حال المغربِ ومغرب الجال

(احتجاجا على قرار الحكومة في تحديد سن اجتياز مباراة التعليم في 30 سنة)

       1 ــ حالُ المغرب:      

       إن المتتبع لحال المغرب ــ الآن وقبل الآن ــ وما تَراكمَ في جوفه من أحداث، لا يحتاج إلى الكثير من الجهد كي يدرك ما يَطبَع جسدَه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الحالي من أعطاب، وتعثرات، وصراعات على المواقع، وخلطٍ للأوراق، وارتباكات بالجملة، وتراجعات كذلك. بحيث أصبحتْ هاته الأعطاب سِمَةً بارزة في لحظته التاريخية الراهنة، بل مكونا أساسيا من تفاصيل المشهد أو المعيش اليومي للمواطن المغربي: هذا المواطن الذي فقد بدوره تماما بوصلة التوجيه، وأصبح ــ بفعل كمية اللبس المتراكمة في حياته اليومية وانتظار إصلاحات قد تأخرت كثيرا أو قد لا تأتي بالمرة ــ غير قادر حتى على فهم ما يجري من حوله من جهة، ثم تحديد ملامح أو نتائج هذه “الإصلاحات” التي وعدوه بها في العديد من المحطات السابقة من جهة ثانية: انطلاقا مما سمي بـ “الاستحقاقات السياسية” التي أعقبت “ربيعه العربي”، مرورا بـ “دستور 2011″، الذي ما زال بدوره معطلا، وينتظر الكثير من المعارك وإجراءات التنزيل التي “لن تقع”، بشهادة واعتراف العديد من المحللين والفاعلين السياسيين والإعلاميين المغاربة، بمن فيهم بعض أولائك الذين شاركوا في صياغة نفس الدستور “الجديد” للمملكة.

ثمة أزمة حقيقية ومتعددة الوجوه وواضحة المعالم في المشهد المغربي الآن: أزمة في التعليم، أزمة في الصحة، أزمة في التشغيل، وأزمة في جيب المواطن الذي أصبح عاجزا عن مسايرة متطلبات الحياة بفعل ارتفاع تكاليف المعيشة والزيادات المتتالية في الأسعار، أزمةٌ في نُضج الطبقة السياسية المغربية، وأزمة في القرار وفي الخطاب الذي تنتجه أو تطرحه الكثير من النخب السياسية (الحاكمة منها وغير الحاكمة). أزمةٌ في الداخل وفي الخارج: انطلاقا من تصريف الشأن العام اليومي للمواطن المغربي، وصولا إلى صورة المغرب في الخارج. هي الصورة التي ما زلنا ننتظر أن تتحسن بما يكفي وتتطابق بشكل جيد مع مكانته وتاريخه العريق، ويتم تسويقها بشكل جيد في الخارج وضمن السياق الدولي.

ومن يحاول أن يصمت عمّا يقع الآن في الداخل المغربي، عن قصد أو بدافع مصالح سياسية ضيقة وعابرة، ويخفي وجه هاته الأزمات وأبعادها (نُخبا وقوى سياسية حاكمة وفاعلين ومواطنين على حد سواء)، أو يعمل على تصريفها أو تمويهها من خلال القفز على الحقائق والنقاشات المظلِّلة، سواء من خلال الركوب على معايير واهية أو أغلبية سياسية في الانتخابات، للقفز على قضايا داخلية حقيقية، واستعراض القوة وحشد دعم ما، أو من خلال العديد من الأفعال وأشكال التمويه والخطابات، إنما يجانب الصواب ويحاكي ما تفعله “النعامة” حين تُبادر إلى إخفاء أو دفْن رأسها في الرمال كلما تهددها الخطر، تاركة باقي جسمها أو “قزِّيبَتها” (على حد التعبير المغربي الدارج) في العراء.

          2 ــ مغربُ “الحال”:

          أما إذا عدنا إلى “مغرب الحال” واستحضرنا مفهوم هذا “الحال”، ليس من جانب تعريفه في القاعدة أو في الظاهرة اللغوية: باعتباره “وصفا لمنصوب يبين هيئة ما قبله من فاعل أو مفعول به أو منهما معا، أو من غيرهما عند وقوع الفعل”، بل من حيث التصاقه أو قرينته بمفهوم “الجذبة” والدخول في حالات “الانخطاف” و”الغيبوبة الروحية” وطرق “الكشف” وصيغ توصيف الواقع بفروض الرمز وأدواته، وما يعنيه أيضا هذا المفهوم، سواء داخل الحقل الصوفي، أو داخل الدلالة الثقافية أو الأنثروبولوجيا للثقافة الشعبية المغربية والعربية بشكل عام، فإننا نجد في “الظاهرة الغيوانية” المغربية، التي مازالت تعبيراتها و”كشوفاتها” الإبداعية والرمزية قائمة ومحفورة في وجدان المغاربة وذاكرتهم الجمعية، الكثير من التطابقات والتوصيفات البليغة لحال المغرب وحالته، وما يقع كذلك في مشهده الراهن، والمطبوع كعادته بالكثير من الانتظارات والخيبات المتراكمة، وأحلام قد لا تتحقق في الأمد القريب؟

إذ يكفي، للتعبير عن حال المغرب اليوم، أن نستحضر فقط، وضمن نفس السياق، ما قاله الشاعر الزجال والمنشد المغربي “محمد الدرهم” ذات قصيدة مفجوعة بحال المغرب وأوضاعه وشبابه الذي شاخت أوصاله وأحلامه، وضيّع أيضا زهرةَ عمره في العطالة والبطالة: نفس الشباب الذي ما زال يصحو كل يوم على خيبات جديدة و”فراغ ذات اليد”، ليواجه كل يوم أيضا “ذات الوعود” وذات التعنيف وذات الهراوات في مظاهراته ووقفاته الاحتجاجية في كل مدن المملكة وأمام بناية البرلمان.

يقول “محمد الدرهم” في “لحظة حَالٍ إبداعي” أو في قصيدته الرائعة “يا مَنْ عانى ولا زالْ مْعَانا يْعَاني”: “يا رْفِيقي فَالحالْ / يا بْحالي فالحَالة / هاذْ الحالْ اللي طالْ / ما طلعتْ مَنّو طايلة.. / تْعالى عْشِيري تْفَاقدْ الحالْ / تْعَالى تشوفْ هاذْ المهزلة / ولاّتْ بايْنة ما بْقى ما يتْقالْ / وما بقاشْ لكلامْ يْحلّ مْسالَة / الخيلْ واقْفة رابْطاها لحبالْ / والبغالْ كا تبوردْ مختالة / ياويلي شبابْ الأمّة عـطـّالْ / يا ويلي علاشْ الأمّة عوّالة / خيرْ الأمّة نهْبوهْ الجُهّالْ / بْلا مْزايدة باعوهْ الدّلاّلة..”!

بقلم: بوجمعة العوفي

شاعر وناقد فني

Related posts

Top