جمعية “أوال حريات” تقدم مشروعها من أجل “أسرة مغربية في مغرب يتحول”

دعت جمعية “أوال حريات” إلى إجراء دراسة استقصائية جادة ومعمقة حول الأسر المغربية، في أفق 2024، تعتمد مقاربة النوع وتأخذ في عين الاعتبار تنوع أنماط الأسرة المغربية وأوضاعها، وكذا طبيعة الأدوار داخلها، وذلك ضمانا لإيجاد أرضية ملائمة تتأسس عليها توجهات السياسات العمومية فيما يتعلق بالحماية الاجتماعية والتنمية البشرية، بما يستجيب لحقوق وحاجيات جميع مكونات الأسرة.
نفس هذه الأهداف المرتبطة بـ”أسرة مغربية في مجتمع يتحول” هي التي أطرت مشروعا دراسيا وتشاوريا واسعا اشتغلت عليه الجمعية لأزيد من سنة، بمعية عدد من الفعاليات والجمعيات الشريكة، وبشراكة مع مؤسسة “فريدريش إيبرت” الألمانية، والذي أفضى إلى صياغة مذكرة ترافعية تحت عنوان “من أجل أسر مغربية، فضاءات للمساواة والإدماج والأمن والتضامن”. وتم تقديم المذكرة ضمن لقاء نظمته الجمعية، يوم الجمعة الماضي بمدينة الدار البيضاء، وتميز بحضور ومساهمة ممثلي وممثلات عدد من القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية، والجمعيات النسائية والحقوقية، وفعاليات أكاديمية وحقوقية.
وأوضحت نزهة الصقلي، رئيسة جمعية أوال، أنه منذ إجراء المندوبية السامية للتخطيط لآخر بحث حول الأسرة المغربية في سنة 1995 (المندوبية تستعد لإجراء دراسة استقصائية جديدة حول الأسرة المغربية خلال السنة الجارية 2023)، حدثت تحولات كبيرة في المجتمع المغربي على عدة مستويات، على رأسها إقرار دستور 2011 وإخراج مدونة الأسرة، التي وصلت هذه السنة إلى 19 سنة من التطبيق، مما أبرز تحديات جديدة أضحت تواجهها الفئات المتعددة للمجتمع عموما ولمكونات الأسرة تحديدا.
وأشارت الصقلي إلى أن التطور الذي شهده المجتمع المغربي “أصبح يفرض الحديث عن أسر متعددة وليس فقط تلك الأسرة النووية التي تتحدث عنها المدونة والمكونة من أب وأم وأطفال”، إذ أصبحت العديد من الأسر تتكون من أمهات مطلقات أو أرامل أو عازبات، يتحملن مسؤولية الأطفال ويقمن بواجب الرعاية اتجاههم وأحيانا أيضا اتجاه الأقرباء المسنين، الذين يعيشون معهن تحت سقف واحد. وكثيرا ما تتسم وضعية هذه الأنماط الأسرية، تقول الصقلي، بالهشاشة، حتى عندما يكون أفرادها، وعلى رأسهم النساء المعيلات، مساهمين في الاقتصاد الوطني، إلا أنهم يعانون في نفس الوقت من الحيف والهضم لحقوقهم، الاقتصادية، الاجتماعية، والقانونية، بفعل “تجاهل” السياسات العمومية. ويشير مفهوم تعدد الأسر أيضا، كما تحدده الأمثلة المضمنة في المذكرة الترافعية التي قدمتها نزهة الصقلي خلال اللقاء، إلى الأسر التي تتكون من زوجين من جنسيتين مختلفتين، أو من أب أو أم مسنين يكفلهما ابن أو ابنة عازبين، أو الأسر المتخلى عنها نتيجة تعدد الزيجات.. أو تلك التي تضم فردا أو أفرادا يعانون من إعاقات واحتياجات خاصة.. وغيرها من النماذج التي يتطلب التعامل معها من قبل سياسات وبرامج الدولة مقاربة جديدة بهدف جعل الأسرة المغربية “فضاء يتمتع داخله جميع أفراد المجتمع وفئاته بحقوقهم الإنسانية في شموليتها”.

