من أجل تدبير محلي في ضوء مبادئ المشاركة المواطنة*

جمال الموساوي

الديمقراطية التشاركية أو فتح المجال أمام المواطنين، أفرادا أو في إطار منظمات المجتمع المدني، تعني ببساطة نهاية احتكار الدولة، أو بالأحرى المؤسسات المنتخبة، للقرار في تدبير الشأن العام، سواء الوطني أم المحلي. ومن المهم الإشارة إلى المؤسسات المنتخبة في هذا السياق وذلك للتأكيد على أن الديمقراطية التشاركية هي ممارسةٌ الهدف منها المساهمة في تجويد عمل المؤسسات العمومية وتطويره في إطار من التكامل مع الديمقراطية التمثيلية. ويهم هذا التجويد من جهة الخدمات اليومية المقدمة للمواطنين والمشاريع المبرمجة في إطار التنمية المحلية، كما يهم من جهة أخرى حكامة هذه المؤسسات وترشيد تدبيرها (المالي والإداري: الميزانية، التوظيف، مساطر التدبير…).
يتضمن الدستور المغربي في نسخة 2011، تكريسا صريحا لهذا المستجد في مجال تدبير الشأن العام من خلال جملة من الفصول والمقتضيات التي تنتظر التنزيل. وقد شهدت الطريق نحو التنزيل محطات كثيرة ونقاشا بين مكونات المجتمع المدني وبين هذه الأخيرة وبين الحكومة. وكلنا نتذكر الحوار الوطني حول المجتمع المدني الذي نظمته الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، والحوار الموازي لهذا الحوار الذي نظمته مجموعة من فعاليات المجتمع المدني في إطار دينامية إعلان الرباط.
بالنظر إلى الزخم الذي عرفه النقاش والأفكار التي أسفر عنها وأيضا الأسئلة التي تم طرحها بشأن الكيفيات التي ستتم بها ممارسة الديمقراطية التشاركية والمقتضيات التي يفترض أن تنص عليها القوانين التنظيمية ذات الصلة، فليس هناك ضرورة للتفصيل كثيرا في ما جاء به الدستور في هذا المجال وبات معروفا (الفصول 12، 14، 15، 139، 146 ومقتضيات أخرى متفرقة)، لكن هذا لن يمنع من التأكيد على أن هذه الأسئلة لن يتم الجواب عليها سريعا بالنظر من جهة إلى أن إشراك المواطنين في تدبير الشأن العام أمر جديد ويحتاج إلى تمارين ربما طويلة قبل أن تستوي الممارسة، ومن جهة أخرى إلى وجود نسيج جمعوي مدني كبير مكوناتُه ليست بالضرورة على رؤية موحدة للأمور، وهذا بالإضافة إلى ما وقفت عليه ترانسبرانسي المغرب كما جاء في الورقة التقديمية لهذه الندوة من “ضعف معرفة المستفيدين من الدورات التكوينية التي نظمتها بالأحكام الدستورية المتعلقة بالحكامة المحلية والقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية”.
في هذا السياق هناك عدة مستويات في ما يتعلق بالديمقراطية التشاركية. وقبل الحديث عنها ربما يتعين التذكير بأن الهدف من المشاركة أو التضمينية يتمثل بالأساس في تأمين مستوى جيد من الحكامة في تدبير الشأن المحلي. هذا الأخير يستند على ركيزتين أساسيتين هما:
أولا، الحرص على تحقيق المصلحة العامة في ما يقوم به وينجزه المنتخبون المحليون.
ثانيا، الثقة التي يمنحها المواطنون لهؤلاء المنتخبين في إطار تفويض ديمقراطي يمر عبر انتخابات نزيهة لتدبير شؤونهم والعمل على تحقيق انتظاراتهم في ما يمثل تعاقدا محددا بأجل.
وتسمح الديمقراطية التشاركية بتتبع مدى ثبات هاتين الركيزتين وبكشف ومعالجة الأعطاب التي قد تتسبب في تقويضهما وانهيارهما، وذلك قبل وصول الانتداب التمثيلي إلى نهايته، وهذا ما يمكن استخلاصه من الفصل 12 من الدستور الذي ينص على ما يلي: “تُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها”.
أما مستويات المشاركة، فهي في الغالب أربع مستويات:
 – الإخبار: الاكتفاء بوضع كل المعلومات رهن إشارة المجتمع المدني حتى يتمكن من القيام بدوره.
– الاستشارة: طلب رأي المجتمع المدني في مشروع تقرر إنجازه من قبل الإدارة العمومية.
– التشاور: مناقشة وحوار مع المجتمع المدني في أفق اتخاذ قرار متوافق بشأنه.
– الإشراك الكامل: إشراك المجتمع المدني منذ البداية في الإعداد وفي اتخاذ القرار النهائي.
وهي مستويات قائمة جميعها على دعامة هامة تتمثل في توفير المعلومة وإتاحتها. إنه ما كان ليستقيم التنصيص الدستوري على مبدأ الديمقراطية التشاركية من دون وجود الفصل 27 الذي يكرس حق المواطنات والمواطنين في الوصول إلى المعلومات الموجودة لدى الإدارات العمومية بما فيها المؤسسات التمثيلية.
