الكاتب المغربي فؤاد العروي.. ساخرا

ينوع الكاتب المغربي فؤاد العروي في كتاباته؛ فإلى جانب كونه روائيا وقصاصا أصيلا وباحثا أكاديميا، نجده حريصا على تخصيص حيز من وقته لكتابة نصوص ذات طابع نقدي، نقد المجتمع ومشاكل الهجرة والعادات والعلائق الإنسانية بوجه عام.
هذا الكاتب المقيم بالمهجر، وتحديدا بهولاندا، الذي اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن آرائه وما يختلج في وجدانه والذي حظيت إنتاجاته الأدبية بالتتويج في محافل دولية، على سبيل الذكر: «القضية الغريبة لسروال الداسوكين» الفائزة بجائزة الغونكور للقصة القصيرة.. ظل محافظا على روحه الخفيفة حتى وهو يكتب نصوصا ذات طابع جدي، كما أنه لم يضح بالبعد الجمالي والإبداعي لهذه النصوص، رغم منحاها التقريري.

الحلقة 23

يا له من تبذير

يظهر أن المغرب يدخل في خانة البلدان التي تبذر الكثير من الطعام.
أظهروا لنا رسومات بيانية، وأرقاما (حذار من ابتلاعها، ستكون شكلا آخر من أشكال التبذير..)، أظهروا لنا العديد من الجداول الملونة.
يكفي التفكير قليلا للانتباه إلى أن هناك مشكلا حقيقيا في ما يتعلق بمنهجية هذه الدراسات.
أكيد، شيء صادم أن يتم رفع غطاء قمامة واكتشاف مواد غذائية قابلة تماما للاستهلاك، أحيانا تكون لا تزال ملفوفة في علبتها الأصلية.
نعم، هذا صادم.
عندما كنت صغيرا، كان أحد أساتذتنا قد قال لنا في الفصل الدراسي إن محتوى القمامات في نيويورك يمكن له أن يطعم الهند بكاملها.
لا شك أن هذا القول كان مبالغا فيه، لكن ليس هناك وسيلة لبصم ذاكرة الطفولة سوى مبالغة من ذلك القبيل. اليوم كذلك، عندما أرى الرئيس الأمريكي ترامب على شاشة التلفزة، أفكر في القرية الهندية وما يمكن أن تحتويه قمامتها الضخمة.
إذن، أكيد كل ذلك صادم، لكن هناك خطأ منهجي في هذه الحكاية.
لنفهم أكثر (أرى أنه ينبغي علينا أن نكون تربويين حين النشر على شبكة الأنترنيت بالنظر إلى العدد الهائل من القراء المتأهبين للقيام بحملة إعلامية لمجرد حدوث سوء فهم لما يريد الكاتب قوله..).
لنأخذ كمثال:
رجل عادي، عربة نقل السلع بالسوق الممتاز التي تتضمن مقتنياته، كما هو حال قمامة. جزء من المقتنيات تنتهي في بطن السيد، الباقي يكون مآله القمامة. وعلماؤنا يعتبرون هذا الجزء الأخير تبذيرا.
لماذا؟ لماذا يتم اعتبار هذا الجزء الأخير كذلك؟
لنفترض أن السيد الذي يتصف بالنهم، كان قد افترس من قبل دجاجتين في وجبة الفطور. عند الشبع، يلقي بالدجاجة الثالثة، التي يتم وضعها لوحدها في الجزء المحسوب على التبذير.
لكن ألا تعد الدجاجة الثانية هي الأخرى تبذيرا؟ وحتى الأولى خصوصا إذا كان شرهنا قد التهم كذلك كيلو من البطاطس المقلية؟
إن التبذير الحقيقي، ليس فقط هو ما يلقى في القمامة، لكن كذلك ما يلقى في بطوننا دون أن يكون له ما يفعله هناك.
هذه المنهجية يعتريها كذلك خطأ آخر:
إنها تعتبر أنه ليس هناك ما هو جدير بالاعتبار غير البشر.
في حين أن الجزء الملقى في القمامة ينتهي في بطن القطط الضالة العزيزة علينا.
من منظور القطط، ليس هناك أي تبذير، كذلك من منظور الفئران (معذرة إذا كنتم على مائدة الطعام).
وإذا قمنا بالحكم على كل ذلك بحساب ما تريده البكتيرات التي تعيد تحويل فضلاتنا، إذن لا شيء من ذلك تم تبذيره، لا في المغرب ولا في أي مكان آخر.
باختصار، كل شيء محسوب على التبذير ولا شيء محسوب على التبذير.
شيء مثير، أليس كذلك؟

> ترجمة: عبد العالي بركات

Top