تركة الأدباء والفنانين

خلال الأسابيع الأخيرة، شهدنا رحيل العديد من الأدباء والفنانين عن دنيانا، كان رحيلهم لافتا للانتباه، سيما وأن ذلك تم بشكل مسترسل، الله يحد البأس.
في بعض المرات، كان يحصل أن يتوفى أكثر من أديب وفنان خلال اليوم نفسه. لم نعتد على ذلك من قبل.
من هؤلاء من كانت الإصابة بالوباء سبب وفاته: الفنان التشكيلي محمد المليحي، الناقد البشير القمري، المطرب محمود الإدريسي.. والقائمة طويلة.
ومنهم من توفي بسبب أمراض مزمنة: المفكر محمد سبيلا، المغني عبد المنعم الجامعي، الممثل أحمد الصعري، القاص محمد جبران، المغني حسن ميكري، الممثلة زهور المعمري، الشاعر الحسين القمري.. وغيرهم كثير.
منهم من بلغ من العمر عتيا، وكان من الطبيعي أن يرحل: الممثلة فاطمة الركراكي، القاص إدريس الخوري، المطربة الشعبية الحاجة الحمداوية، الممثل حمادي عمور، الأديب محمد القطيب التناني.. إلى آخره.
مثلما أن هناك من توفي وهو في ريعان الشباب: الأديب إبراهيم الحجري، الشاعرة عزيزة يحضيه، الناقد محمد البغوري .. إلى غيرهم ممن رحلوا بكيفية متواترة.
كل هؤلاء مضوا في فترات زمنية جد متقاربة، إلى حد بات يخيل إلينا، إلي أنا شخصيا على الأقل، أن الموت شيء معد، العدوى هنا باعتبارها فكرة وليست مرضا.
بمجرد أن يرحل أحدهم، يقوم أصدقاؤه تلقائيا بنفض الغبار عن الصور التي جمعتهم به، يتم استحضار تجاربه في الحياة والترحم عليه، في شريط طويل من صفحات التواصل الاجتماعي، ثم يتم طي صفحته بسرعة، للانتقال إلى حدث آخر، إلى موت آخر، إلى فظاعة أخرى.
بات من الملاحظ أن وتيرة الزمن باتت سريعة، وأننا صرنا في حالة قفز متواصل، حزننا خاطف، فرحنا خاطف، إعجابنا خاطف، تفكيرنا خاطف، كل عواطفنا صارت خاطفة، ولا شك أن هذا التأثير راجع إلى استهلاكنا لكل ما هو سريع المرور والاختفاء، وأبرز مظاهر هذا الاستهلاك: التواصل الرقمي.
لم تعد أقوى الأحداث السارة تترك أثرها القوي فينا، كما أن أقوى الفظاعات والحروب لم تعد تحرك فينا ساكنا، صارت مجرد فرجة، ننتهي من التفكير فيها بسرعة لننتقل إلى مشاهدة فرجة أخرى، كأن شيئا لم يحدث.
منصات التواصل الرقمي: اليوتوب، الأنستغرام، الفايسبوك.. وغيرها، باتت تفرض وجودها بقوة، إلى حد أنها صرفتنا عن المصادر التقليدية التي كنا نحصل منها على المعرفة والخبر. ما أردت الوقوف عنده بصدد الرحيل المتواتر لأدبائنا وفنانينا، هو التساؤل حول مصير تركتهم الفنية والأدبية.
هناك أدباء توفوا، لديهم مخطوطات عديدة لم يتيسر لها الخروج إلى الوجود، كما أن هناك فنانين وافتهم المنية، كانوا يحتفظون بوثائق جد هامة، وجب الحفاظ عليها من الضياع.
إنها مسؤولية مشتركة بين عدة أطراف لتوثيق تركة هؤلاء الأدباء والفنانين الراحلين: أسرهم، وزارة الثقافة، نقابات التشكيليين والموسيقيين، الجمعيات، اتحاد كتاب المغرب، بيت الشعر في المغرب.. إلى غير ذلك.
لا شك أن هذا المجهود ستكون له أهمية كبرى، لأجل الأجيال القادمة، لأجل التاريخ.

عبد العالي بركات

Related posts

Top