في مئوية ميلاد علي يعتة.. نبش في مسار رجل متميز آمن بقضايا الوطن وتشبع بتجربة الأممية وهم الإنسانية

احتفى حزب التقدم والاشتراكية مساء الأربعاء الماضي بالذكرى المئوية لميلاد مؤسسه وأحد مؤسسي الحزب الشيوعي المغربي علي يعتة، الذي خاض مسارا من العطاء في المجال السياسي والإعلامي امتد لأزيد من 50 عاما إلى أن وفاته المنية في غشت 1997.
وأجمع عدد من المتدخلين في اللقاء الاحتفاء بمئوية ميلاد علي يعتة الذي نظمه الحزب بتقنية التواصل عن بعد، بسبب ظروف الجائحة، (أجمعوا) على مسار الرجل المتميز الذي ترك بصمة واضحة في التاريخ المغربي.
في هذا السياق قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن علي يعتة لعب دورا أساسيا ورياديا في التاريخ المغربي، سواء من خلال نشاطه السياسي على رأس الحزب الشيوعي المغربي، وبعده التحرر والاشتراكية، فالتقدم والاشتراكية فيما بعد، أو على مستوى عمله الإعلامي الذي أخلص فيه للوطن والقضايا العادلة واختار الانحياز لكل ما هو نبيل وعادل.
وعاد نبيل بنعبد الله ليذكر بمسار سي علي، كما كان يناديه الجميع، حيث بدأ بفترة شبابه التي التحق فيها بالعمل الوطني وانخرط في شبابه في تأسيس الحزب الشيوعي المغربي بداية الأربعينيات بعدما تلقى تعليمه وتكوينه السياسي على يد كبار الأساتذة الأجلاء في قضايا أصول الدين والعلوم الدينية وعلوم اللغة، حيث كان منذ بداياته متشبثا بقوة بأصوله وتراثه وفي نفس الوقت يتميز بالانفتاح على العالم والفكر التحرري والقيم الكونية الذي يجسده الفكر الماركسي.
وأبرز بنعبد الله أن سي علي وبمعية عدد من المناضلين المغاربة عمل بدءا من 1946 على إعطاء دفعة قوية وجديدة للحزب الشيوعي المغربي من خلال تحمل مسؤولية أمانته العامة إلى حين وفاته في 13 غشت 1997، إذ تحمل مسؤوليته بقيادة الحزب إلى جانب عدد من المناضلين المغاربة الآخرين سواء من أصول مسلمة أو من أصول يهودية.
وتابع بنعبد الله أن “الحزب لعب طيلة فترة المطالبة بالاستقلال دورا أساسيا ورياديا في الدفاع عن قضايا الوطن، كما دل على ذلك الاستقبال الذي خصه سلطان البلاد في 1946 لقيادة الحزب في نوع من الاعتراف بالدور الوطني الكبير الذي يلعبه الحزب من أجل الاستقلال”، مضيفا أن ذلك جاء بعد كثير من المحن التي عاشها سي علي.
بعد الاستقلال، يؤكد بنعبد الله أن علي يعتة استمر في عمله ونضاله، وعرف أيضا مزيدا من المحن وعاش محطات صعبة، قبل أن يتمكن من الاستقرار بشكل نهائي في المغرب وأن يلعب دوره في قيادة الحزب، إلى أن عرف الحزب بعد فترة قصيرة صعوبات أخرى مجددا من خلال صدور حكم في ظل حكومة سي عبد الله إبراهيم آنذاك في 1959، والذي منع الحزب الشيوعي المغربي.
وكشف بنعبد الله أن سي علي وبالرغم من ذلك ظل إلى جانب مناضلي الحزب يعملون في سرية مطلقة طيلة عقد الستينيات مساهمين في كل المعارك الكبرى، سواء تعلق الأمر بانتخابات 1963 التي ترشح لها إلى جانب عدد من المناضلين أو المظاهرات الكبيرة التي عرفها المغرب خاصة منها 1965، مشيرا إلى أن من شيمه الأساسية أنه رجل وطني ووحدوي ومتشبث بوطنه حتى النخاع، ومؤمن بوحدوية العمل اليساري والصف الوطني.

ويشدد بنعبد لله في كلمته خلال ذات اللقاء الذي سيره عزوز الصنهاجي عضو المكتب السياسي للحزب أن سي علي، وفي نفس الوقت، كان من الذين يستطيعون المزج بين التضامن الأممي وإعطاء الأسبقية للقضايا الوطنية الأساسية ومن ضمنها قضية الوحدة الترابية، بالرغم مما عاشه من محن.
