العنف الرقمي ضد النساء: بين قصور النصوص القانونية وصعوبات الإثبات

يعتبر العنف المبني على النوع الاجتماعي خرقا صارخا لحقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، من شأنه أن يعرقل الجهود المبذولة لبلوغ المساواة بين الجنسين ويحد من مشاركة النساء ويدفع بهن إلى المزيد من العزلة والانطواء، ويكبد المجتمع تكاليف اقتصادية واجتماعية لا حصر لها، مما ينعكس سلبا على إمكانيتهم الإنتاجية وعلى تنزيل ورش خطة التنمية المستدامة. غير أن الواقع المعاش، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة، يرصد لنا تعاظم واستمرار معاناة النساء والفتيات من ظاهرة العنف والتحرش التي انتقلت من الواقع الاجتماعي والفضاءات العامة نحو الفضاءات الافتراضية، لنجد أنفسنا أمام شكل جديد من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، وهو ما يعرف بالعنف الرقمي. الأخير يتم فيه استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال من طرف شخص مجهول أو معروف بالنسبة للضحية لإلحاق الضرر، سواء عاطفيا أو نفسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو جسديا أو غير ذلك، باستعمال الشبكة العنكبوتية ومنصات الوسائط الاجتماعية ورسائل البريد الإلكتروني. يستهدف العنف الرقمي النساء بسبب نوعهن الاجتماعي بشكل غير متناسب، والمغرب شأنه شأن باقي دول العالم والدول العربية شهد انتشار ظاهرة العنف الرقمي بمختلف أنواعها.

يمكن القول إن الانتشار القوي للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ومختلف التطبيقات الإلكترونية شكل بيئة خصبة لتفشي هذا الجرم، لنجد أنفسنا أمام أفعال التحرش والتنمر والعنف اللفظي، وارتفاع وثيرة إنتاج خطابات الكراهية المعادية للنساء وحقوقهن، والابتزاز والتشهير وحملات تشويه السمعة من خلال نشر مغالطات أو صور وفيديوهات تدخل في نطاق حميمية النساء وحياتهن الخاصة، بهدف إلحاق الضرر بهن أو إلى الحد من تواجدهن. ويستمد العنف الرقمي أصوله من الاختلال الاجتماعي في الأدوار بين الرجل والمرأة وتدعمه المفاهيم السلطوية الذكورية المتغلغلة في مجتمعاتنا العربية والتي تنعكس على العالم الرقمي، غير أن عواقبه وأبعاده النفسية والاجتماعية تصل إلى العالم غير الافتراضي.

ولا يختلف اثنان على أن النساء لهن الحق الكامل في الوصول المتساوي إلى المنصات الرقمية دون أدنى عائق، والتي صار الانخراط فيها في ظل تعاظم أدوارها ووظائفها ضرورة حتمية تماشيا مع نمط العيش الحالي الموسوم بالرقمنة، ونظرا للمكاسب الاقتصادية والاجتماعية المختلفة التي يوفرها لهن الفضاء الرقمي، إلا أن المضايقات والانتهاكات تنهال وتكاد لا تتوقف تجاه النساء والفتيات في هذا الفضاء، مما يؤثر على حياتهن الخاصة وصحتهن النفسية والجسدية، الشيء الذي تكون له تبعات عميقة وأشد فتكا على مسارهم الاجتماعي والعلمي والتعليمي.

بحيث أن الكثير من الفتيات اضطررن لمغادرة فصولهن الدراسية أو وظائفهن بعد أن قام أحدهم بالتشهير بهن ونشر صور أو شرائط فيديو تمس حياتهن الخاصة، كما تعاني أخريات من ويلات الابتزاز بمقابل مادي أو بالإكراه على ممارسة العلاقات الجنسية حتى لا يقوم أحد المقربين أو من كانت لها به علاقة سابقة بنشر صور أو مقاطع فيديو خاصة. في سياق متصل، يسلك المتحرشون طرقا أخرى للإيقاع بالضحايا انطلاقا من قرصنة الحسابات، الولوج إلى المعطيات والبيانات المعلوماتية ذات الطابع الشخصي، بالتالي الاستيلاء على الصور الخاصة ثم استخدمها للابتزاز والتشهير وتشويه السمعة، ناهيك عن فبركة المعطيات الخاصة والتلاعب بها وفق ما يخدم مصالحهم للتأثير على الشخصية المقصودة بالشكل المرغوب فيه لخدمة مصالح جهات معينة.

