خطر الخروج من التاريخ

في كتاباته الحديثة، يتابع الأديب المغربي الناطق بالفرنسية الطاهر بن جلون، عن كثب الحياة الاجتماعية والسياسية داخل الوطن وخارجه، ولعل ما يلفت الانتباه في هذه السلسلة من النصوص والمقالات المترجمة عن الفرنسية هو حدة الأسلوب الذي كتبت به، كأنها قدت من حجر مسنون. في كل نص، لا بل في كل فقرة من فقرات هذه النصوص التي ترجمناها عن الفرنسية، لا بد أن يتهيأ لك أنك تسمع صوت قرع الجرس، ينبه لوجود خطر، يقلقنا، يزعجنا، يوشك على ابتلاعنا. هذا الخطر له أكثر من وجه: الفقر، الجهل، البطالة، الفراغ، الحقد، الخوف، التطرف، الإرهاب..بوجيز العبارة، هي شهادة صادقة على هذا العصر وتحولاته.

 ما الذي علينا فعله حتى لا يخاف الناس من الإسلام؟ ما الذي نفعله لتنظيف الإسلام من تلك الشتائم التي لا يمكن تحملها والتي نكاد نسمعها في كل مكان؟ ما هو دورنا؟
 صديقي فؤاد العروي استحضر في مقاله الأخير إلى أي حد يخيف الإسلام ويثير الضغينة لدى عدد كبير من الناس في أوروبا وفي أماكن أخرى.
نعم، إنه محق في أن يندد بهذا الرهاب الإسلامي الذي يتم تعميمه بشكل فاحش. نعم، معه حق في أن ينسب ذلك إلى العنصرية المناهضة للمهاجرين التي تحولت بشكل ملغوم إلى مناهضة للمسلمين.
 نعم، ونحن، ما الذي نقوم به لكي يكف الناس عن الخوف من الإسلام؟  ما هو دورنا لتصحيح الوضع وإعادة الأمور إلى نصابها؟
 أعتقد أنه ينبغي علينا أن نبدأ بما يقع في وسطنا. الإسلام كان قد تم تحريفه، مسخه، إساءة قراءته، لأنه لم يتم استخلاص الدرس من أن المقاولة لأجل إنقاذ سمعتها تخضع لما هو أصعب ولما هو أفدح.  
لأجل ذلك، ينبغي البدء بالمدرسة، القيام ببيداغوجية إيجابية تضع الإسلام في منأى من كل تلك الفظائع. إعادة النظر في المقررات الدراسية. الإلحاح على روح التسامح والسلم و القيم التي تدعو إلى المعرفة وتحصيل العلم. الرجوع إلى النصوص ومعالجتها بكيفية ذكية ومنفتحة ومعاصرة.
  في الوقت الذي كنت أقوم بجولة  في إيطاليا لتقديم شروحات وبيداغوجية لتحديد الكلمات والمفاهيم المتعلقة بالإسلام والفواحش التي يتم ارتكابها باسمه، ها هم الهمج قد قاموا بهدم تحف فنية يعود بعضها إلى قرون خلت، في الموصل وتكريت. وقبل ذلك، كان الطالبان قد قاموا بتخريب نصب تذكارية في أفغانستان، تعود بدورها إلى عدة قرون.
 إن المتاحف التي تم تدميرها، كانت قد احتضنت كنوزا تنتسب للذاكرة الإنسانية، صمدت لمئات الحروب وتقلبات الطبيعة، والعديد من اضطرابات الزمن، لكن كان ينبغي للجهلة المسعورين تدمير تلك الأشياء الاستثنائية لكي يتم من جديد الجمع بين الإسلام والهمجية.          
 لطالما نادينا بأن هذا لا يمت إلى الإسلام بأي صلة، الناس يخلطون بين الأمور دون أن نستطيع إقناعهم بأنهم ليسوا على صواب.  
نحن بحاجة إلى أن ينهض الفقهاء وعلماء اللاهوت الجديين ويقومون بالتنديد بكل قوة بهذه الجرائم التي يتم ارتكابها باسم الإسلام. داعش هو رمز للكوارث التي تصيب العالم الإسلامي منذ أزيد من نصف قرن. إننا لم نتوقف عن التقهقر والسير في اتجاه الظلمات. أغلبية الدول الإسلامية أدارت ظهرها للحداثة وللديمقراطية الحقيقية، وللتنمية البشرية والاجتماعية. إن ثقافة هذه البلدان توجد في وضع بئيس ومخجل. لهذا السبب، نجد أن بعض الحمقى الثائرين المسعورين استطاعوا ارتكاب كل تلك الجرائم لأجل إقامة دولة الخلافة في العالم العربي.   
 أجدادنا منحوا للإسلام عصره الذهبي، قرونه المضيئة. الأفراد الذين يذبحون ويشنقون اليوم البشر، اختاروا أن ينعموا بالظلامية والجهل والحقد ودم الأبرياء.   
ليس هناك ما هو أفضل من ذلك لإخراج هذا العالم الإسلامي من التاريخ والحضارة، حتى لو كانت الأغلبية الساحقة من المسلمين يشعرون بالرعب إزاء ما يحدث. 

بقلم: الطاهر بنجلون

ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top