وأوضح بنعبد الله أن سجن المناضل علي يعتة جاء بعد الدور الذي لعبه الحزب في مؤتمر بروسيا، والذي كان فيه الحزب الوحيد الذي ألح على أن قضية فلسطين هي قضية تحرر وطني وقضية شعب يناضل من أجل استقراره وتحرره.
وعاد بنعبد الله للتذكير بميزات الراحل والتي من ضمنها الممارسة الإعلامية النبيلة، إذ أنه وقبل حصول المغرب على الاستقلال كان يمارس سي علي العمل الإعلامي النبيل والملتزم، مبرزا أن الراحل تحمل مسؤولية كبيرة في صحافة الحزب وبالخصوص بالنسبة لجريدتي “البيان” بالفرنسية” والبيان بالعربية، و”بيان اليوم” بعد ذلك.
وشدد الأمين العام الحالي لحزب التقدم والاشتراكية أن الجميع يشهد بالدور الذي لعبه سي علي في المجال الإعلامي خصوصا وأنه كان من الأوائل الذين أسسوا النقابة الوطنية للصحافة المغربية سنة 1963، مردفا أن ذلك يكشف التحامه بمختلف القضايا والمجالات ذات الأهمية.
ويرى بنعبد الله على أن سي علي عرف كيف يكون له دور أساسي للحفاظ على الحزب ووحدته، من جهة وفي تجنب الانزلاقات اليسارية المتطرفة من جهة أخرى بالرغم من المحن التي عرفها الحزب في الستينيات، حيث عرف كيف يحول الحزب تدريجيا عبر حقبتين.
أولى الحقب، حددها زعيم حزب “الكتاب” في بداية 1974، حينما تطلب الأمر أن يدخل الحزب توافق تاريخي مع المؤسسة الملكية من خلال رجوع الحزب إلى جانب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ونسبيا حزب الاستقلال إلى المشروعية من أجل المساهمة بشكل كبير في مسيرة تحرير البلاد والصحراء والدخول إلى معركة من أجل توسيع الديمقراطية.
في هذا الإطار، قال بنعبد الله “إن ذلك كان يستلزم للحزب قدرة عل التكيف مع هذا الوضع الجديد، وأيضا بالنسبة لسي علي وعدد من المناضلات والمناضلين في القيادة الوطنية والذين لعبوا دورا أساسيا في ذلك”.
وبالنسبة للحقبة الثانية، أوضح بنعبد الله أنها مرتبطة بظروف التئام “الكتلة الوطنية”، والتي قال إنه كان لسي علي دور أساسي في ذلك، خصوصا وأن الحزب ظل ينادي لوحدة الصف الوطني الديمقراطي، إذ ورغم العراقيل من داخل الكتلة الديمقراطية استمر الحزب وعلي يعتة في الدفاع عن هذه المقاربة التي أفضت إلى قيام حكومة التناوب.
وأشاد بنعبد الله بهذا المسار، الذي بصمه علي يعتة على حزب التقدم والاشتراكية ذي الأصول العمالية والتقدمية والماركسية، حيث أورد أن قوة سي علي تكمن في كونه استطاع بمعية القيادة الوطنية للحزب في احتضان النقاش الأساسي عندما سقط جدار برلين، “إذ أنه لم يكن من المتحجرين والجامدين على المستوى الفكري، بل استطاع أن يعطي بصمة كذلك في إطار مقاربة جماعية إلى الحزب ليكون قادرا على التكيف مع الواقع الدولي الجديد وأساسا مع الواقع المغربي”، وفق تعبير المتحدث.
من جانبه، قال عبد الواحد سهيل رئيس مؤسسة علي يعتة إن الاحتفاء بمئوية الراحل هو احتفاء بمسار حافل لما تميز به علي يعتة من حنكة وقوة ورصانة، وكذا ما حمله من أفكار وتجارب غنية.
وبعدما عاد سهيل لذكرى ميلاد علي يعتة في 1920 بطنجة، ذكر سهيل بشخصيته التي صقلته ظروف النشأة وحياة الطفولة وكذا محيطه، خصوصا بعد انتقاله إلى الدارالبيضاء في 1933، بعدما كان قد تلقى تعليما تقليديا من خلال دراسة العلوم الدينية وعلوم اللغة، قبل أن يلتحق بعدها بـ “ليسي اليوطي” وتعديد مصادر تعلمه.
وأضاف سهيل أن قدوم علي يعتة إلى مدينة البيضاء غير من شخصيته لما كان يتميز به من تفكير ورصانة، فضلا عن كون المدينة كان بيئة خصبة لنشاطه وأفكاره، إذ كان يطغى عليها الوجه الاستعماري أكثر من أي مدينة أخرى.