كما تواجه العديد من المراهقات مخاطر التعرض للعنف الرقمي بشكل أكبر باعتبارهن أقل الفئات وعيا بمخاطر المنصات الرقمية وكيفية التعامل معها، وفريسة سهلة لاصطياد والاستقطاب، وهو ما تؤكده التقارير الصحفية اليومية، حيث أن الفتيات المراهقات يكن أكثر إقبالا واستعمالا لوسائل التواصل ومنصات التعارف، وفي حال استدراجهن لإرسال صور معينة أو مقاطع فيديو خاصة يصبحن أمام مجموعة من المضايقات والابتزازات الصادرة سواء من شخص مجهول يتوارى خلف شخصية افتراضية وهمية، أو من شخص كانت تجمعهن به صداقة أو علاقة غرامية، ما يكون له أثرا بليغا على نفسيتهم قد يصل حد الانعزال والانطواء والاكتئاب المؤدي في الكثير من الأحيان إلى العزلة الاجتماعية والانسحاب من الحياة العامة وصولا إلى الانتحار، في ظل غياب الوعي الكافي لدى المراهقات للتعامل مع هذه التهديدات والخوف من الإفصاح عنها، حيث تختار العديد من الفتيات المراهقات الانصياع والخضوع للتهديدات والاستغلال الجنسي في الكثير من الأحيان بدل تبليغ الأهل أو الجهات الأمنية المختصة، تخوفا من العواقب المحتملة.    

لا يمكننا إغفال العنف الرقمي الذي تواجهه بشكل خاص الناشطات الحقوقيات السياسيات والصحفيات المدافعات على قضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، حيث يواجهن مجموعة من المضايقات نتيجة مواقفهن وآرائهن المدافعة والمناصرة للمرأة وحقوق الإنسان بشكل عام، إذ يواجهن السب والقذف والتشهير ونشر محتويات مضللة حول مواقفهن تجاه قضايا سياسية أو اجتماعية بهدف إلحاق الأذى النفسي والجسدي، إلى جانب نشر خطابات الكراهية المحرضة والتعليقات المسيئة والمساس بحياتهن الخاصة، والاستيلاء على بيناتهن الشخصية ونشر صور ومعطيات خاصة بغرض التشهير وتشويه السمعة، وصولا إلى التهديد بالاختطاف والتعذيب والاغتصاب والقتل، مما يؤثر سلبا على أدائهن المهني وفعاليتهن وحضورهن في ظل غياب الضمانات والنصوص القانونية الكافية للحد من هذا النوع من الجرائم الإلكترونية ناهيك عن الثغرات القانونية التي تحول دون إقرار الحماية الشاملة لهذه الفئات.

أشكال العنف

يتخذ العنف الرقمي المسلط على النساء أشكال مختلفة لا حصر لها في ظل تعدد خصائص ومقومات المنصات الرقمية، مما يشكل إزعاجا ورعبا حقيقيا لمعظم النساء ويدفعهن في أغلب الأحيان للصمت وكثم جراحهن. هذا النوع من العنف تحديدا لديه قدرة كبيرة على التطوير من آلياته باستمرار نتيجة طبيعته الديناميكية. من أبرز أشكاله نجد المضايقات والتنمر والتعليقات المسيئة ذات البعد الجنسي، إرسال مقاطع إباحية، التشهير وتشويه السمعة، المساس بالحياة الخاصة، إلحاق الضرر النفسي، التهديد بالضرب والجرح الاغتصاب والقتل أو الاختطاف، وكذا إنتاج ونشر خطابات تمس بالغير أو تدعو للتكفير أو التصفية الجسدية، فضلا عن  التحكم الإلكتروني والمراقبة والتعقب السيبراني والتجسس وسرقة المعطيات والهوية والتحكم السيبراني، الانتقام الاباحي، الابتزاز، وصولا إلى الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي، الترويج لخطابات الكراهية والتحريض على انتهاك أمن وسلامة النساء، السب والقذف الإلكتروني العلني وغير العلني، إلى جانب التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع صور لأشخاص أثناء تواجدهم في أماكن خاصة دون موافقة مسبقة، وتوزيع تسجيلات أو بث عبر الإنترنيت لمحادثات ومعلومات صادرة بشكل سري دون موافقة أصحابها، وكذا بث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، عبر الأنظمة المعلوماتية دون موافقته، أو بث أو توزيع ادعاءات ووقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.

