جلسات “الحوارات الأطلسية” بمراكش تقف عند القضايا الاستراتجية للقارة الإفريقية

أكد السفير المدير العام للعلاقات الثنائية والشؤون الإقليمية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، فؤاد يازوغ، يوم الجمعة الماضي بمراكش، أن مؤتمر الدول الإفريقية الأطلسية يروم خلق أوجه التآزر لمعالجة المشاكل الاجتماعية وتحقيق الاستقرار والازدهار بالمنطقة.
وخلال جلسة عامة حول “المغرب والمحيط الأطلسي”، في إطار أشغال الدورة الـ 11 لمؤتمر “الحوارات الأطلسية” الدولي، قال يازوغ إن البلدان الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي لديها إمكانات هامة في مجالات الطاقة والسياحة والخبرات الصناعية، معتبرا أنه “إذا خلقنا أوجه التآزر، فإنه سيكون بإمكاننا معالجة القضايا الاجتماعية وهشاشة القوى المركزية ببعض البلدان المستهدفة بالإرهاب والقرصنة وأشكال أخرى من الجرائم العابرة للحدود”.
وأوضح أن “المحيط الأطلسي لم يعد حاجزا لا يمكن تخطيه كما كان من قبل، بل أصبح بحرا صغيرا تعبره عدة ظواهر تتراوح من تغير المناخ إلى الجريمة العابرة للحدود وقضايا انعدام الأمن والإرهاب”، مسجلا أن المبادرة المغربية بشأن المحيط الأطلسي “تستوعب الإمكانات الهامة” التي تزخر بها المنطقة، والتي يتعين تطويرها.
وأشار السفير إلى أن المغرب اتخذ هذه المبادرة لأنه يمتلك أطول ساحل على المحيط الأطلسي، لكنه لا يسعى إلى الريادة المطلقة، مشددا على موقف المملكة “كبلد إفريقي من بين بلدان إفريقية أخرى، تسعى إلى خلق أوجه التآزر ودعوة البلدان إلى الانخراط في هذا التعاون الإفريقي-الأفريقي”.
وفي السياق ذاته، أكد يازوغ أن مشروع خط أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب من أبرز المبادرات في هذه المنطقة، والتي من شأنها تعزيز التنمية الاجتماعية والصناعية والثقافية من خلال ربط جزء كبير من القارة الإفريقية.
وتابع بالقول “إننا على يقين من أن هذا المشروع سيثير اهتمام العالم أجمع، ويحظى بالفعل باهتمام كبير سواء في أوروبا أو في أمريكا أو لدى المانحين بشكل عام. ولن يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى يصبح حقيقة واقعة في القريب العاجل”.
وخلص يازوغ إلى أن الهدف الأهم لهذا التعاون يتمثل، أساسا، في “الانخراط مع جيراننا على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي في حوار مكثف وفي برنامج عمل لاستكشاف جنوب المحيط الأطلسي”.

إفريقيا وأمريكا الجنوبية

وفي سياق متصل، أكد رؤساء دول سابقون في أمريكا الجنوبية، على أهمية “الحوارات الأطلسية” في النهوض بشتى أوجه التعاون بين إفريقيا وأمريكا الجنوبية.
وخلال جلسة عامة بعنوان “البحث عن أمريكا لاتينية موحدة.. فرص التغيير”، في إطار أشغال الدورة الـ 11 لمؤتمر “الحوارات الأطلسية” الدولي، ثمن رؤساء سابقون لبلدان كل من الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور الدور الذي يضطلع به المغرب من أجل تعزيز التعاون والاندماج بين القارتين.
وفي هذا الصدد، أعرب الرئيس السابق للأرجنتين، فيديريكو رامون بويرتا، عن سعادته بالمشاركة في هذا المؤتمر الدولي، “الذي يسهم في تحفيز تبادل الأفكار والتجارب”، مبرزا أهمية “الحوارات الأطلسية” في تعزيز الروابط بين الضفتين، وذلك بغية النهوض بمصالح شعوب هذه المنطقة.
كما شدد بويرتا على أهمية تنظيم المغرب لهذا النوع من اللقاءات، منوها، في هذا الإطار، بالدور الذي تضطلع به المملكة في النهوض بمختلف جوانب التعاون بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية وتغيير الدينامية الجيو-استراتيجية التي كانت سائدة خلال العقود الأخيرة.
وأضاف قائلا “نحن بحاجة إلى أن يضطلع المغرب بدور صلة الوصل في الفضاء الأطلسي، وذلك بالنظر إلى الموقع الهام الذي يتمتع به وإلى ما يمثله في القارة الإفريقية”.
من جهته، نوه الرئيس السابق لبوليفيا، خورخي توتو كيروغا، بتنظيم المغرب لهذا المؤتمر الدولي “لأننا بحاجة إلى مثل هذا النقاش في المجتمعات المدنية والمقاولاتية والاقتصادية وفي أوساط القادة الشباب والنساء لدفع الحكومات إلى تعزيز الاندماج”.
ودعا كيروغا، في هذا الصدد، إلى جعل هذا الملتقى فضاء أطلسيا يسهم في الرفع من المبادلات التجارية والدفع بالاندماج، لا سيما بين القارتين الإفريقية والأمريكية الجنوبية.
وشدد على ضرورة اغتنام مثل هذه الحوارات لخلق روابط فرعية في الفضاء الأطلسي، وعدم الاضطرار إلى المرور عبر الشمال لتعزيز هذا الترابط بين شعوب الضفتين.
من جهة أخرى، قال الرئيس البوليفي السابق إن الاهتمام بهذا المؤتمر الدولي سيتضاعف بشكل كبير، بفضل الأداء القوي الذي قدمه المنتخب المغربي في كأس العالم، داعيا المغرب إلى للاستفادة من هذا الإشعاع الوطني الفريد من نوعه.
من جانبه، أكد الرئيس السابق للإكوادور، جميل معوض، على أهمية هذا الملتقى الدولي الهام الذي “يتجسد في آفاق التعاون الدولي في عالم متحور”، مؤكدا على ضرورة تعزيز الحوار الأطلسي لمجابهة التغيير في الباراديغم الذي يعيشه العالم في الوقت الراهن.
وأبرز معوض أنه في ظل هذا العالم المتحور، يتعين توطيد أوجه التعاون للحيلولة دون تفاقم الاستقطاب الدولي، لافتا إلى الدور المحوري الذي يضطلع به المغرب في إرساء مفهوم الفضاء الأطلسي المشترك.