في هذه المرحلة، أي بعد انتقاله إلى مدينة الدارالبيضاء، واستكمال تعليمه بالمدينة، ربط علي يعتة علاقة مع زملائه، الذين اشتركوا في حمل هم الوطن وطمحوا لنيل الاستقلال، حيث قال عبد الواحد سهيل في هذا الصدد، “إن ذلك كان له دور في تكوين شخصية سي علي، وكان مثل عدد كبير من المتعلمين رجل يحمل هم وطنه وهو ما ميز ذلك الجيل برمته، وكان حاضرا في أذهانهم”.
وخلال التحاقه بالحزب الشيوعي المغربين وعندما جاء وقت الحسم وكان عضوا في الحزب لم يكن بإمكان سي علي، يقول سهيل، أن يعتبر كما يعتبر الشيوعيين آنذاك أن الاشتراكية التي ستقوم ستحل الإشكاليات القائمة والإشكاليات المعقدة كإشكالية الاستقلال الوطني وتطوير الشعوب المستعمرة، معتبرا أن مثل هذه الفلسفة أبرزت مدى امتلاك الرجل لعناصر التحليل العميق، خصوصا أنها ذاتها الأفكار التي ظهرت مع شيوعيين آخرين منهم “هوشيمين” وماو تسي تونغ”.
وإلى جانب امتلاكه ملكة التحليل السياسي الرصين، أبرز سهيل القيادي في حزب “الكتاب” ممن عاصروا الراحل علي يعتة أنه كان رجلا منصتا غير منفرد بالرأي، كما يعمل بشكل جماعي وينصت ويصيغ الرأي الجماعي.
كما امتاز علي يعتة بالتشبث بخوض المعركة من أجل استقلال المغرب، والتي قال سهيل المتحدث إنها كانت معركة مصيرية، مضحيا بحياته وبشبابه من أجل استقلال المغرب، مردفا في هذا السياق، أن أصعب ما عشه الراحل يعتة الذي قدم هذه التضحيات أن يواجه في فترة من تاريخه منعه من دول بلاده، بحيث لا يستطيع دخول المغرب لكون لا يحمل جنسية مغربية، معتبرا ذلك قمة العبث التي عاشها الراحل قيد حياته.
وأردف رئيس مؤسسة علي يعتة الحالي أن السلطان محمد الخامس استقبل علي يعتة وأكد له بأنه مغربي المنشأ ومغربي النضال ومغربي التكوين، مشيرا إلى أنه انتزع مغربيته بكل جدارة واستحقاق.
إلى ذلك سجل سهيل أن معركة علي يعتة ضد الاستعمار كانت معركة وطنية وأيضا معركة أممية، مؤكدا علي يعتة كان، كذلك، مساندا للشعب الجزائري والثورة الجزائرية وعدد من النضالات. بالإضافة إلى ذلك شدد المتحدث على أن علي يعتة كان مناضلا على الوحدة الترابية، ويحمل همها بهاجس غريب.
وأوضح سهيل أن الحزب احتفظ بمواقفه المتوازنة وعلاقاته مع جميع الأطراف، ولم يكن في يوم ما حزب تابعا لأي طرف سواء داخل المغرب أو خارجه.
في هذا الإطار، ذكر سهيل بتقرير اللجنة المركزية سنة 1946 الذي تحدث عن الديمقراطية والانتخابات وربط الاستقلال بمؤسسات قوية وديمقراطية، وهو ما تمت الإشارة إليه بشكل محتشم في وثيقة الاستقلال عكس تقرير الحزب الشيوعي الذي كان قويا وتشبث بهذه الفكرة.
كما كان علي يعتة يعتبر أن الديمقراطية مرتبطة بالنضال الجماهيري، كما كان يؤكد على ضرورة تقوية المؤسسات، وهو ما أبان عنه، حسب سهيل، في المحاولة الانقلابية الأولى 1971 والثانية في 1972 والتي تدل جل تقارير الحزب أنها أدانت العمليتين واعتبرتهما مغامرة وفتح باب على المجهول في الوقت الذي كانت فيه قوى من اليسار تعتبر عكس ذلك.
ومن مزايا علي يعتة التي دعا سهيل إلى استخلاص العبر منها، هي التشبث بالدفاع عن قضايا الوطن ليس كحدود فقط وإنما ككيان يسعى إلى الحياة الكريمة، وطن للجميع، وطن يطمح للتقدم ووطن للفلاحين والفقراء والمبدعين ويسع الجميع ومختلف المشارب.
من جانبه، قال الكاتب والإعلامي عبد الرحيم التوراني إن سي علي يعتة يعتبر أحد رجالات المغرب الكبار خلال القرن العشرين، بخصاله وتراثه النضالي الخالد، وما قدمه من نضالات وتضحيات في سبيل الوطن.
