهما و100 درهم في اليوم، حسب الموقع، لكن هذا “السعر” غير قار، ويمكن أن يتغير حسب الظروف، إذ يمكن أن يرتفع إلى 200 درهم في اليوم خلال بعض المناسبات، خاصة في الأعياد ورمضان..

> مصطفى السالكي
> تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top