رامي نزيه، مدير عمليات «أفيردا» لبيان اليوم:

> ما هي طبيعة عملكم في مجال تدبير النفايات بمدينة الرباط؟
< بمدينة الرباط ليس لنا علاقة بجمع النفايات، هناك شركات أخرى هي التي تتكلف بهذا الأمر، نحن معنيون فقط بجمع النفايات الخضراء وتنظيف الشوارع، وحتى مسألة الفرز والمعالجة بالنسبة لـ»أفيردا» نحن بعيدون عنها لأنه ليس لنا علاقة بجمع النفايات المنزلية..
    
> لكن في الدار البيضاء، أنتم تقومون بذلك؟
< نعم الأمر مختلف في بركان والناظور والدار البيضاء .. «أفيردا» شركة عالمية لديها خبرة كبيرة تفوق 25 سنة ليس فقط بعملية جمع النفايات والنظافة ولكن أيضا بعمليات الفرز والتدوير.. فالإمكانيات التقنية وحتى الموارد البشرية موجودة.. ولكن بالنسبة لموضوع الفرز والتدوير، الحل لا يبدأ من عندنا، خاصة أنها عملية معقدة وتحتاج لعمل جبار على عدة مستويات. الشركة يمكن أن تبادر وأن تعطي أيضا الخبرات.. ولكن التطبيق والالتزام يتطلب تظافر جهود عدة أطراف، منها الأطراف المتعاقدة، مع ضرورة انخراط المواطنين في عملية الفرز التي تبدأ عند المصدر وتستمر إلى ما بعد المطرح.. فالأمر يتعلق بخطة طويلة الأمد.

> هل أفهم من كلامك أنه ليس لدينا استعداد بعد للوصول إلى هذه المرحلة؟
< بالعكس تماما، فأنا شخصيا شعرت منذ بداية عملنا بالمغرب في 2013 وبأكثر من اجتماع مع الأطراف المتعاقدة، أن هناك حقا رغبة وإرادة في التغيير، وربما حان الأمر بالفعل لذلك، ولكن لا بد من اتخاذ المبادرة وحمل الأمر على محمل الجد بشكل أكبر، فالنية موجودة وحتى الساكنة لديها استعداد.. والبداية يمكن أن يكون بمناطق قليلة وبأحياء صغيرة لتكبر لاحقا على مستوى جماعات وعمالات ومدن..
    
>على مستوى الدار البيضاء حيث تقومون بنقل النفايات إلى المطمر.. من الناحية البيئية هل الأمور على ما يرام؟ وهل لديكم ملاحظات في هذا الصدد؟
< للإشارة فشركتنا حاصلة على شهادة «إيزو» كصديقة ومحافظة على البيئة.. ودفاتر التحملات تنص بصراحة على شروط صارمة في  هذا الاتجاه من خلال نصها مثلا على توفير معدات جديدة ومتطورة، وأخذ بعين الاعتبار المعايير البيئية في الأداء العملي اليومي. لكن مسالة المطارح تبقى خارج نطاق عملنا الذي ينتهي عندما تصل الشاحنات الى المطرح، ولذلك لا يمكن أن يكون لنا رأي بالموضوع. بالفعل نحن شركة معنية أساسا بالبيئة التي تبقى مجال عملنا وهدفنا الأساسي. لكن بطبيعة الحال هناك دفتر تحملات يحدد واجباتنا ونطاق عملنا وبالتالي يجب أن نحترمه. أما بالنسبة للأمور الأخرى فـ»أفيردا» هي من أكثر الشركات المراعية للبيئة، المعدات والتجهيزات، من الشاحنات الى سيارات الخدمة الصغيرة هي من نوع «أورو 5» المعروفة باحترامها لمعايير البيئة وبانخفاض الانبعاثات الكربونية. ولقد نظمنا أكثر من حملة للتحسيس بتعاون مع الساكنة والمجتمع المدني، تستهدف عمالنا وعموم الساكنة من أجل التوعية بسبل التعامل مع النفايات والمحافظة على البيئة.