وعاد الإعلامي التوراني لأول مرة سمع فيها باسم علي يعتة، حينما كان تلميذا في الإعدادية من قبل زميل في الدراسة ومعرفته بحزب التحرر والاشتراكية بعد منع نشاط الحزب، والعودة للعمل السري، ثم بعد ذلك حين تلقى أول منشور سري يتعلق بطلبة التحرر والاشتراكية بكلية الحقوق بالدارالبيضاء، والذي حصل عليه من طرف الطالب الراحل الزكراوي، والذي كان يطلق عليه إلى جانب مجموعة من المناضلات المناضلين بـ “اليعتاويين” نسبة إلى علي يعتة.
وذكر التوراني بعلاقته بالحزب، والتي تكونت مع مجموعة من المناضلين، وذلك حينما سُمح لعلي يعتة بالعمل من جديد تحت اسم التقدم والاشتراكية وعودة طبع جريدة “البيان”، وقال المتحدث “كنت قد انضممت إلى صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي) وربطتي علاقات قوية بمجموعة من المناضلين في حزب التقدم والاشتراكية وكانت تجمعنا نقاشات، كما أن أول مقال أدبي نشر لي كان على صفحات أسبوعية “البيان”.
وشدد التوراني على أن صورة سي علي ظلت لديه صورة غائمة في البداية، لكني قمت بتركيب تفاصليها في مخيلتي بكل ما تتميز به من صلابة وقوة وقسوة وغموض، مردفا “لكن الأنشطة التي كان يترأسها سي علي أتاحت لي أن اعرفه عن قرب، خصوصا في اللقاء الجماهيرية والمحاضرات المفتوحة التي كان يترأسها سي علي والتي كان يحتضنها مبنى المسرح البلدي بشارع باريس، إذ هناك تعرفت على فصاحته وأتيحت لي الفرصة أن أسمع صوته الجهوري وكان المسرح يمتلأ عن آخره بالحضور وأغلب الحاضرين من الطلبة والشباب”.
وذهب الكاتب الإعلامي إلى معرفته بالراحل علي يعتة، حينما التحق بمهنة الصحافة، حيث كانت جمعته حوارات صحافية مع علي يعتة بصفته الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، مشيرا إلى أنه ومنذ ذاك الحين ربطته علاقات قوية بينهما، مشيرا إلى أنه كان منفتحا ولا يتردد في التعامل مع الجميع.
وشدد التوراني أن ما ميز علي يعتة هو إيمانه بالوحدة، بحيث كان يرفض أي انقسام في صفوف اليسار، أو أي صراع بين مكوناتها، إذ كان دائما ما يدعو للوحدة ويبادر للتواصل، مضيفا أن معرفته بالراحل علي يعتة شكل له صورة جديدة صورة حقيقية عن الرجل عكس ما كان يتصوره.
من جانبه، تطرق إسماعيل العلوي، رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، والرئيس السابق لمؤسسة علي يعته، إلى دور الزعيم الوطني والتقدمي علي يعته والقضية الوطنية، مبرزا في السياق ذاته، أن القضية الوطنية بالنسبة للراحل، لم تكن مرتبطة فقط بالوحدة الترابية، بل أيضا بتحرير الوطن من الاستعمار وفرض سيادته وشخصته المستقلة في الأوساط الدولية.
فقد كان علي يعته، يضيف العلوي، ينطلق من مقولة المفكر الفرنسي، جان جوريس “قليل من الأممية يبعدنا عن الوطن، وكثير من الأممية يقربنا من الوطن”. وهو ما يفيد أن علي يعته كان يربط، دائما، بين ما يقع من أحداث على المستوى الوطني، بما يقع على المستوى العالمي، خاصة، وأن نضالات الشعوب من أجل التحرر من الاستغلال والأمبريالية، كانت هي الحدث البارز في تلك المرحلة، وكان علي يعته يوجد في صلب التضامن والتفاعل معها.
ومن غرائب الأمور، يقول إسماعيل العلوي ” إن ما لاحظته وأنا أتأمل في حياة الرفيق علي يعته، هو أنه في الواقع، وبشكل غريزي، عندما كان يهتم بالقضايا الوطنية ويربطها دائما بالقضايا الدولية، كان يبقى وفيا لدلالة تاريخ ولادته، أي سنة 1920، والتي هي سنة حرب الريف المجيدة، وهي السنة التي احتضنت فيها مدينة باكو بأذربيجان مؤتمر شعوب الشرق الذي ضم كل الدول التي كانت تسعى إلى الانعتاق والتحرر من الامبريالية والاستعمار، وأن تفرض وجودها على الساحة الدولية كشعوب حرة ومستقلة”، مشيرا إلى أن علي يعته، ظل وفيا لدلالة هذين الحدثين البارزين اللذان بصما ولادته، وبقيا كذلك إلى أن وافته المنية.