وقالت نزهة الصقلي إن المذكرة، التي تعتزم الجمعية الدخول في مسلسل ترافعي حولها خلال السنة الجارية، تندرج أيضا في سياق التعبئة المجتمعية التي تشهدها بلادنا ضمن مسار إصلاحي يطمح إلى إرساء نموذج تنموي جديد، بناء على مقتضيات ومباديء الدستور من مساواة وعدل وتكافؤ في الفرص وضمان للحقوق والحريات، وذلك سواء من خلال إصلاح منظومة العدالة أو مراجعة منهجية وضع السياسات والبرامج العمومية في جميع المجالات.
وفي هذا الإطار، اعتبرت الصقلي التي سبق أن شغلت منصب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، أنه “حان الوقت اليوم لإعطاء دفعة كبيرة للمساواة ولصالح تطور وتحديث المجتمع، بحيث لا يمكن تحقيق تنمية دون المساواة بين الجنسين والقضاء على كل أشكال الحيف والتمييز ضد النساء”.
وأفادت أن المذكرة جاءت ثمرة اشتغال مع العديد من الجمعيات والفعاليات، بمنهجية العمل الميداني والتشخيص وتحليل المعطيات، مع تحري الشمولية في مناقشة القضايا المرتبطة بالأسرة، وهكذا توزعت مجالات الاشتغال بالتركيز على أربعة محاور أساسية، هي: تزويج الطفلات- توسيع الاعتراف بتنوع الأسر وتعددها- تعزيز الحماية الاجتماعية في أفق مجتمع دامج لجميع مكوناته- محاربة أوجه عدم المساواة بين النساء والرجال داخل الأسرة.
وحول نفس المحاور تدور توصيات المذكرة التي وصلت إلى حوالي 100 توصية، شملت الجانب القانوني وأساسا إصلاح مدونة الأسرة والقانون الجنائي، مع توحيد النصوص والمساطر فيما يتعلق بالزواج والطلاق والحضانة والإرث والإجهاض..إلخ، في احترام لمبدإ المصلحة الفضلى للطفل وتعزيز المساواة ومكافحة التمييز والعنف ضد النساء، وجانب السياسات العمومية من خلال اعتماد مقاربة النوع في الدراسات حول الأسر وفي مختلف البرامج الاجتماعية والاقتصادية وعلى رأسها برامج الحماية الاجتماعية، فضلا عن تعزيز جهود وآليات التحسيس والتوعية، وتكريس ثقافة المساواة ومحاربة الصور النمطية والإقصاء، وهو الأمر الذي يتطلب فتح قنوات للتواصل والنقاش العموميين بشكل أوسع وبانفتاح أكبر على المواطنات والمواطنين حول حقوقهم وواجباتهم في إطار من المواطنة والاحترام والإنصات لجميع وجهات النظر.
يذكر أن اللقاء شهد نقاشا واسعا شارك فيه ممثلو وممثلات عدة قطاعات معنية بمختلف القضايا التي تطرقت إليها المذكرة، وعلى رأسها وزارة العدل، وزارة الصحة، وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وعدة جمعيات وفعاليات ناشطة في مجال حقوق الإنسان. وقد أجمع المشاركون على أهمية والتقائية محاور المذكرة، مؤكدين أن مواضيعها تعتبر بمثابة انشغال جماعي، حاليا، نابع من القناعة بأهمية التعبئة الجماعية من أجل إيجاد جيل جديد من المقاربات والتدخلات، تتجاوب مع المباديء المتوافق حولها في سياق دستور 2011 ومع الالتزامات الوطنية والتطلعات المجتمعية إلى التغيير، تغيير تشكل الأسرة منطلقه ومحوره الأساسيين.
يشار أن جمعية “أوال حريات” التي تأسست سنة 2018 بمبادرة من عدد من الفعاليات النسائية والحقوقية على رأسهن كل من نزهة الصقلي ورشيدة الطاهري، تقدم نفسها كمجموعة مستقلة للتفكير والعمل (Think Tank)، وتهدف من خلال مبادراتها إلى التحسيس والترافع والتعبئة الاجتماعية، مساهمة منها في إقامة مجتمع يضمن ممارسة مواطنة كاملة لجميع المواطنات والمواطنين في إطار من الحرية والمساواة.

سميرة الشناوي

Related posts

Top