برنامج التنمية الجهوية والإكراهات الهيكلية والآمال والتحديات

قال عبد اللطيف أعمو إن العوائق المرتبطة بإشكاليات التنمية الجهوية تجعل التحديات المرفوعة أمام مطلب التنمية بجهة سوس ماسة ما تزال قائمة، ومرتبطة أساسا بمرتكزات الاقتصاد الجهوي الأساسية، ورافعاتها الثلاثة المتمثلة في القطاعات ذات الأولوية (الفلاحة – السياحة – الصيد البحري).
وأكد أعمو في مداخلة له باسم مجموعة التقدم والاشتراكية، يوم 3 يوليوز الماضي، خلال اجتماع مجلس جهة سوس – ماسة في إطار دورته العادية، بمناسبة تداوله ومصادقته على المخطط الجهوي للتنمية، (أكد) أن هذه القطاعات الثلاثة الرئيسية، تبدو عليها علامات الضعف بجلاء، بسبب ضيق أفق التطوير وتحسين المردود الذي تعاني منه هذه القطاعات، على مر العقود الأخيرة. وفيما يلي النص المداخلة:

إن العوائق المرتبطة بإشكاليات التنمية الجهوية تجعل التحديات المرفوعة أمام مطلب التنمية بجهة سوس ماسة ما تزال قائمة، ومرتبطة أساسا بمرتكزات الاقتصاد الجهوي الأساسية، ورافعاتها الثلاثة المتمثلة في القطاعات ذات الأولوية (الفلاحة – السياحة – الصيد البحري).
فهذه القطاعات الرئيسية، تبدو عليها علامات الضعف بجلاء، بسبب ضيق أفق التطوير وتحسين المردود الذي تعاني منه هذه القطاعات، على مر العقود الأخيرة:
– فالفلاحة تواجه شبح شح المياه وضعف الموارد المائية وتقلص المساحات المزروعة المستغلة، وينتظرها بحزم رفع رهان الالتزام الجاد والمسؤول بخلق أنشطة ذات قيمة مضافة عالية وذات قدرة تنافسية وتتلائم مع التحديات المناخية ومع متطلبات الأسواق المستقبلة لها. كما تعاني من عجز في تحقيق عدالة فلاحية، من خلال خلق وتنمية الطبقة الوسطى في الأوساط الفلاحية، والتي وحدها هي القادرة على إدماج العالم الفلاحي القروي في مشروع التنمية.
– أما السياحة من جهتها، فهي تعاني من ترهل وضعف مزمن في قدرتها التنافسية، وقد تفقد على المدى المتوسط والبعيد، مرتبتها كثاني قطب سياحي وطني، إذا لم تبادر إلى تجديد رؤيتها وتعيد التفكير في ماهية الوجهة السياحية الجهوية، وتراهن على دمج مختلف المنتوجات الثقافية والتراثية الجهوية، المادية منها وغير المادية والطبيعية، في تكامل متوازن يضمن تصميم منتوج جهوي متكامل ومنفرد، وما يتطلب ذلك من إعادة هيكلة القطاع بشكل جذري.
– أما الصيد البحري، فهو يواجه من جهته مخاطر التدبير المستدام لاستغلال الموارد، بالإضافة إلى إعادة تمركز موانئ الصيد الواقعة جنوبًا، مع بروز فرص متاحة للاستثمار في قطاع تربية الأحياء البحرية، لكن الرهانات البيئية المرتبطة بهذا المجال تستحق المراقبة اليقظة، وتحريره من القبضة الحديدية التي يعاني منها، والتي حولته إلى قطاع ريعي.
وفي خضم هذا المد والجزر، فطن القائمون على جهة سوس ماسة، أثناء إعداد مخطط التنمية الخاص بولايتهم (2015 – 2021)، إلى الحاجة إلى بذل مجهود مضاعف لتحقيق التوازن بين الموارد الطبيعية والمؤهلات التي تتوفر عليها الجهة، والتي تكاد تكون في بعض الأحيان فقيرة وهزيلة، بسبب عدد من الاختلالات والعوائق التي تعرقل مسار التنمية.
فبذلوا جهدا كبيرا، واستطاعوا – رغم تداعيات جائحة كورونا – أن يحققوا ما يوازي 60% من توقعاتهم من مخطط التنمية القائم.
إلا أنه مع ذلك، فالعقبات والعوائق المرتبطة بالمسار التنموي للجهة ما زالت قائمة، رغم التغيير الجذري الحاصل في الأشخاص، ورغم وفرة عدد من الوثائق ذات الطابع المرجعي، انطلاقا من النموذج التنموي الجديد وميثاق الاستثمار والتصميم الجهوي لإعداد التراب (S.R.A.T) والمخططات الاستراتيجية القطاعية المختلفة …، والتي ما زالت في جلها في بدايتها، فإن العوائق ذات الطابع البنيوي ما زالت تنزل بثقلها، وخصوصا ما يتعلق بمرتكزات الاقتصاد الجهوي التي تنقصها العدالة في الإنتاج والتوزيع والمشاركة والمردودية والفعالية، وكذلك العراقيل المرتبطة بعصرنة القطاع الصناعي الجهوي والعوائق المرتبطة بالتدبير المجالي، والأخرى المرتبطة بالتخطيط الجهوي، انطلاقا من تحويل منطقة أكادير إلى قطب اقتصادي جهوي، كدعامة أساسية لبناء الاقتصاد الوطني، باعتبار موقع مدينة أكادير ومحيطها، بجانب العوائق المرتبطة بتدبير إشكالية التكوين والتشغيل والحكامة المجالية والإدارية والقطاعية.
ولعل ما يميز الظرفية التي تم خلالها إعداد المخطط الجديد للتنمية الجهوية لسوس – ماسة (2021 – 2026)، هو:

