الشاعرة الموريتانية ليلى شغالي أحمد محمود لـ بيان24

تقيم حاليا بالمغرب الشاعرة الموريتانية المرموقة ليلى شغالي أحمد محمود، التي تنحدر تحديدا من مدينة شنقيط، الشاعرة بعدما كانت تأتي عابرة للمغرب لتمثيل الشعر الموريتاني في محافل عدة تأتي اليوم لتقيم أول مرة، من أجل البحث عن القواسم الثقافية والتاريخية المشتركة بين بلدها الأصل والمغرب، وتحاول من خلال جمعها لشواهد تاريخية عديدة أن تؤرخ لمجموعة من الأحداث والقواسم التي تجمع البلدين. الشاعرة في حوارها مع «بيان اليوم» ستقربنا أكثر من مضمون هذا المشروع الثقافي، كما ستقربنا أكثر من ثقافة بلد المليون شاعر.  

> بداية، أستاذة ليلى شغالي أحمد محمود، أنت شاعرة موريتانية، والآن تقيمين بالمغرب من أجل إنجاز بحث ثقافي حول المشترك بين المغرب وموريتانيا.. تحدثي لنا عن هذا المشروع الثقافي..
> أولا، أحب أن أعطي نبذة قصيرة عن اشتغالي، كي أربطها بالجواب، أنا أترأس جمعية للآداب والثقافة والتراث ومن خصوصية هذه الجمعية أنها تدير المهرجانات الدولية على هذا الأساس وخصوصا في الجانب الأدبي، وكان ولا يزال مصب اهتماماتي يتمحور حول إنعاش مدينة شنقيط التي أنتمي إليها وأن أسهم في إنعاشها على العديد من المستويات، وأنا أنتمي إلى أسرة لها تراث كبير ولها امتدادات، وهي أسرة عالمة، والدي كان من أكبر المؤرخين والمبدعين في هذا المجال وهو كذلك شاعر موريتاني كبير معروف «غالي ولد أحمد محمود»، كما ألف كتابا أسماه «لمحات من تاريخ شنقيط» يعرض فيه هذه الجوانب، وألمح في كتابه أن أصولنا منحدرة من المغرب، وبالتالي أردت أن أكتب في هذا الإطار ولكن بطريقة مختلفة عمن سبقوني في هذا المجال، من باب تمحيص المحور، يعني من أجل التدقيق، لهذا جئت إلى المغرب وذلك لأكتب عن القالب المشترك ثقافيا وتاريخيا وسياسيا، وحتى في كافة أبعاد ما يربطنا بالمغرب جذريا وذلك من خلال البحث في عائلة وازنة، التي هي عائلة آل الشيخ ماء العينين. هذه العائلة تمثل التاريخ الموريتاني والتاريخ المغربي على حد سواء، ولها ثقلها في البلدين ولا تزال مشهودة في هذا الأساس، وفي مبحثي هذا أو كتابي الذي أنا بصدد إنجازه تناولته من خلال النواة الرابطة في هذا الصدد على أساس الزيارة أو الوساطة التي لعبها الشيخ ماء العينين رحمه الله بين رؤساء الوفود الموريتانية التي جاءت لمبايعة السلطان المغربي آنذاك، فبحثي يدور حول هذا المجال، وذلك من أجل تدقيقه وتمحيصه والإفادة بكثير في شأن التوحد في إطار الثقافة على أطيافها المختلفة، وسأكتب عن هذا شعرا أونظرة بأسلوبي الخاص سأقدمه في موسوعة أو هكذا أريد أن أسميها، مبدئيا، موسوعة تحمل طابعي الخاص أوازن فيها بين هذه الشواهد التاريخية المشهودة في المغرب وأيضا ما كتب عنها في الماضي، على أساس تصحيح الوضع لأن هنالك حسب ما وجدته في إطار ما وثق عنها سالفا، أنه ليس هنالك مدارك قوية تثبت أو تنفي، وبالتالي أنا هنا لأجل ذلك، لأعيش بين الشواهد الأثرية، بين أعلام المغرب، يعني أن أعيش في المغرب الحدث التاريخي من خلال ما ألف هنا بالمغرب وما دون بين المشهد المادي والتاريخي.
