مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي تكرم روح رئيسها التنفيذي جاك طوليدانو

بمبادرة من مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، التأم ثلة من المثقفين ورجال الفكر والسياسة بمتحف التراث اليهودي بالدار البيضاء، مساء أول أمس الأربعاء، تكريما لروح جاك طوليدانو الذي كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي للمؤسسة.
توزع هذا الحفل التكريمي الذي أطرته محافظة المتحف زهور رحيحل، على فقرتين رئيسيتين، همت الأول شهادات في حق الراحل بمساهمة الأساتذة الأمين العام لمجلس الطائفة اليهودية بالمغرب، ورئيس مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي سيرج بيرديغو، والإعلامي فهد يعتة، والباحثة الأكاديمية فاطمة الزهراء تويليلة.
أما الفقرة الثانية، فتركزت حول محور واحد هو مفهوم الصدقة في الديانتين الإسلامية واليهودية، بمساهمة الكاتب والفيلسوف أرماند أبيكاسيس، والأستاذ الجامعي عبد الله الشريف الوزاني.
في شهادته بحق المرحوم طوليدانو، استحضر سيرج بيرديغو جملة من الخصال التي كان يتمتع بها، قاسمها المشترك هو النبل والعشق الذي كان يحمله اتجاه المغرب وملكه وشعبه، كما أنه كان مؤرخا، له نظرة عميقة للقضايا التي يدرسها، كما لم يغفل المتدخل الإشارة إلى إسهامه في تنمية القطاع الصناعي، من خلال إدارته لمصنع للنسيج، وهو ما جعل ملك البلاد يثق في كفاءته ويعينه في المجلس الاقتصادي. وبكثير من التأثر، استحضر المتدخل كذلك اللقاءات التي كانت تجمعه بالراحل، حيث تقاسم وإياه الحلو والمر على حد تعبيره، وأن ما كان يجمع بينهما هو رفعهما للتحديات دفاعا عن قيمنا النبيلة المشتركة، من هذه التحديات: تأسيسهما لمجلس الطائفة اليهودية، وحرصهما على استمراريته، وفي هذا الإطار عبر عن ارتياحه بأن هناك الخلف الذي يملك جدارة حمل هذا المشعل، كما ذكر ترافعهما حول قضية الصحراء المغربية في المحافل الدولية. وفي ختام شهادته خلص سيرج بيرديغو إلى التذكير بأنه كانت لهما قناعة مشتركة بأن الحفاظ على التراث اليهودي ليس من مسؤولية الطائفة اليهودية فقط، بل هي مسؤولية كافة المغاربة.
واعترف الإعلامي فهد يعته بأنه من الصعب الحديث عن الراحل طوليدانو، بالنظر إلى أنه يعتبر شخصية استثنائية، فهو لا يمكن اختزاله في الحيز الضيق لهويته اليهودية، بل هو مواطن تقدمي، وله حس إنساني نادر، مستحضرا في هذا الإطار ميله الفطري والتلقائي لمساعدة الغير ومواساته، منطلقا من تجربة شخصية.
كما أشار المتدخل إلى أن الراحل كانت له صداقات قوية مع قوى تقدمية وثورية، من بينها حزب التقدم والاشتراكية، كما كانت تجمعه علاقة صداقة بشخصيات كبيرة وبارزة في مجالات الفكر والسياسة والنضال، وفي هذا السياق ذكر صداقته العميقة ببعض القادة الفلسطينيين، وانشغاله بالخلاف الإسرائيلي الفلسطيني، مدافعا عن أطروحة السلام.