قوة المخطط انطلاقا من المنهجية الجديدة، المرتكزة على:
-1- فهم القائمين على جهة سوس ماسة، طبيعة ساكنة المنطقة، وتثمين الجوانب الإيجابية، بخلق دينامية أكبر وأوسع للتنمية البشرية،
-2- استفادة المخطط الحالي من الدينامية الجديدة للجهة، خصوصا في ظل الجهوية المتقدمة، التي مكنت المجالس الجهوية من اختصاصات جديدة وموسعة، يوازيها نوع من الحرية في تقدير وتفعيل الميزانية. وهذا شيء إيجابي، استفادت منه جهة سوس – ماسة.
-3- قدرة القائمين على الجهة على تقدير ما يحمله المشروع التنموي الجهوي من مخاطر وعواقب، جراء تعاقب سنوات الجائحة، التي دامت ثلاث سنوات، استهلكت منها سنة كاملة في الولاية الحالية، وسنتين من الولاية السابقة.
-4- تهييئ المخطط من طرف تقنيين وجهاز فني، سبق لهم أن هيئوا المخططات السابقة، واستخلصوا منها دروسا وعبرا، مكنتهم من إعادة التقييم، وفهم أن هناك خللا في المنهج، فغيروا طريقة التحليل، وحينوا المعطيات بشكل دقيق، ووظفوا أدوات فيها كثير من الابتكار، واستخدموا طرقا مبتكرة جديدة في مجال إعداد المخططات وتقديمها. مما أعطى لمشروع البرنامج الجهوي رونقا وحركية مقبولة ومفهومة لدى الجميع.
-5- المواكبة المستمرة من طرف رئيس الجهة، والتي تكاد تكون يومية، فتكونت لديه فكرة مقاولاتية، حاول تكريسها وإدماجها ضمن متطلبات تدبير الشأن العام الجهوي. مما عزز المواكبة الدقيقة والمستمرة للمشروع على مدار مراحل التقديم والتشخيص وتحديد الرؤية والمحاور الاستراتيجية للبرنامج.
كل هذه الأسباب والسمات التي اجتمعت في هذه الوثيقة، جعلت الجهة تطمح إلى الاشتغال اليوم على أقطاب وموارد إضافية (الاقتصاد الأزرق – القطاع الرقمي – الاقتصاد الاجتماعي والتضامني – …) تتعدى القطاعات التقليدية (الفلاحة – الصيد البحري – السياحة) وتجعل الجهة تتحدث اليوم لغة جديدة في تحديد تموقع الجهة ضمن التطورات التي يعرفها العالم.
ويبقى أن جميع الشروط وحظوظ النجاح متوفرة، إذا توفرت إرادة التحقيق كاملة، لأن في ذلك مكسب كبير للجهة في مسار تموقعها ضمن أهم جهات المملكة، وأكثرها حيوية وطموحا.

