تصفية حسابات تطغى على موقف المغرب من “الكان 2019”

“لن يقدم المغرب ترشيحه لاحتضان منافسات كأس أفريقيا للأمم سنة 2009 “. كان هذا أول تصريح لوزير الشباب والرياضة رشيد الطالبي العلمي الذي أصر على الإدلاء به على هامش حفل توزيع الجوائز على المتوجين بدورة الألعاب الأولمبية للشباب ببيونس أيرس الأرجنتينية، حتى أن طاقم قناة الرياضية فوجئ بذلك.
اعتقد طاقم القناة العمومية في البداية على إصرار المسؤول الحكومي على الاداء بتصريح يهم الحدث الذي هم بصدد تغطيته، لكنه، فاجأ الجميع بتفجير قنبلة، وظل بعد ذلك يسارع الخطى من أجل تدارك الموقف بطريقة لا تخلو من ارتباك وتناقض صارخين.
بعد ذلك قال الوزير إن القرار مرده الضغوطات الكبيرة التي صار المغرب يعيشها، إثر الحديث المتواصل عن دوره في سحب البطولة من الكاميرون.
ثم أضاف العلمي أيضا أن المغرب صار يتلقى اتهامات بـ”الكولسة”، حيث تزايد الحديث عن كونه خلف دفع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) لـسحب التنظيم من الكاميرون، رغم أنه أكد مرارا دعمه المادي والمعنوي لهذا البلد.
وزاد الوزير على ذلك بالقول إن المغرب غير مستعد لاحتضان تظاهرة من حجم “الكان” بمشاركة 24 منتخبا، وأنه من غير المعقول أن ننظم هذه الكأس إرضاء لشخصين.
ليواصل السيد الوزير جولاته وتصريحاته وتبريراته التي لم تقنع أي أحد، والخلاصة الوحيدة التي خرج بها المتتبعون أن العلمي استغل موقفا رسميا لتصفية حساب مع فوزي لقجع رئيس جامعة كرة القدم الشخص الذي آمن إلى أبعد الحدود بإمكانية التئام عائلة كرة القدم الإفريقية على أرض المغرب بداية صيف السنة القادمة من خلال تظاهرة قارية تحتضن نجوم أفارقة يضيئون سماء كرة القدم العالمية.
والواقع أنه كان من الممكن أن يتم تصريف الموقف الرافض للدخول في مزايدات يوجد المغرب في غنى عنها، رغم أن هناك اعتقاد بحدوث سوء تفسير أو خلط في المعطيات بناء على تقارير صحفية يقف وراءها أشخاص لا يخفون عداءهم للمغرب، تحركهم أساسا الجارة الجزائر، بالإضافة إلى الدور المدفوع الأجر الذي تقوم أقلام منتمية لدول معروفة جنوب الصحراء.
فالكامرون التي تربطنا بها علاقة متينة عجزت بالفعل عن احتضان المونديال الإفريقي حتى بـ 16 منتخبا وليس بـ 24، والمغرب لا ذنب له في ذلك، بل كل المواقف التي أعلنت عنها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تؤكد بوضوح أن المملكة تضع كل إمكانياتها من أجل دعم الكامرون، وظلت على هذا الموقف المبدئي إلى آخر لحظة إعلان (الكاف) رسميا سحبها شرف التنظيم من هذه الدولة الصديقة.
كما أن رئيس الكامرون بول بيا نفسه وجه مؤخرا رسالة شكر إلى الاتحاد القاري بعد القرار بمنح شرف تنظيم دورة 2021 وتمكين بلاده من المزيد من الوقت لاستكمال تحضيراته واستعداداته، فكيف تم توجيه الأحداث نحو اتهام المغرب بعرقلة الكامرون والحيلولة دون احتضنها الحدث الكروي القاري ؟.
فهل المغرب هو الذي هدم فندقا في طور البناء شيد خصيصا لاحتضان فعاليات الدورة؟ وهل المغرب هو الذي عرقل مختلف المشاريع خاصة الملاعب التي لازالت قبل أشهر معدودة عبارة عن أوراش مفتوحة؟ وهل المغرب مسؤول عن عدم توفر السيولة المالية الكافية من أجل الإسراع بتنفيذ كامل للشروط التي يضمنها دفتر التحملات؟
كلها أسئلة محيرة بالفعل، والتفسير الوحيد الذي يستنتج في هذه الحالة هو أن أعداء المغرب نجحوا في مسعاهم في قيادة الحملة الممنهجة التي شنوها، لانزعاجهم الواضح من النجاح المغربي على أكثر من صعيد.
وفي الوقت الذي كان من الحكمة التزام الصمت وتصريف الموقف بكثير من الرزانة والتدبير المحكم، أصر العلمي على إخراج الموقف للعلن، رغم أن أمر عدم الترشيح كان معروفا أسبوعا قبل ذلك، وهو ما يفسر سكوت المغرب عن الإدلاء بأي موقف منذ القرار النهائي لـ (الكاف) والقاضي بسحب التنظيم من الكامرون الصادر بتاريخ 30 نونبر الماضي.
عدم الترشح والتزام الصمت كان من الممكن أن يبقي على زمام المبادرة بيد المغرب، وهو الذي لا يتردد أبدا في إبراز مكانته وتأثيره على الصعيد القاري، واحتضان تظاهرة رياضية كبرى كان فرصة لترويج صورة المغرب ليس فقط إفريقيا بل دوليا نظرا لقيمة الحدث الذي ينظم لأول مرة في الصيف بدل الشتاء وبمشاركة 24 منتخبا وليس 16 منتخبا.
إلا أن الخروج الخاطئ للوزير نسف كل شيء، بل قدم خدمة كبيرة لجهات أخرى سواء تلك التي نجحت في مسعاها لترويج مغالطات ضد المغرب أو الدول التي كانت تنتظر مثل هذه الفرصة من أجل احتضان تظاهرة لها فوائد لا تقدر بثمن.
من المؤسف جدا أن نغرق في تصفية حسابات بين وزير يريد جاهدا إثبات ذاته بشتى الطرق، وبين رئيس جامعة صاحب طموحاته الكبيرة في كل الاتجاهات، والتي بدأت تزعج أكثر من جهة…

> محمد الروحلي

Related posts

Top