> على ذكر حملات  التحسيس هل هناك تحرك جديد خلال رمضان؟
< عندنا حملات دائمة وحملات موسمية، منها حملات نظافة الشواطيء في فصل الصيف وحملة شهر رمضان وحملة عيد الأضحى، فضلا عن حملات جمع النفايات في الفترة الليلية، بالإضافة إلى الحملات التي تكون بدعوة من هيئات أو جمعيات أو مدارس، حيث نحاول قدر المستطاع العمل مع الجمعيات وتشجيع مبادراتها لأنها تعد ممثلة ومؤطرة للساكنة في نفس الوقت.
وبالتأكيد سيكون لنا أيضا موعد خلال الشهر الفضيل من أجل توعية الساكنة بتوقيت رمي النفايات.. وهناك حملات لفائدة العمال لتوعيتهم بسبل الوقاية من ضربات الشمس خلال العمل، وبطرق الوقاية أيضا خلال عمليات التنظيف وجمع النفايات حتى لا يؤذوا انفسهم او يؤذوا الآخرين.

> كيف تنظرون إلى دور الجماعات المحلية في هذا السياق؟
< في مجال عملنا، نحن نعلم أن هناك العديد من الشركاء وأننا بالنهاية لا يمكن أن نشتغل وحدنا بل بتعاون من كل الأطراف من سلطات محلية وجماعات وغيرها، وبالتالي أكدنا أمام الأطراف التي تعاقدنا معها على دورها في إنجاح مشروعنا، وكذا على ضرورة التواصل والتنسيق المستمرين حفاظا على حسن سير العمل. وبالفعل هناك تجاوب نلمسه خلال الاجتماعات  المشتركة التي نعقدها كل أسبوع على مستوى العمالات والجماعات، إضافة للاجتماعات الدورية التي نعقدها في الفترات الموسمية لإنجاح الجهود المبذولة بمناسبة عيد الأضحى مثلا.

> خلال لقائكم مع الصحفيين بالرباط، كررتم عدة مرات عبارة «خصوصية البلد» في سياق الحديث عن استراتيجية عمل الشركة بالمغرب. ماذا تعني بمسألة الخصوصية بالضبط؟
< المقصد هو أن «أفيردا» الدولية تشتغل بأكثر من 20 بلدا عبر العالم. وكل دولة بطبيعة الحال لها خصائصها في كيفية تعامل المواطن مع الأزبال وتوقيت وطريقة إخراجها، وحتى نوع النفايات التي يصدرها بكثرة. فمثلا نسبة المواد العضوية في الأزبال يمكن أن تغير كل شيء في طريقة عملنا وفي التقنيات ونوع الآليات المستخدمة  في جمع الأزبال.. ومن الخصوصيات التي لاحظناها بالمغرب، مثلا، أنه خلافا للعديد من الدول،  الأطفال الصغار هم من يقوم هنا بنقل القمامة المنزلية من البيت إلى الحاوية بتكليف من الأهل، وهو ما له علاقة في عملنا بمستوى قرب الحاوية من المنزل وكذا بحجم وشكل الحاوية، بحيث يجب أن تكون قصيرة إلى حد ما حتى يمكن لهذا الطفل أن يرمي القمامة بداخلها ولا يضعها بجانب الحاوية. دراسة الميدان هذه نقوم بها في أي بلد حللنا به حيث ندرس ثقافته وكيفية تعامل مواطنيه مع الأزبال ونوعيتها، وهذه التغييرات البسيطة في طريقة العمل هي التي بإمكانها أن تصنع الفرق وهي التي كانت سببا أيضا في نجاح عملنا هنا بالمغرب.  

> هل هناك ملاحظات حول هذه الخصوصية عندنا؟
< لا يمكنني القول إن هناك معايير يحدد على أساسها ما إذا كان توجه الساكنة خاطئا أو صائبا.. هناك اختلافات في كل بلد ونحن نحاول تكييف عملنا معه.. قبل شروعنا في العمل بالمغرب، مثلا، لم تكن هناك حاويات بحجم 1100 أو 1400 كلغ، كل الحاويات كانت لا تتجاوز 700. لكن مع ملاحظتنا لنوعية ومستوى كثافة النفايات المنزلية، قمنا بنوع من التغيير وغيرنا حجم وشكل الحاويات، مما أسهم في نجاح التجربة حيث مكن ازدياد حجم الحاويات من الحد من مشكل تراكم النفايات.
هناك نسبيا مشكل في الرمي العشوائي، مثلا، عندما يقوم شخص بإصلاح جزء من بيته فإنه يمكن أن يرمي مخلفات البناء في أي مكان حتى وإن كان ذلك مخلا بنظافة وجمالية المحيط..