تصدعات ومخاوف

من جهته، أكد مستشار جلالة الملك، أندري أزولاي، أنه “في مقابل التراجعات والتصدعات التي تعبر عالما مجزأ، يجسد المغرب وعود وآمال حداثة اجتماعية وثقافية”.
وأضاف أزولاي، في كلمة خلال الجلسة العامة للدورة الـ11 لمؤتمر “الحوارات الأطلسية”، حول موضوع “نظرات متقاطعة شمال – جنوب في عالم مجزأ”، أنه “تحت الريادة الملتزمة والإرادية لجلالة الملك محمد السادس، اختار المغرب، في بلاد الإسلام، أن يجعل من مشروعية وغنى كافة تنوعاته المحرك الرئيسي لتفرد مجتمعه وهويته”.
وأبرز أزولاي، الذي انتقد فقدانا للمعالم حول ما هو أساسي: العيش المشترك، احترام تنوع وعالمية قيم التضامن في عالم يعيش حالة استقطاب، “استمرارية، وتماسك ومرونة الإصلاحات التي ينفذها المغرب”.
وأضاف أن “هذه الإصلاحات مكنت بلادنا من مواجهة، بوعي وعزم، الأزمات المالية، والصحية والدولية التي أضعفت، وأحيانا زعزعت النظام العالمي”.
وذكر بأن المغرب الذي “أدار ظهره للتراجعات، وللأفكار التي عفا عليها الزمن وللانطواء على الهوية” التي تنتعش في أماكن أخرى، “عرف كيف يوطد مجتمعا متحركا، في ظل التوافق والاستقرار، لتقديم إجابة هيكلية ومستدامة على التحديات الرئيسية لعصرنا”.
إثر ذلك، استعرض مستشار جلالة الملك، ضمن هذا الأفق، الأوراش التي باشرها المغرب بشكل استباقي، سواء تعلق الأمر بالدينامية غير المسبوقة لمخطط التنمية على المدى المتوسط والبعيد، والذي يستعد المكتب الشريف للفوسفاط لتفعيله، أوالاستراتيجية الإرادية التي أطلقها المغرب من أجل النهوض بحقوله من الطاقات المتجددة وتثمينها، مع بقائه في حالة تعبئة ليطور في المستقبل إمكاناته الاستثنائية من الهيدروجين الأخضر.
وأثناء حديثه أمام وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، هوبير فيدرين، أبرز مستشار جلالة الملك “الطابع الشامل والإدماجي للمشروع المجتمعي الذي اختار المغرب بناءه دون أن يدير ظهره لأساسيات تاريخه، وتقاليده وللتعددية التي غذت حضارتنا وصهرتها على مر القرون لتجسد اليوم، في منطقتنا، المرجع الأكثر اكتمالا لأمة تعيش في سلام مع نفسها والتي عرفت كيف تعزز، دون تردد ولاضغينة، ريادتها بواقعية ووضوح لمواجهة تعقد التحديات التي سيواجهها غدا”.
من جهته، وصف فيدرين العلاقات التاريخية بين المغرب وفرنسا بأنها “استثنائية”، مضيفا أن “ظاهرة فريدة للعلاقات تطورت على مر السنين بين المجتمعين الفرنسي والمغربي، وبين النخب الفرنسية والمغربية، وكذا بين الطبقات الوسطى الفرنسية والمغربية في جميع المجالات”.
وقال إنه “كنز ورثناه من هذا الماضي المشترك”، مشيرا إلى أن “أزمات وقعت في بعض الأوقات، ولكن تم تجاوزها دائما”.
وفي هذا الصدد، أبرز فيدرين أنه على الرغم من الفوضى العارمة للعولمة، إلا أن هناك مجالات تظل فيها فرنسا والمغرب “شريكين جيدين”، مضيفا أن البلدين مدعوان إلى تحقيق إنجازات كبيرة معا في العقود القادمة.
وشارك في هذا اللقاء رفيع المستوى، الذي نظم من 14 إلى 16 دجنبر الجاري، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، بمبادرة من مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، حول موضوع “آفاق التعاون الدولي في عالم متحور.. الفرص المتاحة في المحيط الأطلسي الموسع”، أزيد من 350 ضيفا من 60 جنسية.

Related posts

Top