بعض دروس التنوير بالعالم العربي ..

مصر نموذجا

في العوامل الجنينية: أحمد عرابي

لما ازدهرت التجارة والملاحة وازداد الطلب على القطن المصري، أخذت الطبقات والشرائح الاجتماعية تنتج للسوق الخارجية، مما ساهم (على حين غرة) في تسريع الفرز الطبقي وتوسيع قاعدة الهرم الثقافي، وفي الاستقطابات الثقافية، بل وفي الأوساط الثقافية، فالفئات الوسطى المدينية منها والريفية ستتصرف بشكل آخر، بعد أن شعرت بعمق كوريث للثقافة التقليدية، بخطر الاستعمار كمدمر لقيم حضارتها العربية والمصرية…
منذ العام 1860 ستكون هذه الفئات قاعدة الانبعاث بمصر (انظر: التطور اللامتكافئ لسمير أمين). فهي بدون مضاضة، شكلت خلفية التوجه الليبرالي التحرري النسبي من حيث الزخم الذي وجدت فيه الحركة الاجتماعية باعثا للنهوض السياسي والثقافي، فتشكل تحت هذا الضغط مجلس شورى النواب، اقتداء بالملكيات الدستورية الغربية، وانتشرت في مصر الاتجاهات الجديدة، ووقفت البلاد على أبواب تحول مفتوح، وكانت الجمعية السرية التي يرأسها الضابط أحمد عرابي باكورة الجمعيات المماثلة، هذا في الوقت الذي حامت فيه معطيات الثورة الفرنسية وحلقاتها عبر مئة عام، وحركة الوحدة الإيطالية فوق وأمام باصرة الطاقم السياسي لحركة الضابط عُرابي.
في هذا الوقت بالذات، اخترق سهم هذه الرياح البنى الدينية، عبرت عن تلك الإرهاصات جماعة إصلاحية إسلامية سعت إلى تكييف الدين الإسلامي وفق احتياجات الحياة التنويرية بأبعادها البورجوازية ذات الطابع الوطني والقومي (محمد عبده وجماعته). وقد أكد عمق هذه الانطلاقة في الحركة الاجتماعية بمصر، ما ذهبت إليه الحكومة المنبثقة عن تلك الحركة في إعداد القوانين الأكثر ديمقراطية، بالاستناد إلى دستور علماني النزعة، كما ترافق ذلك مع إيجاد المشاريع الخاصة بإلغاء السهرة وتأسيس البنوك وإصلاح المحاكم..الخ. (أين نحن من هذا الآن؟؟).
في بيان علاقة الاصلاح الإسلامي والنزعة القومية؟

يقودنا ما سبق إلى القول التالي:
لقد قادت العوامل السابقة للتأسيس الجنيني للحوار بين نزعة “القومية العربية” ونزعات الإصلاح الإسلامي، كذلك بين النزعات العلمانية والأخرى الدينية التنويرية “فقد كافح محمد عبده وأتباعه ضد تتريك السكان الأصليين العرب في الامبراطورية العثمانية، ودعوا إلى بعث اللغة العربية وطرحوا فكرة الوطن العربي” (انظر تاريخ الأقطار العربية، لوتسكي).
على هذه القاعدة، أخذت فئات نخبوية تعب عن نفسها بمظاهر ثقافية وسياسية منتظمة. فعلى صعيد الجبهة الثقافية قامت الجمعيات والمنتديات الفكرية، والنشاطات الثقافية ومنها الجمعية العلمية العربية من قبل لفيف من المثقفين في المشرق العربي، وفي مقدمتهم البستاني واليازجي، فتحول النقاش حول البعث العربي إلى دعوات حارة للكفاح من أجل الاستقلال، وكانت هذه الدعوة، بالأول والأخير، حماسية للقيام بانتفاضة باسم الوطن “العربي”.

تحصيل حاصل

اشتبك كثير من المفكرين المتنورين مع الفساد والعطالة والتعصب الديني ودعوا إلى حق الشعب في الحياة والحكم وإلى تكوين دولة “عربية” واحدة وجعل الوطن فوق الدين والتفرقة الدينية. وكان على رأس هؤلاء المفكر عبد الرحمان الكواكبي بحيث كانت نشاطات هذا المفكر ذات مدلول تقدمي، وكانت بمثابة إعداد إيديولوجي للنهضة “القومية” وأحد العوامل لنهوض الحركة الوطنية التحررية في الأقطار العربية.
مرة أخرى: أين نحن من هذا الآن؟

Related posts

Top