أرقام رسمية

تفيد نتائج البحث الوطني الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط سنة  2019 أن 13.8 في المائة، أي ما يقارب 1.5 مليون امرأة وفتاة يقعن ضحايا العنف الإلكتروني، عبر الرسائل النصية القصيرة والمكالمات الهاتفية والبريد الإلكتروني، مبرزة أن هذه الأرقام في ارتفاع مستمر، كما سجلت المندوبية أن حدة العنف الرقمي تكثر في صفوف الفتيات الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و24 سنة وذلك بنسبة 24 في المائة، في حين يبلغ العنف الرقمي في صفوف الفتيات ذوات المستويات التعليمية العالية بنسبة 25.4 في المائة، و30.1 في المائة في صفوف العازبات.

في حين كشفت نتائج مسح أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان سنة 2021، أن النساء اللواتي يتوفرن على إمكانية الولوج للانترنيت تعرضن للعنف بنسبة 85 في المائة، مقابل تعرض 65 في المائة من النساء للتنمر والتشهير، و35 في المائة من النساء تعرضن له شخصيا.

تبعات العنف الرقمي على النساء

للعنف الرقمي مجموعة من الآثار النفسية والمعنوية الوخيمة التي ترغم النساء في الكثير من الأحيان على الانعزال التام والابتعاد عن مشاركة الحياة العامة في الفضاءات العمومية والافتراضية، قد ينتج عن هذا الفعل أضرارا اقتصادية واجتماعية تطال هذه الفئات، فعندما يتم نشر صور تخص إحدى النساء أو مقاطع مصورة ذات طابع جنسي على المنصات الرقمية ومحركات البحث، يصبح من الصعب على هذه الضحية إيجاد فرصة عمل والاندماج في سوق الشغل مجددا، كما أن هذا النوع من التشهير قد يكلفها خسارة محيطها الاجتماعي نتيجة نظرة المجتمع النمطية وسلطته المطلقة على المرأة، حيث تتحول هذه الأخيرة في منظور المجتمع من ضحية إلى متهمة تواجه النظرة الدونية واللوم وحدها، ما يسبب لها معاناة وآلام مضاعفة، فضلا عن تراجع ثقتها بنفسها وقدرتها على الظهور والمواجهة والبحث على فرص وإمكانيات جديدة مما يكلف المجتمع خسارة طاقة فاعلة ومنتجة قادرة على العطاء في مختلف المجالات والميادين.

من تبعات العنف الرقمي كذلك، نجد أن الفتيات والنساء اللواتي تعرضن لهذا الانتهاك يصبحن أكثر خوفا وانعداما للرغبة في الاندماج في الحياة العامة والمنصات التواصلية، إذ تسيطر عليهن مخاوف التعرض لحالات عنف رقمي أخرى في حال ولوجهن الفضاء الرقمي مرة أخرى، وهو ما يحد من مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في استعمال العالم الرقمي، كما أن تأثير الصدمة لا ينتهي بشكل كلي، فقد تعيش الكثير من النساء أمام تبعات الجرم المقترف في حقهن باسترجاعهن المتواصل لشريط الذكريات المتعلق بتلك الحادثة مما يعمق جراحهن ويصعب مهمة النسيان والتجاوز.