وعندما بلغ علي يعته سن الرشد، مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، التحق بالحزب الوطني، حسب رفيق دربه إسماعيل العلوي، وهو الحزب الذي كان من أبرز زعمائه الراحل علال الفاسي، بعدها أرشده العلامة الوطني بوشتى الجامعي الذي كان يساير الشاب علي يعته المهتم بالقضية الوطنية وقضية التحرر الوطني وقضايا الكادحين، للالتحاق بالحزب الشيوعي بالمغرب.
وأضاف إسماعيل العلوي أن التحاق علي يعته بالحزب الشيوعي بالمغرب، في تلك الفترة، شكل نقطة انطلاق للحركة الشيوعية في المغرب، خاصة وأن تلك المرحلة لم يكن الحزب الشيوعي في المغرب موجودا بعد، وأن كل ما كان هناك هو مجرد أنوية من أطر وعمال مغاربة وأجانب الذين أسسوا فيما بعد الحزب الشيوعي في المغرب.
وأوضح إسماعيل العلوي أن الظروف والملابسات السياسية التي رافقت تلك الفترة، سرعت الانتقال من الحزب الشيوعي في المغرب إلى الحزب الشيوعي المغربي، مشيرا إلى أن التحاق علي يعته آنذاك بتلك الأنوية الشيوعية التي كانت موجودة في بلادنا آنذاك، والتي التحق بها أيضا رفاق آخرون من قبيل قيدوم الحزب الشيوعي المغربي الرفيق الراحل عبد السلام بورقية، و أحمد الماضي وإدريس العلوي ورفاق آخرون، حولوا الحزب الشيوعي في المغرب إلى الحزب الشيوعي المغربي، شهر فبراير من سنة 1943، مشيرا إلى أن الظروف كانت مساعدة على ذلك، لأن فرنسا كانت منهزمة أمام النازية، وهو ما أدى إلى انتعاش الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار والتي شعرت بأن الوقت مناسب للمطالبة بالاستقلال، وإخراج المستعمر الفرنسي، بالإضافة إلى انكسار النازية، في تلك الفترة، أي في فبراير 1943، أمام الجيوش السوفيتية في ستالين غراد، وفي الوقت ذاته، كان هناك نزول الجيوش الأمريكية بالدار البيضاء.
وذكر رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، بالعرائض التي تقدم بها الوطنيون آنذاك للمطالبة بالاستقلال، مثل تلك التي تم التوقيع عليها في الشمال سنة 1943 من طرف الوطنيين، من ضمنهم عبد السلام بنونة وعبد الخالق الطريس ثم، نفس الأمر قام به الوطنيون في 11 يناير من سنة 1944، وجاءت بعدها المبادرة التي قام بها حزب الشورى والاستقلال.
وبحسب إسماعيل العلوي، لم يكن من اللائق أن يبقى الحزب الشيوعي المغربي معزولا عن هذه المبادرات المطلبية، وبالتالي فقد وقع قياديو الحزب على العريضة الشعبية المطالبة بالاستقلال
ثم آخذوا على عاتقهم أن يترجموا على أرض الواقع، ما ورد في الجريدة الناطقة باسم الشيوعيين آنذاك سنة 1942 وهي جريدة “الوطن” والمتمثلة في المطالبة بالاستقلال، مشيرا إلى أن هذا الأمر اصطدم، بكون أن العديد من المنخرطين في الحزب آنذاك، كانوا من الأجانب، وكانوا يعتبرون أن قضية تصفية النازية، هي القضية الأولى التي ينغي أن ينكب عليها الجميع، وبعد ذلك يمكن الوصول إلى المطالبة بالاستقلال، مؤكدا على أن هذا التصور بطبيعة الحال، هو تصور فرنسي، ولم يكن يقبله الشيوعيون المغاربة. وبالتالي، يضيف العلوي، فقد كان هناك عمل مضني خاضه علي يعته ورفاقه للتخلص من هذا الموقف، الذي كان موقفا انتهازيا يمس مشاعر المغاربة بالأساس.
