مات امحمد العزاوي وماتت معه أسس مدرسة وطنية حقيقية…

اسم آخر يغادرنا، ويزداد مع رحيله حجم الخسارات الفادحة والمؤثرة، والصعبة على التصديق…

سنة 2023، كانت فعلا سنة أخرى مفجعة للإعلام الرياضي الوطني، ففي أقل من شهرين ودعنا القيدوم أحمد صبري، وبعده بأسابيع غادرنا الحكيم محمد بلفتوح، وقبلهما كان رحيل أسماء أخرى، لم نقو حقيقة على فراقها…

فخلال الساعات الأخيرة من مساء أول أمس الخميس، وافت المنية عزيزا آخر، أيقونة الصحافة الرياضية امحمد العزاوي، الكفاءة العالية، والصوت الجوهري الذي اطرب الأجيال، وشكل إلى جانب أسماء أخرى كبيرة، مدرسة وطنية حقيقية في التعليق الرياضي…

مجرد ذكر اسم امحمد العزاوي، تقفز إلى الذاكرة، عطاءات لا يمكن أن تنسى، رجل طبع بحق عمل مصلحة الرياضة بالإذاعة الوطنية، وجعلها ملهمة الأجيال، مايسترو حقيقي وراء الميكرفون، مبدع في طريقة الربط، موزع ماهر، دقيق في اختيار العبارات، وانتقاء الجمل ذات الدلالات العميقة، يعرف متى يرفع الإيقاع، ومتى يهدئ الأمور، وكيف يوزع الأدوار بإتقان لا يضاهى…

لا يمكن أن تذكر التعليق الرياضي بالإذاعة، دون أن تربطه بعطاء العزاوي، عطاء طبع مسار المصلحة الرياضية لأربعة عقود، وجعلها بفضل تفانيه، وحبه للمهنة وكفاءته العالية، وامتلاكه أدوات التحليل، وعمق التدبير، مدرسة وطنية حقيقية، كان من المفروض أن يكون لها امتداد، تستفيد منه الأجيال الحالية والقادمة، وأن لا تكون هناك قطيعة، مع سبق الإصرار والترصد، لمجرد الإحالة على التقاعد الإداري…

للأسف اشتكى امحمد ألم الجحود، ومرارة نكران الجميل، فبمجرد خروجه من باب مقر الإذاعة والتلفزة جاء من  أتى بخطوات مسرعة لإغلاق الباب من ورائه، بل أصبح هناك من يجتهد في محاولة طمس آثار الرجل، مع أن التاريخ لا يمحى، وأن الذاكرة ستظل تذكر عطاء واسم العزاوي، مهما طال الزمن أو قصر، وأن صوته الجوهري، سيبقى ملتصقا بآذان المستمعين الذين يذكرون دائما، أنهم كثيرا ما انتظروا بشغف وشوق، برنامج “الأحد الرياضي” والتمتع بصولات وجولات هذا المايسترو الحقيقي، الذي من الصعب أن يجود الزمان بمثله…

بعد التقاعد الإداري، اختفى العزاوي عن الأنظار، لم نعد نسمعه إلا نادرا، وحتى عندما يتفضل زملاؤه بمصلحة الرياضة بالإذاعة، بتنظيم حفل أو مناسبة،  فإن هناك من يصر إصرارا على إسقاط اسمه من قائمة المدعوين؛ وهو سلوك مقيت اشتكى منه العزاوي في آخر أيامه، له تفسير واحد، هو عدم الثقة في النفس، بوجود من كان يعتبر أستاذا مبجلا، ذا كاريزما وشخصية حاضرة بقوة، رغم مغادرته، وحتى عند مماته سيبقى تأثيره حاضرا، يقدره الأوفياء، ويتنكر له جبناء القوم…

وداعا امحمد العزاوي.. نم مطمئنا، فهناك زملاء كثر سيظلون أوفياء لاسمك، مقدرين دائما قيمة عملك، فعلى العهد أوفياء، وعلى الاعتراف بالجميل سائرون، وعلى احترام المهنة وشرفها دائمون…

وإنا لله وإنا إليه راجعون…

محمد الروحلي

Related posts

Top