النصوص القانونية

تضمن القانون 103.13 الصادر والمتعلق بمحاربة العنف ضد النساء مقتضيات تعاقب على التحرش الجنسي في الفضاءات العمومية، ويروم هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ في 13 شتنبر 2018 إلى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف الرقمي، من خلال أربعة أبعاد، تتمثل في ضمان الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقبات والتكفل الجيد بالضحايا، وذلك وفقا لما جاء في المادة 447.1 التي وضعت تعريفا للعنف الرقمي وأقرت تجريم المساس بالحياة الخاصة، وحددت عقوبات تتراوح من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات وغرامة مالية من 2.000 إلى 20.000 درهم لكل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال صادرة بشكل خاص، أو سري دون موافقة أصحابها، ويعاقب بنفس العقوبة من قام عمدا، بأي وسيلة بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صور شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته.

ليأتي الفصل 447.2 ويعاقب بـ”الحبس من سنة واحدة إلى ثلاثة سنوات وغرامة مالية من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك أنظمة المعلومات، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع وقائع كاذبة، بقصد المساس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم”.

في حين نص “الفصل 447.3 على عقوبة حبسية تتراوح من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم، إذا ارتكبت الأفعال المنصوص عليها في الفصلين 447.1 و447.2 في حالة العود وفي حالة ارتكاب الجريمة من طرف الزوج أو الطليق أو الخاطب أو أحد الأصول أو الكافل أو شخص له ولاية وسلطة أو مكلفا برعايتها أو ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد قاصر”.

وبالرجوع إلى الفصل 503.1، نجد أن المشرع أقر عقوبة حبسية من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير وارتكاب فعل التحرش الجنسي في الفضاءات العمومية وغيرها بمختلف الوسائل لأغراض جنسية، وتضاعف العقوبة في حال كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية وغيرها.

عوائق التبليغ

العديد من النساء والفتيات اللواتي تعرضن للعنف والتحرش الرقمي لا يقدمن على التبليغ، وذلك راجع لغياب الوعي الكافي بالمساطر القانونية والجنائية التي تحمي النساء من هذه الممارسات، وضعف ثقتهن بالتشريعات القانونية وقدرتها على إنصافهن، والخوف من مواجهة المجتمع والمحيط العائلي خوفا من إلقاء اللوم عليهن أو التعرض للتعنيف من طرف الأهل في بعض الحالات، ولاجتناب النعوت وتلويث السمعة في مجتمع يمارس سلطة مطلقة على أجساد النساء ويتفنن في أداء وظيفة الجلاد في حقهن، وتحميلهن مسؤولية أي اعتداء أو تحرش طالهن في الفضاءات العامة والافتراضية، حيث يجدن أنفسهم أمام مجموعة من الهجمات والاتهامات الغير منطقية. هذا الأمر يجعلهن يفضلن الصمت ويفقدن الرغبة في التصريح بما يتعرضن له من مختلف أنواع العنف والتحرش، في ظل غياب الوعي المجتمعي الكافي تجاه مخاطر هذه الآفة وانعدام النصوص القانونية الكافية الرادعة لهذا الفعل الإجرامي.   

 وتختار النساء عدم التبليغ تحسبا لملاحقة الجاني، وحتى لا ينتقم مرة أخرى بنشر صور جديدة ومعطيات أخرى خاصة. ويعد الخوف من الملاحقة القضائية من أكثر عوائق التبليغ التي تحول دون تقدم الضحية بشكاية لدى المصالح الأمنية، خاصة أن الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي يجرم العلاقات الجنسية الرضائية بين غير المتزوجين وقد تصل عقوباتها إلى عام من السجن.

