حزب المناضلات والمناضلين

كشفت المؤتمرات الإقليمية لحزب التقدم والاشتراكية التي شهدتها مختلف جهات البلاد، في إطار التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الوطني العاشر للحزب بعد أقل من أسبوعين، عن كثير خلاصات ونقاط ضوء تميز عمل هذه القوة اليسارية التقدمية العريقة.
أولا، هذه المؤتمرات الإقليمية، باعتبارها محطة مركزية ضمن المسلسل الإعدادي العام للمؤتمر الوطني، مرت في غالبيتها الساحقة بسلاسة تنظيمية وعلائقية واضحة، ولم تخلف أي توتر كبير أو انغلاق في الحياة التنظيمية للحزب.
قد تكون حدثت مشاكل أو اختلافات في هذا الفرع أو ذاك، ولكن، من المؤكد أن هذه الاستحقاقات الحزبية التنظيمية لم تفض إلى “بلوكاج” مثلا في منظومة عمل الحزب، ولم تصبه بالشلل، ومن ثم فالتمايزات في الرأي أو في التقدير تبقى عادية، كما يحدث في كل الكيانات الحية، وتستطيع المساطر المتفق عليه أن تقدم الأجوبة والمخارج لها.
ثانيا، المؤتمرات الإقليمية كشفت على أن الأمر لا يتعلق بمنصات خطابة أو “علاقات عامة” تبدأ بإعلان الهياكل كقوالب فارغة، ثم تنتهي بحشد الأشخاص قصد “التعمار” وحشو هذه الأجهزة والمكاتب بطارئين لا قناعات لديهم أو حتى مجرد فهم.
هنا كان الأمر ولا زال غير ذلك، وهو يتعلق بمناضلات ومناضلين حضروا هذه المؤتمرات الإقليمية، وقبلها كانوا أيضا في الجموع العامة للفروع المحلية، ومارسوا حقوقهم في النقاش والمحاججة، وفي صياغة الأفكار والاقتراحات، وأيضا في الترشيح والتصويت، ومن ثم، فقد مثلت هذه التظاهرات الحزبية التي أقيمت في عشرات الأقاليم، مناسبات لتمتين الحوار السياسي والتنظيمي داخل الحزب، وتفعيل التواصل مع جماهير المواطنات والمواطنين، وكل ذلك اعتمادا فقط على جهود وتضحيات هؤلاء المناضلات والمناضلين أنفسهم…
ثالثا، إن ما يميز حزبا حقيقيا وعريقا مثل حزب التقدم والاشتراكية، هو بالذات هذا التكوين البشري المرتكز إلى المناضلين، وليس إلى”الحياحة”، وهو هذا الانخراط الجماعي في إطار مشروع فكري وسياسي وقيمي، هو ما يقود سلوك الأعضاء ويؤطر عملهم الحزبي على مدار الساعة، وفي كل المستويات.
رابعا، هذه الميزة المتفردة هي حصرية في الأحزاب الحقيقية والجدية وذات التاريخ والمصداقية، ولا يمكن للهيئات المصطنعة امتلاكها، حتى ولو توفرت لها كل أموال وخزائن الدنيا، وحتى لو سخرت لها كل إمكانيات الحشد والتجييش، وكل تقنيات الماركيتينغ والعلاقات العامة والتواصل والدعاية وأشكال الإبهار والفرجة.
في المراحل الجادة والدقيقة والحساسة، داخل التنظيم الحزبي أو في الوطن، لا يصمد سوى المناضلون الحقيقيون والمقتنعون، وهؤلاء نشاهدهم في كل المدن والقرى يقودون الاجتماعات والتجمعات يوميا، وينخرطون في مختلف المبادرات النضالية المحلية والجهوية، يعلقون اللافتات والملصقات، ويوزعون المناشير والبلاغات والصحف، ويجمعون العرائض والتوقيعات، وكل هذا تطوعا وبلا أي مقابل، ومن دون أن يدفعهم أحد لذلك، وإنما تحركهم قناعاتهم وحدها وإخلاصهم لوطنهم وشعبهم.
خامسا، في هذه الدينامية النضالية، كتلك التي يشهدها حزب التقدم والاشتراكية، وهي لا توجد، على كل حال، سوى لدى القوى السياسية الحقيقية والممتلكة لمشروع، يمكن أن نلمس نجاح “صناعة” المناضل الحزبي والسياسي، وتأهيله وتكوينه، وإعداد أطر حقيقية قادرة على التفكير والتحليل وإبداع المقاربات والمواقف، وفي نفس الوقت التواجد النضالي الميداني والقدرة على المواجهة والحجاج…
وفي بلادنا بينت لنا السنوات القليلة الأخيرة أن الميزانيات الضخمة والإغراءات التدجينية الكثيرة لم تنجح في صناعة مناضلين مقتنعين بإمكانهم النزول إلى الشارع والدفاع عن أفكار وقناعات، لأنهم ببساطة لا يتوفرون عليها.
سادسا، المؤتمرات الإقليمية التي عقدها حزب التقدم والاشتراكية هذا العام، وأيضا الجموع العامة للفروع المحلية والقطاعات والتنظيمات الموازية، أكدت أن قوة الحزب تكمن في هذه الأذرع الميدانية المكونة والمحنكة و… المتطوعة، وهو ما يفرض توجيه التحية والعرفان لمئات المناضلات والمناضلين، المتواجدين في المدن وأحيائها الشعبية، وفي القرى والجبال، وفي كل مكان، لأنهم هم المجسدون لروح الحزب وهويته وعمله يوميا ووسط الناس.
المؤتمر الوطني له بداية زمنية ونهاية في خاتمة الأمور، ولكن الحزب يستمر عبر المناضلات والمناضلين في أماكن تواجدهم في كل ربوع البلاد، وهذا هو المهم، أي السياسة التي تمارس وسط الناس ومعهم، وينجم عنها… الأثر.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top