 > بالنسبة لسلوك الساكنة، وبعلاقة مع مسألة المرور إلى مرحلة الفرز والتدوير، أليس هناك مبادرات لتوعية الساكنة وتغيير سلوكها من الرمي العشوائي كما تقول إلى سلوك يقربنا من مرحلة الفرز والتدوير؟
< حتى أكون صريحا معك، وحتى لا أحمل المواطن مسؤولية أكثر مما يتحمل، وقبل مجيئنا إلى مدينة الدار البيضاء، كان هناك بالفعل مشكل نظافة حقيقي.. لكن أتفهم المواطن عندما يخرج من بيته ويرى حالة الشارع ويشاهد الحاويات ممتلئة عن آخرها ومكسورة أيضا، فيقوم هو أيضا بالرمي العشوائي ولا يكلف نفسه عناء الوصول الى الحاوية ووضع القمامة بداخلها. لكن ما حصل بعد ذلك هو أن التغيير الذي حصل في طريقة ونوعية العمل، جعل واقع النظافة يتغير ومستوى تعامل المواطن مع النفايات يرتقي. لأنه لاحظ تحسنا في النظافة فأصبح بدوره يساهم في الحفاظ عليها. وهنا يأتي دورنا في التغيير لأن المسؤولية ليست فقط على المواطن بل هي مسؤوليتنا جميعا. بالنسبة لعملية الفرز، وكما قلت لك، هناك استعداد لدى الشركة ولدى الساكنة للمرور إلى هذه المرحلة، ونحن نستحضر هذا الجانب أيضا في حملاتنا التحسيسية المختلفة التي تستهدف الساكنة حيث نتحدث عن بعض سلوكات التعامل مع النفايات التي تسهل عملية الفرز عند المصدر.. ولكن الأمر يحتاج إلى خطوة أولية تقوم بها السلطات المعنية. وأنا اعتقد أن هذه الأخيرة أيضا واعية بالمسألة ولديها خطة جاهزة للتنفيذ في أقرب وقت…

> ماهي الإكراهات التي تواجهونها في عملكم؟
< بغض النظر عن أي مشاكل وأي إكراهات، لا بد للشركة أن تقوم بدورها في خدمة المواطن.. دورنا هو أن نقدم الحلول مهما كانت المشاكل الموجودة في الواقع ومعها كانت أسبابها أو مصادرها.. مشكل النظافة هو مشكل «افيردا» وليس مشكل المواطن.. هذا الأخير يمكن أن يساعد ويساهم ولكن المسؤولية الأولى والأخيرة تبقى علينا..

> وفي علاقتكم مع المسؤولين على تدبير الشأن المحلي؟
< هناك تعاون بيننا وليست هناك مشاكل تستحق الوقوف عندها فعلا.. هناك بعض الجوانب القليلة التي يمكن ان يتم تحسين دور السلطات في مواجهتها مثلا فيما يتعلق بالرمي العشوائي، أو بفكرة إحداث شرطة بيئية، وتحسين مستوى المراقبة ، لكن عموما هناك تعاون يومي وتظافر للجهود من قبل جميع الأطراف.