فضلا عن إبقاء مهمة إثبات فعل التحرش على عاتق النساء في حال مباشرتهن للمساطر القانونية، وهو ما يكون صعبا على الضحية في الكثير من الأحيان جراء سهولة اندثار المحادثات وأدلة الإثبات على منصات التواصل الاجتماعي وقيام المعتدي بتجميد حسابه ورقمه لتفادي الوصول إليه، خاصة أن المشرع يطالب في هذه الحالات بدليل مادي ملموس، ناهيك عن تحديده في الفصل 503.1 العناصر المشكلة لهذا النوع من الجريمة، وهو ما ينبغي تداركه من طرف الجهات الأمنية وتقديمها للمزيد من الضمانات التي تروم مساعدة الضحية على إثبات فعل العنف الرقمي بمختلف أشكاله لاتخاذ التدابير اللازمة في حق مرتكبيه.

 غير أن جنوح النساء إلى عدم الإبلاغ والإفصاح عن العنف الرقمي المسلط عليهن يصعب من إمكانية رصد حجم بشاعة انتشار الظاهرة، والأرقام الحقيقية للعنف الرقمي ضد النساء والفتيات على حد سواء.

القانون غير كاف

لا تزال القوانين المغربية التي تروم مناهضة العنف الرقمي ضد النساء قاصرة عن أدائها كل المهام المنوطة بها، وذلك راجع للغموض والاضطراب المفاهيمي حيث استعان المشرع بمجموعة من المصطلحات والمفاهيم الجنائية غير الواضحة والتي تفتقر إلى الدقة، كما أن القانون رقم 103.13 يشمل العديد من الثغرات ومواطن الضعف والنواقص، أبرزها أنه لا يتوفر على أي إشارة صريحة أو حكم مستقل يدين فعل التهديد والابتزاز عبر الإنترنيت والشبكات الاجتماعية، والتجسس والتتبع الجغرافي باستعمال برامج دقيقة.

 كما أن جرم انتحال صفة بغرض التشويه وتلويث سمعة الغير على منصات التواصل غير مشمولة في القانون الجنائي، رغم أنه يمثل ظاهرة تعاني منها الكثير من النساء اللواتي يتعرضن للقرصنة والاستيلاء على صورهن الشخصية بغرض إنشاء حسابات وهمية بطابع جنسي لابتزازهم أو لاستغلالهم في النصب على آخرين، كما أن تطبيق القواعد الجنائية على هذه الجرائم يتسم بالصعوبة لكون رجال القضاء يجدون أنفسهم أمام انتهاك مستجد وغير مجرم، ما يدفعهم إلى اللجوء لقياس الفعل المجرم مع فعل مماثل له نسبيا غير مجرم.

كما أن النصوص القانونية، حينما وضعت تعريفا للعنف، ربطته بضرورة توفر الركن المادي للضرر الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الاقتصادي للنساء، مما يبقي كل أشكال العنف المرتكب دون رصد ضرر مادي غير مجرمة.

الوقاية والتوعية

ينبغي إشراك القطاعات الحكومية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام العامة والخاصة والجمعيات الحقوقية في محاربة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، وانخراطهم في حملات تحسيسية توعوية. تروم التحسيس وزيادة الوعي بمخاطر العنف الرقمي وطرق مكافحته والحد من انتشار هذا النوع من العنف، وكذلك تشجيع السلطات المختصة والمتمثلة في وزارة الداخلية ووزارة الصحة والمديرية العامة للأمن الوطني على القيام بحملات توعوية في مختلف ربوع المملكة، ومطالبة الجهات المسؤولة بوضع استراتيجية شاملة للحد من العنف الرقمي، ورصد تفعيلها على أرض الواقع.

كما تحتاج مكافحة هذا النوع من العنف إلى صياغة نصوص قانونية جديدة أكثر صرامة تعالج جريمة العنف الرقمي، خاصة فيما يتعلق بتحديد مفهومه ومظاهره ووسائل إثباته، إلى جانب تبسيط المساطر القانونية للتشجيع على التبليغ بشكل يحفظ كرامة وخصوصية النساء، وتخصيص خط الاستماع مجاني وسري لتشجيع النساء على التبليغ وإنشاء منصة رقمية خاصة بهن للتبليغ عن تعرضهن للعنف الرقمي مع تقديم النصائح والضمانات الكافية لحمايتهم.  