كما لم يفت المتدخل الإشارة إلى دوره الفاعل في مجال الاقتصاد والسياحة على حد سواء، واهتمامه الحثيث بالتطورات الآنية لبلده المغرب، وإسهامه في خروج متحف التراث اليهودي إلى حيز الوجود، وعمله على إعادة تأهيله، وهذا يعد مفخرة لبلدنا، أخذا بعين الاعتبار أن المتحف المذكور يعد حاليا فريدا من نوعه في العالم العربي، وهذا يدل على تعدد الهوية المغربية، ويبرز أن اليهود المغاربة هم مغاربة، كل هذا -يضيف فهد يعته في ختام شهادته-يجعلنا نفتقد الراحل طوليدانو.
وألقت الباحثة الأكاديمية فاطمة الزهراء تويليلة شهادة مؤثرة في حق الراحل، بالنظر إلى الصداقة التي كانت تجمع بينهما، المطبوعة بدعمه لها في مسارها الدراسي وتذليل الصعاب أمامها وعطفه عليها، مستحضرة جملة من الخصال التي كانت تميز الراحل والتي كانت مطبوعة بالاستقامة والتواضع. وذكرت المتدخلة من جهة أخرى أن الراحل لم يكن ينظر إلى الإسلام واليهودية بمنظور صدام الحضارات، بل باعتبارهما ينطويان على قيم مشتركة، مرتكزها هو العدالة والسلم. وبالتالي فإن روحه ستظل بمثابة منارة تضيء مسار الأجيال القادمة.
وتركزت مداخلة الكاتب أرماند أبيكاس حول مفهوم الصدقة في الدين اليهودي، مشيرا إلى أنها واجب، غير أنها تحمل وجهين متنقاضين، فبعد أن استحضر مجموعة من تجلياتها، التي تجعلها غير محصورة في ما هو ما مادي بل تمتد إلى ما هو روحي ومعنوي، من قبيل عيادة المريض وغير ذلك، ذكر أنها -أي الصدقة-ينبغي أن يتم منحها دون الوقوع في إهانة من هو في حاجة إليها، ودون جعله مقصيا من المجتمع، منطلقا بأن الله يقدم مساعدات دون أن يراه أحد.
كما ذكر أنه لا يكفي مراعاة هذا الواجب الذي هو الصدقة، دون التحلي بالطيبوبة، وذلك من خلال احترام الآخر وتقديره، فالطيبوبة الحقيقية لا تتغاضى عن الاستقامة وأن بناء المجتمع لا يقوم فقط على هذا الجانب دون الآخر، وإلا فإن مآله سيكون التدمير لا محالة. وخلص إلى أن كل إنسان هو صورة لله.
ومن جهته، تحدث الأستاذ الجامعي عبد الشريف الوزاني عن مفهوم الصدقة في الدين الإسلامي، وأن هذا المفهوم يتقاطع مع المدلول الذي يعطيه إياه الدين اليهودي، حيث يجمعهما هدف واحد، هو العبادة. فالصدقة واجب بمنطوق الزكاة، منطلقا من الحديث النبوي الذي يشير إلى أنه لا تزول قدما العبد عن موقف الحساب يوم القيامة دون أن يسأل عن أربعة أمور ومن بين هذه الأمور: عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقَه. وذكر أن الإسلام يتقاطع مع الدين اليهودي في النظر إلى الصدقة باعتبار أنها ينبغي أن تتم في السر احتراما لكرامة من توهب له، كما أنها لا تنحصر في ما هو مادي بل تمتد إلى ما هو روحي. من ذلك اعتبار ابتسامة الإنسان في وجه أخيه صدقة، وكذا القول الحسن وإفشاء السلام وصلة الرحم..إلى غيرد ذلك. كما توقف عند الصدقة الجارية التي تستمر في الزمان حتى بعد وفاة صاحبها.
وتطرق المتدخل إلى الغاية من وراء إعطاء الصدقة سواء في ظاهرها المادي أو المعنوي، وهو محاربة مجموعة من المظاهر التي تفضي إلى التطرف والإرهاب.
تجدر الإشارة كذلك إلى أن هذا الحفل التكريمي لروح جاك طوليدانو، تميز برفع الستارة عن اللوح التذكاري وتدشين فضاء يحمل اسم الراحل داخل المتحف نفسه.

متابعة: عبد العالي بركات

تصوير: عقيل مكاو

Related posts

Top