السينما المغربية سنة 2015: وجود حقيقي وهوية بصدد البحث

بيان24:>  مبارك حسني*
لسنوات طويلة، كانت معركة المثقفين الذين كانوا وراء فكرة الســينما تقوم على ترسيخها كمعطى مغربي كامل الحضور في المشهد ليس الثقافي فقط، ولكن في المجال الاجتماعي العام، وفي أذهان المغاربة وحياتهم. وسنة 2015 تُبين بالملموس أن المعركة نجحت في هدفها هذا، بل أن نجاحها فاق التوقعات. وفعلا يمكن تَلُمس هذا في أركان الممارسة السينمائية الرئيسية: اﻹخراج واﻹنتاج والاستهلاك، وهو ما تعلن عنه الأرقام الرسمية طيلة هذه السنة. فهناك زيادة ملحوظة في دينامية النشاط السينمائي بشكل كبير. لكن السؤال الثقافي في الممارسة لم يبلغ مستوى حلم التأسيس، حيث غلب كثيراً هاجس الصورة الجاذبة ما أمكن ذلك، وسطوة المحكي البسيط جداً الذي لا يمنح المعنى وقد يمنح الفرجة أحياناً.
 
وتيرة متسارعة
هذه الوتيرة عنوانها الأول هو التميّز الكمي للأفلام الذي ظل وفياً للمُبَرمَج له وهو إخراج أكثر من عشرين عمل سنوياً، وهو رقم جد محترم في سياقات قارية وإقليمية تعرف انحساراً سينمائياً فظيعاً. وعنوانها الثاني هو الخروج المُنتظم للأفلام في القاعات السينمائية المُتبقية في جل المدن الكبرى، خصوصاً في المركبات السينمائية المسماة «ميغاراما» والمتوفرة على عدد معين من القاعات المتجاورة (في الدار البيضاء، الرباط، طنجة، فاس، تطوان، مكناس، مراكش). مع تباين كبير في عدد المتفرجين بالنسبة لكل فيلم. فإلى حدود أواخر شهر سبتمبر وبحسب اﻷرقام الرسمية للمركز السينمائي المغربي، وبحسب ما تتبعناه بالمشاهدة العيانية، يحتل الفيلم المغربي المرتبة الثانية بقرابة أربعين في المئة من المشاهدة بعد بعض أفلام السينما الأمريكية المعروضة والتي عرفت نسبة مشاهدة تناهز الخمسين في المئة. النسبة الضئيلة الباقية تتقاسمها السينما الفرنسية والمصرية.
مغربياً، احتل المراتب الأولى شريطان مُضحكان هما «الفروج» لعبد الله توكونة الملقب بفركوس و»الحمالة» لسعيد الناصري، إلى جوار فيلم حركة أميركي هوليودي هو «مهمة مستحيلة»، الشيء الذي يحيل على منافسة «سينمائية» بوقع السخرية، فجماهيرية هذه اﻷعمال ليست على نفس المقاس ولا بذات القيمة. يبقى أن الجمهور المغربي اختارها، وبطريقة غير مباشرة ساهم في تحريك المداخيل المالية ما يساهم في تنشيط الدعم السينمائي.
وفي ذات المنحى وبنفس القيمة الفنية العادية، حققت أفلام أخرى مداخيل محترمة، بعضها من إنتاج جديد وبعضها من سنوات سابقة لا تزال تراود الشاشة الكبرى. الأفلام الجديدة هي «رهان» لمحمد الكغاط و»خنيفيسة الرماد» للمخرجة الصاعدة سناء عكرود، و»كاريان بوليوود» لياسين فنان، و»عايدة» لإدريس المريني، و»الأوراق الميتة» ليونس الركاب، و»غرام وانتقام» لمحمد عبد الكريم الدرقاوي في تجربة جماهيري مستحسنة، و»أوركسترا منتصف الليل» للمخرج المغربي اليهودي جيروم كوهين أوليفار، و»سليمان» للمخرج محمد البدوي. وهذا إلى جانب أفلام مثل «فورمطاج» لمراد الخوضي و»حب الرمان» لعبد الله فركوس (مرة أخرى)، و»المنسيون» لحسن بنجلون مثلاً. والملاحظ أن هذه الأعمال تظل بقيمة متوسطة أو رديئة حتى، ولا ترقى إلى ما كان يصبو إليه المثقفون والمخرجون الملتزمون بالفن السينمائي. من حسن الحظ ولأن السينما فن متعدد، حققت أفلام جيدة جديدة اختراقاً جميلاً على غرار ما فعل «جوق العميين» لمحمد مفتكر الذي استطاع منح الجمهور العاشق والسينيفلي معاً فيلمَا مؤلفٍا له خاصية جلب الجمهور كما النقاد، ونال الجوائز الكبرى في مهرجانات إقليمية محترمة، بقصته التي هي مزيج ذكي من الأتوبيوغرافيا والمتخيل. وفيلم المخرج المخضرم عبد القادر لقطع الجديد «نصف السماء» الملتزم والطيب الصدى الفني، ويتناول فيه مغرب الصراع السياسي في السبعينات من خلال حكاية زوجة الشاعر عبد اللطيف اللعبي، وأخيراً شريط «إطار الليل» للمغربية العراقية البريطانية طالا حديد وهو صورة حية لسينما الشاعرية العميقة المتضمنة لحكي ذكي لوقائع راهنة بمحليتها وإنسانيتها.
وطبعاً عرفت السنة عرض كمّ كبير من الأفلام القصيرة في العديد من المهرجانات السينمائية التي تقام في طول الوطن وعرضه، ما يؤكد حيوية المشهد السينمائي الواعد، والذي يعرف توافد أشخاص حالمين بالإخراج من كل الطبقات والمشارب والمدن، من خارج وداخل المغرب، ما يجدد الدماء في الممارسة ويكشف عن مواهب حقيقية مثل شريط «دوار السوليما» لأسماء المدير والذي نال الإعجاب.
 