فضلا عن توفير التكوين الكافي لعناصر الأمن وهيئة القضاة في مجال العنف الرقمي لتمكينهم من التعرف بشكل دقيق على الشبكات الاجتماعية وفهم العالم الرقمي، وإنشاء مجموعة من الخلايا المختصة داخل مراكز الشرطة والدرك مكونة للتعامل والتجاوب مع حالات العنف الرقمي، وتوفير آليات المتابعة الصحية والنفسية لضحايا العنف الرقمي.

مكافحة العنف الرقمي الذي يطال النساء تستوجب أيضا الالتزام بالسحب الفوري لكل الصور والمنشورات المسيئة لضحايا العنف الرقمي المبني على النوع الاجتماعي في كل الأنظمة المعلوماتية، والتي تمس حياتهم الخاصة وتلحق الضرر النفسي وآثار اجتماعية واقتصادية وعلى مستوى الصحة النفسية.

سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، صرحت أن العنف الرقمي بمختلف أشكاله يعد جريمة بشعة يعاقب عليها القانون رقم 103.13، مشددة على أن الترسانة القانونية لا تزال قاصرة عن توفير الحماية الشاملة والكاملة للنساء والفتيات في الفضاءات الرقمية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن القانون السالف الذكر تجاهل تضمين مجموعة من الأفعال الإجرامية والعقوبات اللازمة لهذه الأفعال في القانون الجنائي وهو ما يتعين تداركه في التعديلات المقبلة.

مضيفة أن القانون 103.13 تتخلله ثغرات لا حصر لها تعسر على السيدات مهمة التبليغ، لكونه يبقي مهمة إثبات فعل العنف والتحرش الرقمي على عاتق النساء والفتيات ويحملهن مهمة تقديم أدلة مادية مقبولة من طرف السلطات القضائية، وهو الشيء الذي تكون النساء في كثير من الأحيان غير قادرات على إثباته، نظرا لسهولة اندثار الرسائل والتعليقات المسيئة في منصات محكومة بالتحديث المستمر، كما سجلت المتحدثة أن الكثير من النساء لا تلجأن إلى التبليغ والإفصاح في حال التعرض للعنف الرقمي، جراء عدم وعيهن بالقوانين أو خوفا من نظرة المجتمع والمحيط العائلي، أو تجنبا في كثير من الحالات للمتابعة القضائية في حال تعرضهن للتهديد والابتزاز بنشر شريط فيديو يوثق لعلاقة حميمية، لكون القانون المغربي يجرم العلاقة الرضائية بين البالغين غير المتزوجين، مما يجعل الضحية أمام ابتزاز طويل الأمد من الناحية المادية أو لاستغلالها جنسيا بشكل متكرر، والاتجار بها في انتهاك سافر لحقوق الإنسان ولكل المواثيق الدولية.    

وأبرزت المتحدثة أن للعنف الرقمي آثار نفسية وجسدية واقتصادية وخيمة تحد من حضور النساء وفعاليتهن، وتبعدهن عن الحياة العامة وصولا إلى إقدام بعضهن على الانتحار ووضع حد لحياتهن في حال عدم تمكينهم من المتابعة النفسية اللازمة، مؤكدة أنه من الضروري عدم تبخيس أضرار ومخاطر العنف الرقمي من منظور السلطات والجهات الحكومية المختصة وسائل الإعلام، والاستمرار في التوعية والتعريف بكيفية التعامل مع الفضاء الرقمي وتهديداته.

كما دعت سميرة موحيا إلى إلزامية وضع قانون إطار بمعايير دولية يكفل الحماية الفعلية للنساء من كل أشكال العنف الرقمي، يقوم على الوقاية والحماية والتعويض وجبر الضرر وعدم الإفلات من العقاب، وضرورة تظافر جهود مختلف الفاعلين لتمكين النساء من المزيد من الضمانات والحماية والمساواة في العالم الرقمي.

يسرى هتافي

Related posts

Top