مصطفى فارس: لا تنمية بلا عدل ولا عدل بدون محاماة

قال الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائي، مصطفى فارس، في بحر الأسبوع الماضي، بوجدة، إن ما بين عاصمة الجنوب مراكش الأسبوع الماضي، وجوهرة الشرق وجدة هذا الأسبوع، اجتمعت أسرة العدالة عبر العالم لتبني جسورا للتواصل والحوار والتفكير العميق من أجل إيجاد أجوبة لأسئلة آنية حارقة تؤرقنا جميعا.
وأضاف، في كلمة له، خلال الاجتماع الثاني للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، المنعقد تحت شعار: ” دور اتحاد المحامين العرب في بناء المنظومة الاقتصادية العربية”، أن مدينة مراكش، احتضنت قضاة يمثلون 91 دولة من مختلف قارات العالم في مؤتمرهم الواحد والستين للاتحاد الدولي للقضاة لمناقشة قضايا استقلال السلطة في علاقتها بباقي السلط، وآليات تدبير الزمن القضائي، وضمانات حماية الضحايا والشهود، وإشكاليات الهجرة واللجوء، وهي كلها مواضيع ذات أبعاد سياسية وحقوقية واقتصادية وأخلاقية كبيرة، واليوم بوجدة، يشير المتحدث، يجتمع الجناح الثاني للعدالة وركن الحق وركيزة الإنصاف الأساسية، المحامون أصحاب الرسالة والنجدة والشجاعة والإقدام، سدنة القانون الذين ينافحون لإيصال روح العدالة لأصحابها ليتدارسوا سبل بناء منظومة اقتصادية عربية قوية. وأكد رئيس محكمة النقض، أن ما بين اللقاءين تتوحد القواسم والأهداف والطموحات. واعتبر أيضا، أن سيادة القانون والتنمية أمران مرتبطان بإحكام، لا أمن استثماري أو اقتصادي دون عدالة تظله بجناحين قويين مستقلين متعاونين ناجعين، هما القضاء والمحاماة.
وقال في هذا الصدد، “إنه في ظل عولمة متسارعة أفرزت تحريرا للخدمات وتناميا لآليات التكنلوجيا واقتصاد المعلومات وتعقدا في العلاقات وفي القيم، أصبحت أسرة العدالة وخاصة القضاء والمحاماة ملزمان بمواكبة هاته التحولات العميقة بتغيير عقلياتنا وطريقة اشتغالنا وآليات تدبيرنا ورؤيتنا لمستقبل الأجيال القادمة”.
وشدد على كون صناعة المحاماة اليوم أضحت أحد مكونات صنع القرار في شتى المجالات واحد روافد الدخل القومي للدول، موضحا، أن ممارسة المحاماة بدولنا العربية أصبحت تحتاج اليوم لكي تساهم في بناء منظومتنا الاقتصادية إلى تكريس بنية تنظيمية هيكلية متطورة تنافسية قادرة على مواكبة التجارة الدولية وعقود الاستثمار والقوانين الدولية وقواعد التحكيم.
أكثر من ذلك، أكد على أن المحاماة اليوم تحتاج أيضا إلى التسلح بأصولها وتقاليدها وقيمها الأصيلة التي بناها أجيال من الرواد من أجل ممارسة سليمة، وفق معايير مضبوطة متجددة، تحصن الذات وتحافظ على هذا الإرث، وتواجه المستقبل بكل ثبات ويقين.
وخاطب الحاضرين بالقول: ” اليوم نحتاج إلى كثير من الصدق والحكمة والجرأة لتطوير الذات والانطلاق على أسس صحيحة وفق مقاربة إصلاحية شمولية واستراتيجيات مؤطرة برؤية وأهداف عملية واقعية، والأكيد أن اجتماعكم اليوم مناسبة للتعبير الواقعي عن هذه الآمال والطموحات والإجابة على الإشكاليات الأساسية التي تعيشها أسرة الدفاع بالدول العربية وعبر ربوع العالم. أجوبة تكون السبيل للنهوض بالمهنة في آفاقها العالمية الجديدة وتجعلها رافعة حقيقية للتنمية في كل أبعادها ومجالاتها…