استمرار سياسة الدعم
والواقع أن هذا الزخم يستفيد من دينامية اﻹنتاج التي توازيها دينامية الدعم المسماة بعد التعديل الهام الذي طالها بـ»التسبيق على المداخيل». وهكذا منحت الدورات الثلاث السنوية للجنتها التي يترأسها حالياً الكاتب مبارك ربيع وكانت ضمت في عضويتها المرحوم الناقد والقاص المعروف الصديق مصطفى المسناوي الذي غادرنا مؤخراً إلى دار البقاء، منحت الدعم القبلي لإثني عشر فيلم طويل وأفلام وثائقية وعدد هام من الأفلام القصيرة، كما منحت منحاً مادية مساهمةً في الكتابة وإعادة كتابة السيناريو لعدد من المخرجين بعضهم معروف وبعضهم مبتدئ. ويلاحظ عودة مخرجين مكرسين كداوود أولاد السيد والجيلالي فرحاتي وحميد بناني وإسماعيل فروخي وحكيم بلعباس، وهو ما ينبئ عن سينما قادمة لها طابع فني استناداً إلى مشوارهم السينمائي المحترم.
وسيراً على سياسة دعم المهرجانات والتظاهرات السينمائية التي صارت آلية محددة ومقررة مستقلة منذ سنوات، تم تقديم مساهمات مالية للعديد من المهرجانات. واللجنة يترأسها حالياً الأستاذ العميد السابق حسن الصميلي وتضم في عضويتها العديد من المهتمين والمسؤولين عن القطاع. وهي دعمت هذه السنة عدداً هاماً من المهرجانات والتظاهرات بغض النظر عن أهميته وقيمته، كمهرجان مراكش الدولي وتظاهرة مثل سينما الهواة بسطات على سبيل المثال، وبالطبع البون شاسع ما بين الإثنين، وهو ما أثار جدلاً كبيراً واحتجاجاً واسعاً.
 
في العمق
وتستمر السينما في المغرب تثير الكثير من ردود الفعل، بل تتصدر واجهة اﻷحداث الثقافية بقوة، وتسبح بالنقاش العام جهة مسألة اﻹبداع والحرية، والسينما وحدود الجرأة المتاخمة لحدود الحق في التعبير. هذه المسائل المبدئية التي ﻻ تحتمل كثير شد وجذب، بما أن اﻹبداع سيد نفسه حين يكون المبدع حقيقياً ومسكوناً بهاجس الخلق الفني وبما هو إنساني في العمق، وليس في حاجة إلى وصاية أو مراقبة لصيقة. لكن مع اﻷسف، وقع اﻷمر هذه المرة بسبب فيلم عادي ومتواضع فنياً هو «الزين اللي فيك» لنبيل عيوش الذي قدم أفلاماً مقبولة وأخرى مميزة في السابق، إلا أنه قدم هنا عملاً توخى الجرأة في اﻹظهار من دون سند من رؤية وفكرة ومقاربة. وما تعرض له من منع خلق الضجة ولم يربح منه اﻹبداع السينمائي والثقافي. فعرضه في تظاهرة موازية في مهرجان كان العالمي، هو حدث لا شك، إلا أنه حدث يخدم الدعاية ولا يضيف قيمة للسينما الوطنية. وهذه الأخيرة تروم بالضرورة تحقيق الإضافة على الصعيد الدولي إشعاعاً وإفادة. من حسن الحظ أن هناك شريطاً مثل «جوق العميين» قدم صورة فنية في جميع التظاهرات التي عرض فيها.
وهكذا في الخلاصة تبدو السينما المغربية خلال السنة الجارية قد أتت على منوال السنوات الماضية حية ونشيطة مع وجود تنوع وتعدد من حيث الأنواع المتخيرة والمضامين المطروقة والجدل الكبير الذي تتسبب فيه. لكن السؤال الذي طرحناه في بداية المقال يبقى ملحاً. فمن خلال كل هذه الحركية الواضحة، يلاحظ أنها لا تزال لم تختط لها تميزاً خاصاً بها ولا تياراً ما، فهي تظل سينما مخرجين ترعاها الدولة مادياً ومعنوياً.

*ناقد سينمائي

Related posts

Top