هذا الواقع، يورد إسماعيل العلوي، أدى إلى كون الحزب عاش مخاضا كبيرا داخل صفوفه، وتكاثر عدد المناضلين المغاربة في صفوفه، مما جعل المؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي المغربي الذي انعقد شهر أبريل سنة 1946 يركز في خلاصاته، على المطالبة باستقلال الوطن، و المطالبة بوحدة التراب الوطني. وهذا شيء مهم ، يقول المتدخل، لأنه، منذ تلك الفترة، طرحت هذه القضية كقضية أساسية، كما طالب المؤتمر بلجنة تأسيسية لوضع الدستور، وطالب في نفس الوقت بإجراء انتخابات تشريعية دون أن ينسى الجانب الاقتصادي والاجتماعي، حيث طالب بالاستقلال الاقتصادي للوطن والقيام بإصلاح زراعي من شأنه أن يستجيب، لتطلعات الوطن وللتطلعات الاجتماعية للعمال والفلاحين المغاربة.
وبما أن المكتب السياسي المنبثق عن اللجنة المركزية الأولى بعد المؤتمر، كان أغلب أعضائه من المغاربة، يضيف إسماعيل العلوي، أصبح علي يعته هو الأمين الأول للحزب الذي قدم التقرير أمام أعضاء اللجنة المركزية، ومن ثمة سطع نجم زعيم الشيوعيين المغاربة، وبرهن عن حماسه البالغ، مما جعل الإدارة الفرنسية تتخوف كثيرا من هذه الحركة الفتية التي أصبحت تتصدر الساحة السياسية على المستوى الاجتماعي، وعندما انتقلت فرنسا، حسب إفادة اسماعيل العلوي، من الحكومة الائتلافية التي كان يوجد بها الشيوعيون، وبعدما غادر المقيم العام الليبرالي منصبه سنة 1947، سرعان قررت فرنسا التشدد مع الحركة الوطنية المغربية، وتقرر نفي علي يعته مع مجموعة من المناضلين وتم طرده إلى الجزائر حيث سجن هناك في سجن بابا عروج قبل أن يتمكن من الفرار من هذا اسجن والعودة إلى المغرب مرة أخرى، حيث ألقي عليه القبض من جديد وأعيد إلى الجزائر وعاد إلى المغرب ثم نفي مجددا، لكن هذه المرة لم يكتف الفرنسيون بتركه في منفاه بالجزائر بل نقلوه إلى فرنسا وقدموه إلى محكمة عسكرية، بعدما قضى مدة في سجن مارساي، ثم في باريس ووجهت له تهمة المس بالأمن الداخلي والخارجي لفرنسا،
وطالب وكيل الجمهورية، حينها، بالإعدام في حقه، ولولا دعم اليسار الفرنسي، يقول العلوي، “لنفذت في حقه عقوبة الإعدام” مشيرا إلى أنه بقي منفيا في فرنسا مدة عشر سنوات، أي حتى سنة 1948 . والغريب في الأمر، يضيف الرئيس السابق لمؤسسة علي يعته، أنه أبعد مرتين من وطنه في عهد الاستقلال لأنه خالف قرارا وضعه المقيم العام الفرنسي في حقه، ولولا جرأة علي يعته لبقى منفيا لأطول مدة.
وذكر إسماعيل العلوي، في سياق حديثه عن تلك الفترة، بالدور الإيجابي الذي قام به الوطني الذي وصفه ب”الغيور” المعطي بوعبيد سنة 1948. الذي كان وكيلا للملك في طنجة، آنذاك، وهو الذي مكن علي يعته من البقاء على أرض الوطن، عندما اعترض على أمر طرده ، وقال “إنه من غير المقبول طرد وطني من وطنه الذي ناضل من أجل استقلاله”.
وأورد إسماعيل العلوي، أن محمد الخامس استدرك الأمر ومنح الزعيم علي يعته الذي كان ينحدر من أصول جزائرية، الجنسية المغربية، إلى جانب شخصيات أخرى من قبيل المستشار الملكي المعمري وأسرة الدكتور الخطيب. مشيرا إلى أن علي يعته، ظل بعدها من سنة 1948 إلى سنة 1958 يناضل من أجل البناء الديمقراطي، لكن مع الأسف، يضيف العلوي، كان هناك قرار الحكومة سنة 1959 يقضي بمنع الحزب الشيوعي المغربي، أي بمعنى أنه بعدما كان هناك اضطهاد من قبل الاستعمار أصبح الحزب وأفكاره ومناضلوه مضطهدين من قبل النظام المغربي القائم، وأن ما يزيد الأمر حسرة، بحسب إسماعيل العلوي، هو أن الحكومة التي أصدرت قرار المنع كانت تدعي أنها من اليسار، وكان على رأسها عبد الله إبراهيم، مشيرا إلى أن ذلك كان مؤسفا كون عناصر تقدمية هي التي أصدرت قرار منع الحزب الشيوعي المغربي، مذكرا بأن المحكمة الابتدائية رفضت قرار المنع واستأنفت الحكومة القرار وحصل المنع النهائي سنة 1961 .