لا تنمية بلا عدل، ولا عدل بدون محاماة، أنتم من تعيشون يوميا آمال وآلام المتقاضين، وأنتم المسؤولون عن طمأنتهم والدفاع عن كرامتهم وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وأنتم من تسهلون الفصل في الخصومات وحلها وتطوير الاجتهاد وإغنائه. فالرهان معقود عليكم إذن من أجل عدالة ناجعة ناجزة، والتحدي منصب على أولويات التكوين والتخليق والحكامة. ولي اليقين أنكم قادرون من خلال آليات اتحادكم أن تكونوا في مستوى هاته الانتظارات والتحديات”.
ومن جهته، قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي، إن استقلال السلطة القضائية لم يقرر لفائدة القضاة أنفسهم، وإنما تقرر لفائدة المتقاضين، حتى يتمكن القضاة من البت في النزاعات دون إعطاء الاعتبار لجهة ما أو سلطة أخرى، غير سلطة القانون وحده. وذكر بالمناسبة، حرص جلالة الملك على تأكيد هذا المعنى لاستقلال القضاء في الرسالة السامية التي وجهها جلالته لمؤتمر العدالة الأول بمراكش في مطلع شهر أبريل من هذه السنة (2018). إذ قال جلالته: “إن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضي، وإنه إذ يرتب حقاً للمتقاضين، فكونه يلقي واجباً على عاتق القاضي. فهو حق للمتقاضين في أن يحكم القاضي بكل استقلال وتجرد وحياد، وأن يجعل من القانون وحده مرجعاً لقراراته، ومما يمليه عليه ضميره سنداً لاقتناعه. وهو واجب على القاضي، الذي عليه أن يتقيد بالاستقلال والنزاهة، والبعد عن أي تأثر أو إغواء يعرضه للمساءلة التأديبية أو الجنائية”.
وإذا كان استقلال القضاء يتجسد في استقلال القاضي، الذي يتجلى في حمايته من مختلف التأثيرات، فإن تحقيق هذا النوع من الاستقلال ليس، في نظره، رهينا بسلطات الدولة وحدها، بقدر ما يتطلب شجاعةً من القاضي في الدفاع عن استقلاله .. ولكنه يحتاج كذلك إلى مساهمة المحامي في حماية استقلال القضاة والدفاع عنه.
وأضاف النباوي، أنه لا يتأتى الدفاع عن استقلال القضاة بمجرد رفع الشعارات، ولكنه يتحقق بالمواقف الشامخة التي طالما عبر عنها النقباء والمحامون وهيئات الدفاع التي ترفض ممارسة كل أساليب الضغط على القضاة للتأثير في قناعاتهم وأحكامهم، بأساليب مثل تحرير العرائض أو تنفيذ الوقفات الاحتجاجية للتأثير على القضاء.
واعتبرأن الدفاع عن استقلال القضاء هو من صميم أخلاقيات مهنة المحاماة الشريفة، حيث يجب استحضاره من طرف المحامي، سواء أثناء ممارسة مهام الدفاع أو بمناسبة الخوض في قضايا العدالة في منابر أخرى، حيث يقتضي شرف المهنة أن يتم التعبير عن الأفكار وبسط الانتقادات باحترام لمقام القضاء، الذي يعتبر المحامي – في المغرب – جزء منه. ولذلك فإن سلوك المحامي خلال ممارسته مهامه ليس محكوما بقواعد المسطرة والقوانين الإجرائية وحدها. ولكنه ينبغي أن يستحْضر نبل مهنة المحاماة وقدسية رسالة هيئة الدفاع، التي تتعبد في محراب العدالة. إنها مهنة شريفة
إن معركة التخليق ليست المعركة الوحيدة التي يتعين على المحامين كسبَها، يؤكد محمد عبد النباوي، بل إن معارك أخرى أصبح خوضها ضرورة آنية للبقاء والاستمرار. ذكر من بينها معركة رقمنة المهنة واستعمال تكنولوجيا المعلوميات في تدبير شؤونها، ومعركة التخصص الدقيق للمحامين، ومعركة التكوين المستمر واستيعاب المهام الجديدة للمحامين كمهام التحكيم وتحرير العقود والاستشارة والتعاون الدولي والنيابة أمام المحاكم الدولية وأمام لجن حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من المستجدات التي تحيل بها الساحة الحقوقية والقانونية.

<حسن عربي

Related posts

Top