* * * * * * *
المخطط الجهوي، الذي نحن بصدد المصادقة والتصويت عليه، كان وليد منهجية تشاركية، قد تبدو للبعض فعالة، ولغيرهم ناقصة، لكنها عموما تميزت باستخلاص العبر من تجربة المجلس السابق، والانتباه لما ورد في الانتاجات المكتوبة العديدة من آراء مهتمين وفاعلين ومن تقارير جمعوية وصحفية وغيرها …، لتسترشد بها في تصحيح المسار، وفي الانتباه للملاحظات الوجيهة. وهذا في حد ذاته إيجابي. كما توقف المخطط عند التحولات الحاصلة منذ سنة 2010، عندما كانت جهة سوس ماسة درعة تمتاز بكونها في المرتبة الثانية وطنيا بعد جهة الدار البيضاء.
في منظورنا، تبقى الرهانات التنموية مرتبطة أساسا برهانات اجتماعية ثلاثية الأبعاد: التعليم – الصحة – التشغيل.
فالرهان التنموي الجهوي هو رهان تربوي وتكويني كمي ونوعي في المقام الأول. فإشكالية الأمية ترخي بظلالها على نسبة كبيرة من ساكنة الجهة. والانتباه إلى العنصر البشري المميز للجهة، والذي يحمل مواصفات خاصة، بامتيازه بروح المبادرة والمغامرة والحيوية والقدرة على الابتكار والادخار وخلق الثروة، بشكل فطري وخارج التغطية التربوية والتأطيرية والتكوينية… لضمان الاستفادة من المعرفة المنظمة والمهيكلة ومن التكوين المستمر والرفع من القدرات التنافسية.
فالأولوية، في منظورنا، تبقى مرتبطة بتقوية الذات وبناءها بناء متينا، وتقوية القدرات، لتأكيد الثقة في النفس، وجعل المواطن يتحلى بقيمة المواطنة، ويلمسها في حياته اليومية.
وهو رهان يتعدى المستوى الجهوي، لأنه يلامس المستوى السياسي. وهذا الجانب مغيب في الوثيقة، لارتباطه أساسا بالممارسة الديمقراطية، وببناء نظام لامركزي في ظل الجهوية المتقدمة.
ولا يمكن، في نظرنا، تحقيق التنمية البشرية، بدون تحسين مؤشرات قطاع التربية والتكوين، وحسن توظيفه في خدمة التنمية الجهوية بشكل خاص.
فمن المتوقع أن يصل معدل النمو السكاني على مستوى جهة سوس ماسة نسبة 18٪ ما بين 2014 و2030. وهذا النمو السريع سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الفئة العمرية التي تقل عن 25 سنة (+ 55 ٪). وهو ما سيكون له تأثير اجتماعي أكيد، خاصة في مجال التشغيل والتعليم.
وفي هذا الجانب قصور حاد يجب الانتباه إليه بشكل خاص. فالجهة تعاني من تدهور في مستوى التأطير والإشراف المدرسي، والتي تتمثل بشكل خاص في المؤشرات الصادمة والمقلقة حول الأقسام المكتظة بسلك التعليم الابتدائي، إضافة إلى الاكتظاظ بالجامعة.
كما يشكل قطاع الصحة، كحمولة اجتماعية محورية، امتحانا حقيقيا للمخطط الجهوي، خصوصا أمام رهانات التزايد الديمغرافي المطرد، في مواجهة الضغط المتزايد على المراكز الاستشفائية، وقلة الأطر الطبية وذوي الاختصاص …
كما يجدر الانتباه إلى الشغل المنظم وإبداع سبل لإخراج الناس، وخصوصا فئة الشباب والنساء، وامتصاص البطالة، بالانتقال من الشغل المنتج إلى الشغل المهيكل، والضامن للاستدامة وللكرامة، وضمان الحقوق، لأن الرغبة في المخاطرة بالهجرة السرية، نابع من عدم ملائمة العرض في مجال التشغيل لطموحات وآمال الشباب الباحث عن الشغل، مع الالتزام المؤسساتي بوضع تصور دقيق لمهن المستقبل، وحاجيات الجهة منها، على مستوى التكوين والتأهيل.
فالرهانات، رهانات اجتماعية بامتياز، في المقام الأول. ولسنا ضد جعل الرهانات الاقتصادية مدخلا أساسيا للتنمية الجهوية، لكن، أولوياتنا واضحة وصريحة في هذا المجال.
ولو أن الرهان الاقتصادي قائم، إلا أن البحث عن الفعالية الاقتصادية، بدون ضمان وعاء اجتماعي قوي، ومرتكز على ثلاثية (التربية والصحة والتشغيل) لا يمكن أن يستقر بثبات وثقة في المستقبل.
وعلى الجهة أن تبادر إلى هيكلة تنميتها الاجتماعية والاقتصادية وفق مقاربة مندمجة عادلة ومتناغمة تشمل كاَفة مجالها الجغرافي والترابي.
ونحن نحيي بالمناسبة، توسيع الاهتمام إلى مجالات أخرى، خارج الرهانات الاقتصادية التقليدية، مثل الرقمنة، والاقتصاد الأزرق والاقتصاد الاجتماعي والتضامني … كما نحيي الاهتمام بالرهان المائي، ضمن أوليات البرنامج الجهوي، باعتباره أحد أوجه تدبير الندرة في القطاع الفلاحي.
وهذه الوثيقة (المخطط الجهوي) بقدر ما هي محفزة للآمال ومعبرة عن إرادة حقيقية للرقي بالجهة، ووضعها في المقام الذي يليق بها ضمن جهات المملكة الإثنى عشر (12)، فهي حاملة لنقط عدم اليقين.
مما يقتضي جهدا مضاعفا ويحمل دعوة للالتفاف حول هذا المخطط الجهوي، وتفعيله ليصبح واقعا ملموسا، في أفق سنة 2027.

< بقلم : عبد اللطيف أعمو

Related posts

Top