مهما كان من أمر، فعلي يعته والحزب الذي كان على رأسه، يقول إسماعيل العلوي، لم يكن يخشى تسلسل أحداث الاضطهاد والمنع بل كان دائما رافعا لراية الدفاع على حقوق المضطهدين وحقوق العمال والكادحين والفلاحين المستضعفين، واتخذ من دفاعه على القضية الوطنية في إطارها الشمولي، الصحافة كمنبر للدفاع عن مصالح الوطن، ومصالح الشعب، مذكرا في السياق ذاته، بمنشورات الصحافة التي كانت تصدر آنذاك باسم الحزب رغم المنع والتي كان يديرها علي يعته والتي كانت دائما منبرا للدفاع عن الوطن والشعب وعن قضاياه العادلة، وكان في مقدمة تلك الجرائد، جريدة المكافح “من سنة 1962 إلى سنة 1965” التي تعرضت للمنع وذلك بارتباط مع الأحداث التي عرفتها تلك السنة. ثم جريدة الكفاح الوطني التي استمرت من سنة 1962 إلى سنة 1972 وهي السنة التي صدرت فيها جريدة البيان.
وأكد إسماعيل العلوي على أن علي يعتة خلال تلك الفترة، كان بالإضافة إلى عنايته بالقضايا الوطنية، لا ينسى القضايا الدولية وكان دائما حريصا على الدفاع على قضية الشعب الفلسطيني أولا ، ودعم ومساندة كل شعوب إفريقيا التي كانت تحت نير الاحتلال أو حديثة العهد بالاستقلال .
وفي علاقة بموضوع القضية الوطنية، المرتبطة بالمطالبة باستعادة الأقاليم الجنوبية المغربية، ذكر اسماعيل العلوي بعملين بارزين قام بهما علي يعته، الأول هو أنه أصدر سنة 1971 كتابا مهما يحمل عنوان “الصحراء الغربية” الذي تم حجزه ومنعه من التداول، وذكر العلوي في هذا السياق أنه ترأس إلى جانب علي يعته، اللقاء الذي نظم في مقر اتحاد كتاب المغرب بالرباط لتقديم هذا الكتاب، وخلالها ندد مؤلف هذا الكتاب الفريد، في تصريح له بالمناسبة، بالعديد من القوى اليسارية الشقيقة التي كانت تسعى لعرقلة تحرير هذه الأقاليم من النظام الفرانكاوي الاستعماري.
ودعا إسماعيل العلوي بالمناسبة إلى إعادة إحياء هذه الذكرى المئوية لرحيل الزعيم التقدمي والوطني على يعته، مباشرة بعد تعافي البلاد والعباد من وباء كورونا.
وذكر في السياق ذاته بأسماء بصمت تاريخ الحزب الشيوعي وحزب التحرر والاشتراكية وبعده التقدم والاشتراكية، وطبعت تاريخ المغرب الحديث، معبرا عن رغبته في ترجمة أعمال الراحل علي يعته من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية، وفي الوقت ذاته ترجمة أعماله التي كتبت بالفرنسية إلى اللغة العربية من أجل التعريف بهذا الوطني الغيور ومن خلالها بما قدمه حزب التقدم والاشتراكية للساحة السياسية الوطنية، وكيف ساهم في بناء تاريخ المغرب الحديث.
من جانبها تطرقت عائشة لبلق عضوة الديوان السياسي ورئيسة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، إلى موضوع محوري في التاريخ النضالي للراحل علي يعته ولحزب التقدم والاشتراكية، وهو موضوع مناصرة قضية المرأة والمساواة، مؤكدة على أن علي يعته كان يربط التقدم والتحرر المجتمعي بتحرر المرأة، وساقت في معرض مداخلتها مجموعة من الأسماء النسائية التي بصمت المسار النضالي للحزب الشيوعي المغرب وحزب التحرر والاشتراكية، والتقدم والاشتراكية من قبيل المناضلة الوطنية والشيوعية رابحة بنت ميمون والمناضلة الوطنية والشيوعية خدوج بنت الطاهر، وفرية عياش وغيرهن من الأسماء التي ناضلت إلى جانب الزعيم الوطني علي يعته.
