منتزهات عمومية تعيش مرارة الإهمال والتهميش

لكل فرد من ساكنة الدار البيضاء حق في المساحات الخضراء، إلا أن نصيب كل واحد لا يتعدى 35 سنتمترا مربعا، بمعنى أنها نسبة تقل 41 مرة عن المعايير العالمية، التي تحصر المعدل المقبول في 15 مترا مربعا لكل فرد مما يدعو لطرح عدة تساؤلات حول المعدل المحصل في العاصمة الاقتصادية. وقد اعترفت مصالح المجلس الجماعي في غير ما مرة، بالاختلالات التي تعرفها المساحات الخضراء، خاصة فيما برتبط بالصيانة والحراسة، وقد دفعه الأمر إلى تفويت هذه المهمة لفاعلين خارجيين عن طريق طلبات العروض بكلفة مالية مهمة. وبالرغم من هذه الكلفة المالية المخصصة لصيانة الحدائق العمومية بالدار البيضاء، فإن عددا منها بمجموعة من الأحياء تظل اسم على غير مسمى بسبب ما تعانيه من مظاهر الإهمال والتهميش كما يتبين من حالاتها المتردية.

لكل فرد من ساكنة البيضاء حق في المساحات الخضراء، إلا أن نصيب  كل واحد لا يتعدى 35 سنتمترا مربعا، بمعنى أنها نسبة تقل 41 مرة عن المعايير العالمية، التي تحصر المعدل المقبول في 15  مترا مربعا لكل فرد مما يدعو لطرح عدة تساؤلات حول المعدل المحصل في الدار البيضاء، هذا المعدل يعرف تفاوتا كبيرا بين مناطق العاصمة الاقتصادية، حيث أن هناك مناطق تعرف نسبة جد هزيلة و ذلك يتمثل في الجماعات الحضرية مثل مرس السلطان و الحي المحمدي التي يبلغ المعدل فيها 0.35 متر مربع لكل فرد في  حين تنعم مناطق “كاليفورنيا و انفا ” بمعدل أكبر يصل إلى 6 أمتار مربعة لكل فرد، إلا أن الغريب هو أن هذا المعدل المتدني من المساحات الخضراء للمواطنين، جاء في ظل تزايد الوعاء العقاري المخصص للفضاءات الخضراء، الذي انتقل من 350 هكتارا إلى 400 هكتارا ما بين سنوات 2008 و2014 وأكثر من ذلك بكثير في وقتنا الراهن. وقد اعترفت مصالح المجلس الجماعي في غير ما مرة، بالاختلالات التي تعرفها المساحات الخضراء، خاصة فيما برتبط بالصيانة والحراسة، و قد دفعه الأمر إلى تفويت هذه المهمة لفاعلين خارجيين عن طريق طلبات العروض بكلفة مالية مهمة، وقسمت المناطق إلى ثلاث مناطق، هي منطقة 1 وتضم سيدي البرنوصي وسيدي مومن والصخور السوداء وعين السبع الحي المحمدي، والمنطقة 2، التي تضم مولاي رشيد وسيدي عثمان وابن امسيك واسباتة، والمنطقة 3، وتضم الحي الحسني وعين الشق ومرس السلطان والفداء، والمنطقة 4، التي تتكون من أنفا وسيدي بليوط والمعاريف فالمساحات الخضراء رغم قلتها إلا أنها تكلف ملايين الدراهم من حيث الصيانة والحراسة ( حوالي 45 مليون سنويا، فيما تبلغ تكلفة الحراسة 5 ملايين درهم سنويا).
وأرجع مجلس مدينة الدار البيضاء قلة المساحات الخضراء في المدينة لعدم وجود مساحات تسمح بالتوسع داخل المدينة نظرا للتضخم العقاري، وبذلك عمد المجلس إلى تعويض هذه الفضاءات الخضراء بالأشجار التي تقاوم اكثر، و هو ما تمثل بمشروع زرع الأشجار والنخيل بحي البرنوصى وسط حي صناعي و بالتالي خلق فضاء للساكنة المحلية، كما ان مجلس المدينة اطلق مجموعة من المشاريع لصيانة وإعادة تهيأت بعض الفضاءات الخضراء كحديقة ياسمينة. وبالرغم من هذه الكلفة المالية المخصصة لصيانة الحدائق العمومية بالدار البيضاء، فإن عددا منها بمجموعة من الأحياء تظل اسم على غير مسمى بسبب ما تعانيه من مظاهر الإهمال والتهميش كما يتبين من حالاتها المتردية. وبسبب هذا التردي، تطالب ساكنة