> هل وجدت صعوبات في التأقلم هنا في المغرب أو صعوبات في البحث عن مراجع وأبحاث في هذا الصدد؟
>لا، أبدا، الشعب المغربي كان حفيا معي لدرجة كبيرة، وأذهلوني بالكثير، هنا لا أشعر بالغربة مطلقا ولا أشعر أني غريبة بل أحس أنني من هذه الديار، وهذا الإحساس كتبت عنه قصيدة، معناه أني لا أحس بأني في مكان غريب عني، أحس أني في وطني الثاني واستقبلت من طرف الجميع بتعاون كبير وبحفاوة أكبر لا يمكنني التعبير عنها صراحة، حتى أني لقيت من الدكتورة بهيجة سيمو مديرة الوثائق الملكية هنا بالمغرب ترحابا كثيرا حيث أمدتني بالوثائق الملكية، التي فيها مطارح تحدد الماهية تحديدا شاملا وكاملا ودقيقا على هذا المنحى، أحس أنا موضوعي سيكون خصب وأنه يتطلب أكثر من أطروحة وأكثر من مجال، لهذا سيكون كتابي عبارة عن فصول، الأول والثاني والثالث.. هكذا مثلا، لأن هذا مدرك تاريخي كبير وزاخر وثري أيضا وغني بالمعطيات والشواهد.
> هناك تاريخ مشترك، وثقافة مشتركة، كيف ترين من منظورك الخاص هذا المشترك بين البلدين وكيف يمكن أن يعطينا غلالا على المستوى الثقافي؟
> هذا المشترك إنما له امتداد كبير جدا عبر التاريخ، ويلمح لي هنا في المغرب أن ثقافة المغرب تختلف عن غيرها من الثقافات، طبعا أنا لي هنا جولات عديدة توقفت فيها على كثير من أوجه الاختلاف. أشير إلى أنني سافرت إلى كثير من البلدان في ميادين مختلفة، لكن اليوم اخترت هذا المنحى وهذا المجال التاريخي من أجل أرشفة وتأريخ مكتبة والدي ومن أجل أن يكون عملي امتدادا لما بدأه، لكن بصورة مختلفة طبعا وبمعطيات مختلفة، وما أريد قوله هو أن تواجدي هنا جاء بعدما رمح لي أن المغرب يعج بثقافة كبيرة وزاخرة، ثرية بتنوعها وتشكلها إلا أنها ممزوجة في إطار واحد تحت طابع واحد أو لها ذات الخلفية يعني نفس الثقافات في محور واحد تتجلى للممعن، وحتى دون إمعان يمكنك أن تكتشف هذا بسهولة. بالنسبة للروابط والأواصر التي تربط بيننا أعتقد أنها تلوح بالكثير وأعتقد أنه سيكون لها امتدادات كبيرة مستقبلا.
>  كشاعرة وباحثة، كيف ترين العلاقات الثقافية بين المغرب وموريتانيا؟
> أرى أنها تطابق بعضها البعض وأرى أنها تذري بعضها بعضا، كما قلت لك هي امتدادات، فلا تكاد تجد فرقا بين الثقافة في المدن الصحراوية المغربية وبين الثقافة في المدن الموريتانية إلا جزئيات بسيطة كتلك التي تكون بين منطقة وأخرى في أي بلد كان، فنحن نشترك في نفس اللبس وفي نفس اللهجة الحسانية والملمح المجتمعي وما إلى ذلك وحتى هنا، فإن قارنت ما بين ثقافتي كموريتانية ومن يقيمون هنا في الرباط لا أجد اختلافا كثيرا، كما تعلم فالثقافة متقاربة.