وأوضحت عائشة لبلق، أن قضية المرأة شكلت بالنسبة لعلي يعته، منذ تلك الفترة، قضية محورية في مشروعه النضالي التحرري. وركزت رئيسة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، في مداخلتها، على مجموعة من التواريخ التي تعتبرها مفصلية في المسار النضالي لعلي يعته ولحزب التقدم والاشتراكية، أبرز هذه التواريخ، في نظر عائشة لبلق، سنة 1947 أي تحديدا سنة بعد تحول الحزب من الحزب الشيوعي بالمغرب إلى الحزب الشيوعي المغربي، والدور الذي اضطلعت به المناضلة التقدمية والشيوعية رابحة بنت ميمون من مدينة تادلة، والمناضلة التقدمية والشيوعية فرية عياش من البيضاء، والمناضلة التقدمة والشيوعية خدوج بنت الطاهر، إلى جانب مناضلات أخريات، مؤكدة أن هؤلاء المناضلات اللواتي أخذن على عاتقهن التحرر والاستقلال الوطني من الاستعمار، ناضلن أيضا ضد التميز والتفرقة بين الأوروبيين والمغاربة، ونبذن كل أشكال الاستغلال، وشاركن في احتجاجات قوية للتعبير عن رفضهن للسياسة الاستعمارية التي كانت تقوم على التميز وعلى الاستغلال.
وأضافت عائشة لبلق أن المناضلات الشيوعيات اللائي ناضلن إلى جانب الرعيل الأول من أمثال الرفيق علي يعته، ناضلن أيضا من أجل العيش الكريم، وناضلن في صفوف الطبقة العاملة سواء في المجال القروي كما هو الشأن بالنسبة للرفيقة رابحة بنت ميمون أوفي المجال الحضري كما هو الشأن بالنسبة للرفيقة فرية عياش، التي انخرطت في الشبيبة الشيوعية وفي الحزب الشيوعي، مشيرة إلى الدور الذي اضطلعت به هؤلاء المناضلات من أجل حث النساء المغربيات على الانخراط في النضال من أجل الدفاع عن قضاياهن، و من ثمة جاءت فكرة تأسيس اتحاد نساء المغرب من سنة 1944 إلى سنة 1950.
وذكرت القيادية في حزب التقدم والاشتراكية بالعمل الميداني الذي كانت تقوم به المناضلة رابحة بنت ميمون، وحضورها القوي في مؤتمر الحزب الشيوعي المغربي، سنة 1947، داعية مؤسسة علي يعته إلى نفض الغبار عن هؤلاء المناضلات والتعريف بنضالاتهم ودفاعهن عن قضايا المجتمع وفي مقدمته قضايا المرأة والمساواة.
وفي معرض حديثها، ساقت عائشة لبلق نموذجا آخر من الوجوه النسائية المناضلة التي بصمت تلك المرحلة من تاريخ السياسي ببلادنا، هي الرفيقة بنت بلعيد السوسي، التي كانت تعمل في معمل الحليب سنة 1952، وكانت أول مسؤولة نقابية، وكان لها وعي نقابي مرتبط بالوعي السياسي، قادت معارك نضالية داخل المعمل من أجل القضايا العادلة للعمال، وكانت هي من أخذت على عاتقها تقديم الملف المطلبي لمدير المعمل، وكان في مقدمته المطالبة باحترام التشريعات الموجودة في مجال العمل آنذاك، واحترام عطلة الأمومة، وقد تم اعتقالهما على إثر ذلك، وتضامنا معها، خاض عمال المعمل احتجاجات قوية دامت 44 يوما.
يشار إلى أن هذا اللقاء الذي تابعه على المباشر زهاء عشرة آلاف متابع عبر صفحة الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي، أداره الرفيق عزوز الصنهاجي عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، والذي أكد في كلمته التقديمية، أن الاحتفاء بالذكرى المئوية لميلاد علي يعتة، ليست فقط استحضاراً لوقائع من التاريخ، على أهميتها البالغة بل إنه محاولة لاستقراء تلك الوقائع وتفكيكها وتمحيصها لأجل استنباط محددات الحاضر واستخلاص العِبر والدروس واستشراف الآفاق….آفاق مغرب التقدم والديمقراطية والإنماء.
وقال الصنهاجي، “إننا لسنا بصدد رجل عادي… بالأحرى نحن بصدد رجل استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معاني. يجعلك الغوصُ في تفاصيل مسيرته مشدوداً ومشدوهاً ومنبهراً”.
وأكد عزوز الصنهاجي أن زعيم الشيوعيين المغاربة، ربط بشكل خلاق جدلية الفكر بالممارسة، وأنتج، في إطار قيادة الحزب، جهازاً مفاهيميا متماسكاً ومتكاملا في الساحة السياسية الوطنية، من قبيل: المسلسل الديمقراطي، والحل الوسط التاريخي، والتناوب التوافقي، والجبهة الوطنية الديمقراطية .وغيرها.

> محمد حجيوي
> توفيق أمزيان

Related posts

Top