هذه الأحياء بالاهتمام بأحوال الحدائق العمومية المتواجدة في مناطق سكناها وضخ دماء جديدة في شرايينها حتى تعود إلى سالف عهدها كفضاء ترفيهي تمتص ضغط رتابة الحياة اليومية والزحف الإسمنتي الذي أمسى يخنق هذه المناطق ويحولها إلى جرداء قاحلة. وتعاني الكثير من الحدائق العمومية من الإهمال، الشيء الذي حولها إلى وجهة للمنحرفين ومتعاطي المخدرات. واحدة من هذه المنتزهات العمومية التي تتعرض للإهمال بعد كل صيانة التي تتم من فترة إلى أخرى بفارق زمني كبير، الحديقة الموجودة بالقرب من قيسارية مولاي العربي العلوي بمقاطعة مولاي رشيد، مما يجعل السكان المتضررين يطالبون في كل مرة بتدخل الجهات المعنية من أجل رفع البؤس عنها وإعادتها لحالتها الطبيعية، خصوصا، بعد أن تتعرض بنياتها للتآكل وكراسيها الاسمنتية للتحطم وغطاؤها النباتي للتلف مما يجعل كلفة صيانتها كبيرة. نفس الوضعية تقريبا، تعيشها حديقة عمومية أخرى بحي النجاح بسيدي معروف، والتي أصبحت كصحراء قاحلة لا نبات فيها. بعض الساكنة القاطنة بمحيط هذه الحديقة ينتقدون مجلس مقاطعة عين الشق، لعدم اكتراثه بهذا المكان المخصص للترفيه عن أبناء المنطقة بخاصة ربات البيوت اللاتي يقصدنه صحبة ابنائهن من أجل قضاء بعض الوقت الممتع بعيدا عن الضغوط اليومية، فلا يجدن فيه أي مكان للجلوس، بحيث المقاعد الاسمنتية بالحديقة عادة ما يستغلها لاعبو “الكارطة” و”الضامة” ويحولونها إلى “ميادين” للمنافسة والتي تبتدأ عصر كل يوم وتدوم حتى ساعات متأخرة من الليل. والأنكى من ذلك، يقول بعض هؤلاء السكان، أن هذا الفضاء العمومي أضحى مرتعا يجلب اللصوص والمنحرفين الذين يفضلونه لتناول المخدرات بل ويستعملونه كفخ لتصيد بعض الضحايا وتعريضهم للسرقات. في الواقع، ليست هاتان الحديقتان وحدهما من تتعرضان للإهمال، فجل الحدائق المتواجدة بمدينة الدار البيضاء تعيش نفس الواقع، نموذج ذلك الفضاء المخصص للراحة بشارع تانسيفت بحي الألفة، والذي يعيش حالة من المد والجزر من حيث عمليات الصيانة التي قد تغيب لزمن طويل، بالرغم من أنه يعرف إقبالا كبيرا من قبل من يحتاجون للراحة.
ويستحضر الكثير من البيضاويين، الاهتمام الكبير الذي كان يوليه المسؤولون للحدائق العمومية في ثمانينيات القرن الماضي، وعكست ذلك شهاداتهم التي تحدثت عن الأوضاع الرفيعة التي كانت عليها هذه الفضاءات العمومية التي كانت مخصصة للراحة والاستجمام. وذكر بعضهم حديقة جوادي بمقاطعة بنمسيك وحديقة عين “السبع” بالقرب من عمالة عين السبع بالإضافة إلى حديقتي ياسمينة وسندباد، والتي كانت حسب قولهم آماكن حقيقية للراحة والاستجمام.
وتأسف البعض الآخر للوضعية المزرية التي توجد عليها العديد من الحدائق التي قالوا إنها كانت بالأمس تستقطب أطفال العاصمة الاقتصادية ونساءها من أجل التنفيس عن همومهم والهروب من مشاكل الحياة وتوتراتها، أما اليوم، فهي تعاني الإهمال.
من بين هؤلاء، تحدث لكراتي عزالدين، عن الإقبال الكبير على حديقة الجامعة العربية نهاية كل أسبوع، مما كان يحولها في تلك الفترة إلى محج للأسر تقصدها من أجل التسلية وقضاء ساعات من الفرجة على العروض التي كانت تنظمها الفرق الموسيقية آنذاك. من بين هذه العروض التي كانت تحييها كل ليلة فرق موسيقية، عروض لمجموعة حميد الزاهر، ومجموعة نجاة عتابو، والتي كانت تجلب جماهير غفيرة.

 فاطمة والهورشمت

Related posts

Top