> كيف تقيمون تجربة الشركة بالمغرب؟ وهل هناك مجال لتطويرها مستقبلا من ناحية مردودية قطاع تدبير النفايات؟
< غاية ومهمة الشركة ليست فقط اقتصادية ولا ترتبط فقط بتحقيق أرقام  ونسب معاملات إيجابية.. فبغض النظر عن الأرقام تهمنا بالأساس صورة وسمعة الشركة في المدن التي نشتغل بها، ويهمنا أن نسمع من المواطنين ان «افيردا» وفريق عملها بالمغرب تمكنوا من تحقيق تغيير إيجابي في هذا المجال.. هذا هو هدفنا، خاصة أننا شركة دولية وأن المغرب دولة عزيزة علينا ومهمة في استراتيجية عملنا كنموذج وكبوابة للتوسع في دول أخرى على مستوى القارة الإفريقية.
> تحدثتم عن العمال على أنهم بمثابة رأسمال حقيقي بالنسبة للشركة، كيف تعملون على تأهيل وتحسين أوضاع اليد العاملة؟
<  العمال هم الأساس وهم ركيزة عمل «أفيردا»، بدونهم لا يمكن أن نفعل شيئا.. نجن نضع البرامج والخطط لكن هم من يقوم بتنفيذها.. وهذا يعني أن نجاحهم هو نجاح للشركة.. ولذلك فإننا منذ البدء وضعنا أيدينا بأيديهم وبأيدي نقاباتهم التمثيلية. وبغض النظر عن الالتزامات التعاقدية مع زبنائنا قمنا بالعديد من الخطوات باتجاه عمالنا خارج إطار العقدة وخارج الميزانية.. على سبيل المثال لم نتردد في تقديم منحة الاضحى تقديرا للجهود التي يقومون بها في هذه الفترة.. والفكرة ليست هي تقديم منحة  بقدر ما نحن واعين بأن تحسين وضعية العامل تعني أيضا تحسين مستوى إنتاجيته ومردوديته…هذا فضلا عن قيامنا بتنظيم دورات تكوينية لفائدتهم وتوعيتهم بأساليب الحفاظ على صحتهم وسلامتهم .. غيرنا أيضا أسلوب التعامل مع النقابات التمثيلية، كسرنا الحواجز وحسنا مستوى التواصل، مما مكن من تجاوز العديد من المشاكل التي كانت تحصل من قبل.. فبالنهاية هؤلاء عمال الشركة بغض النظر عن انتمائهم النقابي الذي يعد أيضا حقا قانونيا مكتسبا ويجب أن يحترمه الجميع.

> جميل أن يكون تعاملكم مع مستخدميكم بهذا الشكل الذي يغير من صورة نمطية  معينة كانت تلصق عنوة بعمال النظافة كفئة لا تحظى بما تستحقه من اهتمام، على الرغم من الدور الاجتماعي والتنموي الحيوي الذي تضطلع به هذه الفئة.. لكن هذا التغيير لم نلمسه بشكل واضح في تحسين الوضع المادي لعامل النظافة، فهو مازال يتقاضى اجرة لا تتعدى الحد الأدنى.. أليس هناك سبيل إلى تغيير ذلك أيضا؟
< يمكن القول إن قوة «أفيردا» تتمثل أيضا في تغيير العقليات بهذا الشأن.. فهي ليست مراقبا ومسيرا فقط، بل تعمل من أجل التأثير والتغيير الإيجابيين.. فكل شخص مهما كان مستواه العلمي او الاجتماعي بإمكانه أن يكون مواطنا منتجا، وهذا ما لمسناه لدى عمالنا، فكلهم قادرون على أن يكونوا منتجين وفاعلين بشكل افضل.. وحتى إذا كانت لديهم مشاكلهم الخاصة فإن الشركة مطالبة بأن تعرف كيف تتعامل معها بكيفية تمكنهم من أن يصيروا إلى الأحسن وليعطوا بدورهم أفضل ما عندهم..
بالنسبة إلى مسالة تحسين الأجور، هنا الأمر يرتبط أيضا بدفاتر التحملات التي تربط الشركة بأطراف أخرى، والتي تتضمن شروطا لا يمكن الخروج عنها بأي حال. فميزانية القطاع هي مرتبطة أساسا بميزانية الجماعات، وبالتالي فإن أي حديث بالموضوع يجب أن يتم فيه الرجوع إلى هذه الجماعات التي بدورها سيكون عليها تدارس المسألة بشكل مشترك على مستوى الدار البيضاء الكبرى، مثلا، حتى يمكن أخذ قرار موحد بهذا الشأن، وباتفاق أيضا مع مختلف الشركات المتدخلة في التدبير المفوض للقطاع.

حاورته سميرة الشناوي

Related posts

Top