>  كما نعلم جميعا، فموريتانيا بلد المليون شاعر، ما وضعية الشعر في هذا البلد الشقيق خصوصا أن للشعر حمولته التاريخية ويحاول أن يوصل صوتا وتاريخا مشتركا؟
> دائما أقول أن المعطي، وهذا تعبير أثري، المعطي الموريتاني يحفظ للقصيدة أسسها الصحيحة والسليمة، على أساس ما يعرف الآن بالقصيدة الكلاسيكية أو الشعر العمودي أو ما شابهه، هذه الحيثية لا تختل في موريتانيا أبدا، وتظل أيضا زاهرة، وإنما هناك قالب تجديدي، إذ يمكنك إيجاد بعض الشباب بات يحاول التجديد في ماهية الشعر من باب المبنى، فتجد أن هنالك حركة باتت تفرض نفسها في موريتانيا يطبعها الشعر الحداثي ولكن دون تغيير كبير في ماهيته، لا بد أن يكون هنالك إيقاع ولا بد أن يكون هنالك ذوق يعكس ذلك الإرث الأثري الذي نتمتع به عندنا في موريتانيا، فلغة القصيدة لا تزال لغة قوية وسبكها قوي وحبكتها بديعة ورغم اختلافها عن غيرها، هنالك من ينتحي منحى الشعر العمودي الكلاسيكي ويبقى عليه، ويطوره في نسقه دون أن يختل هذا النسق وهنالك من بات يراعي التجديد أكثر دون أيضا أن ينأى بعيدا عن الطابع الثقافي الموريتاني.
>  أنت كشاعرة، إلى أي مدرسة تنتمين أو تحبذين في نسج شعرك؟
> الكلاسيكية طبعا، أنا لا أكتب إلا الشعر العمودي وإن كان هناك نوع من التطوير أو الإنماء أو الحركية، لا بد أن يكون في كادره القصيدة العمودية، والشعر الحر أتذوقه ولا أكتبه، هذه حقيقة الأمر.
> حاليا في العالم هناك مجموعة من التوترات، كيف للشعر والأدب والفن أن يصلحوا ما أفسدته السياسة وأن يعيدوا للإنسان اعتباره للحياة؟
> بالنسبة للشاعر، أنا أعتقد أنه دائما يتمتع بخلفية زاخرة بكثير من المعطيات وكل شيء يلهمه مهما كانت التحولات السياسية أو التحولات الثقافية ومهما كانت قوالبها والخطوب التي تفرضها السياسة، يظل الشاعر دائما يجد حافزا أو باعثا للكتابة على أي منحى وعلى أي مقصد، وأعتقد أننا قد نواجه، مرحليا وبصفة ما، فترة ضعف لأن الشعر ما عاد كما كان، ما عاد ملفتا للأنظار وما عاد هو أساس لإقبال المتلقي أو الوارد أو ما شابه، لأن الناس أغنتها الظروف الكالحة عن أن تستمع وتتذوق الشعر، لكن أيضا هذا يختلف من جهة لأخرى، لأن الشعر عادة يترجم المعاناة الإنسانية ويترجم الظرف، وبالتالي لا أعتقد أن هنالك من يستغني عنه وأن يجد من يعرب عن معاناته وأن يترجمها ترجمة حقيقية فاصلة كالشعر. أعتقد أننا سنتجاوز مرحلة الضعف هذه لأنه لا غنى ولا مناص عن الشعر.
> هل لك علاقات مع كتاب وشعراء مغاربة؟ وهل تفكرين في أعمال مشتركة في هذا الصدد؟
> لي علاقات واسعة في المغرب، والآن أول مرة أدخل المغرب كمقيمة لأجل هذا العمل، لكن لي علاقات واسعة مع شعراء مغاربة، التقيتهم في مؤتمرات للشعر في الإمارات والعديد من الدول وهي كثيرة، وهم شعراء يتسمون بالعطاء الكبير ويمثلون المغرب تمثيلا رائعا ورائدا، وللأسف لم أتواصل حاليا إلا مع قليل منهم هنا، وحول ما ذكرته حول الشعر الحساني، أقول هناك بيننا كثير من المشتركات في هذا الصدد، منها حركة الأدب الحساني، وهناك أيضا تنسيق بين الشعراء المغاربة وشعراء آخرين من موريتانيا، في أفق أن نعمق أكثر هذه العلاقات.
> حاورها: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top