قوانين الانتخابات و… أكثر

صادقت لجنة الداخلية بمجلس النواب، مساء أول أمس، على القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، وحسمت، بذلك، في النقاط التي بقيت خلافية ضمن مشاريع القوانين الانتخابية، واستأثرت بالجدل بين الفرقاء السياسيين طيلة شهور.
من المؤكد أن الخلاف في بعض هذه النقاط ليس تقنيا، وإنما يتصل بالمقاربة الهندسية العامة للعملية الانتخابية، وخصوصا لمسألة احتساب الأصوات، ولكن، في نفس الوقت، الأمر لا يلتصق فقط بهذه المقتضيات وحدها، وإنما يندرج في إطار التصور السياسي العام، ومن ثم يجب التفكير فيه ضمن التقييم العام لواقع بلادنا وحقلنا السياسي الوطني، وهنا لكل طرف رؤيته، وسيبقى الجدل مستمرا حول المقدمات المفضية والخلاصات الناجمة، أي حول الأسباب والنتائج.
في كل البلدان، تستحضر هندسة النظام الانتخابي ضرورة تحقيق التمثيلية الديمقراطية لكل مكونات الشعب، وأن تعكس التعددية السياسية، ومن ثم تخضع محددات النظام المتفق عليه للشروط المجتمعية العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتتطلع إلى تعزيز جودة أداء المؤسسات المنتخبة، وأيضا تقوية إقبال الناخبين على التصويت والمشاركة في الاقتراع، وبالتالي الانتصار لمضمون الديمقراطية التمثيلية ومحتواها.
بمناسبة استحقاقات تشريعية سابقة، كان جرى جدل واسع، وترافعت أطراف عديدة من أجل حذف»العتبة»، وعرضت من أجل ذلك تجارب دولية متنوعة، لكن ميزان القوى داخل المؤسسة التشريعية لم يتح ذلك، والآن جرى القبول بها، كما أنه تم اليوم التصديق على حذف»اللائحة الوطنية للشباب»، وهي التي قبل بها الجميع في الفترة السابقة، ونفس الشيء بالنسبة للدائرة الوطنية التي حولت اليوم إلى دوائر جهوية، واتفق على تقوية تمثيلية النساء، وكل هذه التبدلات تؤكد أن المقتضيات القانونية والتنظيمية للعملية الانتخابية تتأثر بموازين القوى الحزبية والسياسية، وبالظروف العامة في المجتمع.
ولهذا، الأساسي اليوم هو تطوير الوعي السياسي العام وسط شعبنا، وتمتين الانفراج الديمقراطي العام وأجواء الحرية والانفتاح وسط مجتمعنا، وتمتين الممارسة الحزبية الجادة، وكل هذا من شأنه التأثير في موازين القوى، والتطوير المستمر، بما في ذلك للقوانين الانتخابية.
يلمس الجميع اليوم أن ممارستنا السياسية تعاني التدني في السنوات الأخيرة، ويشهد أداء مؤسساتنا المنتخبة، المحلية والجهوية والوطنية، الكثير من الضعف، عدا استثناءات قليلة، وينتشر تبخيس كبير حوالينا للسياسة، ولدور الأحزاب، علاوة على الضعف السياسي والتواصلي لحضور الحكومة وأغلبيتها، وكل هذا، مجتمِعا، كرس اليوم حالة عامة تفرض التطلع إلى الخروج منها، وبداية خلق نفس سياسي عام مختلف في البلاد.
استحقاقات 2021، بغض النظر عن تغير بعض المقتضيات القانونية المنظمة لها، تقام إذن ضمن شروط مجتمعية وعامة تتميز بتداعيات زمن الجائحة وامتداداتها التنموية،  ويعني ذلك وجود تحديات اقتصادية واجتماعية وتدبيرية أساسية ستطرح على بلادنا ضمن مرحلة ما بعد»كورونا»، كما أن قضيتنا الوطنية والحضور الإقليمي والدولي للمغرب، بدورهما سيفرضان تحديات ومهمات أخرى على الصعيدين الدبلوماسي والإستراتيجي، وكل هذا يستوجب اليوم توفير مناخ سياسي ديمقراطي وطني مناسب للمرحلة المفصلية القادمة، ويفرض ضخ نفس ديمقراطي قوي في البلاد، وبالتالي تأكيد إصرار البلاد على تمتين مسارها الديمقراطي العام وتقوية التعددية وتثمين دور السياسة والأحزاب والإعلام وتوسيع مجال الحريات وتعزيز الثقة والمصداقية في العملية الديمقراطية والمؤسسات، وإجمالا تعبئة كل الجهود لجعل انتخابات 2021 خطوة ايجابية أخرى لتحفيز الانفراج الديمقراطي والسياسي المطلوب، وفِي نفس الوقت الإقدام على مبادرات وإصلاحات اجتماعية وتنموية قوية وشجاعة لتطوير مستويات عيش الفئات الفقيرة والمتوسطة، وذلك بما يعزز طمأنينتها وثقتها واستقرارها، وأيضا يقوي تعبئتها الوطنية العامة.
إن الرهان المركزي اليوم هو بعث إشارات الطمأنينة والثقة لشعبنا في أقرب وقت بشأن ظروفه المعيشية واستقراره الاجتماعي، وأيضا جعل استحقاقات 2021 تنتج مؤسسات تمثيلية تمتلك الكفاءة والمعرفة والنجاعة، وأيضا الثقة والمصداقية، وتعكس التعددية السياسية الحقيقية لبلادنا، وبالتالي تقطع مع تجليات الفراغ والتدني والقلق السائدة اليوم حوالينا.
القوانين وحدها، مهما كانت جيدة وتحضى باتفاق واسع، لن تنجح لوحدها في تحقيق كل هذا، ولكن الإرادة السياسية القوية، والتنمية المجتمعية الشاملة، ونضج الممارسة السياسية والحزبية، ووجود قوى سياسية فعالة وذات مصداقية، وتثمين دورها، كل هذا كفيل بتطوير موازين القوى، وتغيير حتى القوانين ذاتها.
ولهذا، المرحلة القادمة ستتطلب تقوية التعبئة الوطنية، والانخراط السياسي الجماعي، من أجل كسب الرهانات الكبرى القادمة، وتكريس أجواء الحريات والانفتاح والتعددية داخل البلاد، والسعي لكي تستعيد السياسة، بشكل عام، نبلها ومصداقيتها.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top