حكومتنا واللقاح…

من المؤكد أن السياق لا يسمح بتكرار الانتقادات والتذكير بالأخطاء المرتكبة في التواصل والتدبير الحكوميين لمعركة مواجهة وباء كوفيد-19، وخصوصا ما يتعلق باللقاح والحملة الوطنية للتطعيم، وإنما الأساس اليوم هو إنجاح معركة تلقيح شعبنا وإنهاء هذه الأزمة الصحية والمجتمعية القاسية.
ولهذا نسارع إلى القول بضرورة تكثيف جهود الجميع لكسب هذه المعركة، وتحقيق الت قيح لكل الفئات المعنية به، وفِي زمن معقول بغاية تسريع عودة بلادنا إلى إيقاع الحياة الطبيعية.
ولكن، بغض النظر عما سبق، فإن حكومتنا أكدت، من جديد، إصابتها بخرس غريب، وأنها لا تثق في شعبها ولا تتواصل معه، ولا تهمها تطلعاته وانشغالاته.
لقد جرى الإعلان عن تواريخ لبدء التلقيح، وقدمت وعود وتطمينات بأن التزود وقعت بشأنه عقود والتزامات، لكن لما لم يتحقق أي شيء من هذا على أرض الواقع، وتناسلت أسئلة الناس وتخوفاتهم، اختارت حكومتنا الصمت، وتركت الساحة تستفرد بها الشائعات والتخمينات، وحتى رئيس الحكومة لم يجد أي حرج في القدوم إلى البرلمان ليعلن جهارا أنه لا علم له بأي شيء بشأن اللقاح وموعد التوصل به، ولكن بعد ساعات فقط من ذلك نزلت المعلومة حول الشحنات القادمة من الهند، ليتعمق، بذلك، الاستغراب وسط المغاربة، ويبرز السؤال الكبير: ماذا يجري؟ وهل حكومتنا لا تعنيها صحة المغاربة ونفسيتهم إلى هذا الحد؟
نخلص من هذا للقول بأن حكومتنا في هذا الموضوع، وأيضا في مواضيع وطنية أخرى، أبانت عن عدم الثقة في المغاربة، وعن خوف غريب من التواصل بصراحة معهم، وهذا السلوك، الذي لا علاقة له بزمننا المعاصر هذا، بقدر ما يخرق حق شعبنا في المعلومة الرسمية المؤكدة، وخصوصا عندما يكون الأمر له صلة بصحته وسلامته، فهو أيضا يكرس انعدام الثقة بين المواطنين والمسؤولين العموميين، وفِي مؤسسات البلاد، وهنا الخطورة الكبيرة للصمت الحكومي.
من جهة ثانية، يلاحظ الجميع اليوم عبر العالم أنه بقدر ما نجحت المختبرات العالمية ومراكز البحث العلمي وشركات الأدوية في الوصول إلى اللقاح في مدى زمني غير طويل، ونجحت في تطوير وإنتاج لقاحات مضادة لفيروس: كوفيد-19، فإنه بمجرد انطلاق عملية التسويق والبيع، اشتعلت نيران حرب حقيقية على هذا الصعيد، وبرز سباق محموم داخل سوق اللقاح العالمي، والنتيجة التي تحققت إلى حدود اليوم هي أن دولا قليلة جدا فقط هي التي تزودت باللقاح، وأن الدول الغنية والتكتلات العالمية الكبرى اقتنت كميات من اللقاح تزيد بكثير عن حاجيات بلدانها، وجرى البيع بأسعار تضاعفت أكثر من مرة، ولم تحترم لا وعود ولا تعاقدات ولا التزامات بهذا الشأن، وفِي المقابل لا تزال أغلب دول العالم لم تتوصل باللقاح، ومرة أخرى تعرى شعار: “التضامن الدولي”، وبات بلا أي معنى في حرب الوصول إلى اللقاح، وبرزت صعوبة الوصول إلى هدف المناعة الجماعية عبر العالم، والتي من دونها لن تتخلص البشرية، بشكل كامل، من الوباء وتداعياته ومخاطره.
إن الحصول على اللقاح اليوم يشهد مضاربات مالية كبرى في سوق البيع، والدول الغنية تدفع ثمنه أضعافا مضاعفة من دون أي مبالاة بحاجة الشعوب الأخرى، والدول المنتجة، بدورها، وجدت الفرصة سانحة لتحقيق الأرباح.
صحيح، يذكرنا هذا الواقع مجددا اليوم بدرس بليغ، وهو المتعلق بأهمية البحث العلمي والاختراع وتطوير الابتكار في الطب والصناعة الدوائية، ولكن أيضا يؤكد لنا حاجة الدول إلى تمتين أوراق ضغطها ونقاط أهميتها الإستراتيجية في الخريطة الدولية، لتستطيع فرض ذاتها على قوى المجتمع الدولي، وأن تدرك هذه الأخيرة وجود مصلحتها في هذا البلد أو ذاك، وأن تأخذ انتظاراته وحاجياته ومصالحه بعين الاعتبار، أما عدا ذلك، فلن تجد من ينصت إليك أو يفكر فيك في عالم اليوم، الذي تفاقم انقسامه وتفشت الفوارق بين البلدان الغنية في الشمال والأخرى الفقيرة في الجنوب.
إذن، إما أن تكون قوة علمية وصناعية وتنتج اللقاح بنفسك، أو أن تكون بلدا غنيا وتستطيع دفع ثمن السوق للشراء، وتدخل المضاربات المالية ولا يهمك ارتفاع الأسعار، أو أن تمتلك أوراق ضغط دولية أو إقليمية على الصعيد الجيو استراتيجي، وعبرها تضطر القوى الكبرى لأخذ مصالحك بعين الاعتبار.
من جهتنا، نعرف أن بلادنا تمتلك فعلا حضورها وقوتها على هذا الصعيد، ونعرف أن ما تحقق بخصوص اللقاح الآن، جاء، أساسا، بفضل ذلك، ونتيجة الانخراط المباشر لجلالة الملك وحرصه القوي وتعليماته منذ اليوم الأول، ولكن لكي تنجح الحكومة في ذلك، كان يلزمها امتلاك منظومة تدبير وتنفيذ تقوم على الكفاءة والاستباقية وبعد النظر، وكان يجب أن تتحلى بسلوك جماعي في الأداء يقوم على الالتقائية، وينخرط في السباق والهجومية المشتعلين منذ فترة في العالم سعيا للوصول إلى اللقاح.
مع الأسف، عشنا مع حكومتنا الكثير من الارتباك على هذا الصعيد، وعانى شعبنا من الخرس الذي أصاب مسؤولينا، وانتشرت العديد من القصص وحكايات السقطات التواصلية والتدبيرية والتنسيقية بشأن موضوع لقاح كورونا.
نأمل اليوم أن تتجاوز حكومتنا تلك السقطات، وأن تتعبأ لإنجاح التدبير العملي والصحي واللوجيستيكي والميداني والتواصلي لحملة التطعيم، وأن ننقذ صحة شعبنا وسلامة بلادنا.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top