في كل مستويات المشاركة المواطنة، إذن، يحتاج المواطن أو الإطار المدني إلى المعلومات المرتبطة بالشأن العام المحلي والضرورية، لتكون المشاركة فعالة وقادرة بالتالي على التأثير في القرار العمومي وإغناء النقاش المؤدي إلى قرار يستجيب لانتظارات المواطنين المعنيين مباشرة بما سيترتب عنه. ودون التفصيل في استعادة المناقشات التي يثيرها مشروع القانون المتعلق بتنزيل الفصل 27 من الدستور، لا تكون المعلومة المتاحة مهمة وذات تأثير في إطار المشاركة المواطنة إلا إذا تم الحصول عليها في المراحل الأولى لإعداد قرار أو مشروع، بمعنى أن هذه الإتاحة المبكرة هي ما سيمكن المواطن من ممارسة ما يخوله له الفصل 12 بشكل كامل، من خلال صيغ مختلفة من بينها مجالس الأحياء والميزانية المواطنة وغير ذلك.
والمعلومات التي يحتاج إليها المجتمع المدني والمواطنين عموما لتفعيل مبدأ المشاركة متعددة ومتنوعة من بينها كما جاء في الورقة التي قدمتها الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة إلى اللجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني بناء على طلب هذه الأخيرة:
1- القوانين والأنظمة الإدارية
2- مساطر الولوج إلى الخدمات
3- المعلومات المتعلقة بسير المؤسسات المنتخبة ووظائفها
4- الوثائق المتعلقة بالمشاريع التي تبرمجها هذه المؤسسات
5- الأجور والمكافآت التي يحصل عليها الموظفون
6- الأرقام والوثائق المتعلقة بإعداد بالميزانية
7- معايير التوظيف
8- لائحة المشاريع المنتظر إنجازها (ما يسمى بالبرنامج التوقعي)
(……)
ويمكننا هنا أن نسجل كخلاصة أولى أنه في غياب تكريس الحق في الوصول إلى المعلومة من خلال قانون تتحدد مقتضياته بدقة، ولا يواجه صعوبة التنفيذ بسبب مقتضيات قوانين أخرى ويحصر الاستثناءات ويوضحها، لا يمكن الحديث عن المشاركة المواطنة. أكثر من ذلك، تقتضي هذه الأخيرة مبادرة الإدارات والمؤسسات التمثيلية المعنية بموضوع المشاركة لإتاحة المعلومات تلقائيا أو ما يسمى بالنشر الاستباقي للمعلومات من خلال البوابات الإلكترونية أو غيرها من وسائل التواصل.
لقد أراد الدستور إخراج المجتمع المدني من الأدوار التقليدية أي جعله لا يكتفي بمبادراته في التحسيس والتوعية والمرافعة والاحتجاج على الممارسات السيئة وعلى الاختلالات التي قد تشوب تدبير الشأن العام الوطني كما المحلي، بدفع الإدارات والمؤسسات التمثيلية إلى المبادرة، بقوة النص الدستوري والقانوني، إلى فسح المجال أمامه ليكون شريكا كاملا من خلال ما سبق من إخبار واستشارة ومشاورة وتضمينية أو إشراك. لكنه لم يكتف بذلك بل مكنه من آلية أخرى تتمثل في تقديم العرائض مقرنا ذلك بقوانين تنظيمية تؤطر هذه الممارسة وهذا الحق.
وكما هو معلوم، هناك الآن مشروع القانون المتعلق بتقديم العرائض المنصوص عليه في الفصل 15 من الدستور، وهو الآن في مجلس المستشارين، لكن بجانب هذا القانون، تضمنت القوانين المتعلقة بالعمالات والأقاليم والجماعات الترابية والجهات مقتضيات تهم المشاركة المواطنة وذلك في إطار تنزيل مقتضيات الفصلين 139 و146 على وجه خاص.
بالرغم من التقدم الذي جاء به الدستور من أجل فسح المجال أمام المواطنين ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة في تدبير الشأن العام، وما تلى وسيلي ذلك من نصوص قانونية وتنظيمية، فهناك ضرورة لوضع هذه المشاركة في إطار شمولي، فإذا كنا قد أشرنا إلى أن الديمقراطية التشاركية مكملة للديمقراطية التمثيلية، فإن من أسباب إنجاحها معالجة أعطاب هذه الأخيرة، التي رصدتها الهيئة في تقريرها حول الفساد السياسي والانتخابي وتهم الحكامة الحزبية، والحكامة الجماعية ومظاهر الفساد الانتخابي.
لقد أقر الدستور بأن تدبير الشأن العام لن يكون مجالا مفتوحا يمكن للجميع القيام به بغض النظر عن التكوين والمؤهلات والكفاءات التي ينبغي أن تتوفر في المتقدمين لهذا النوع من المهام، مما يجب معه إصلاح تلك الأعطاب وذلك من أجل إنتاج نخب محلية جديدة قادرة على استيعاب المقتضيات الدستورية المتعلقة على الخصوص بتدبير الشأن العام في إطار من الشفافية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وعلى استعداد للعمل مع الفاعلين المدنيين والمواطنين.
* مداخلة شارك بها الكاتب في اللقاء الذي نظمته ترانسبرانسي المغرب يوم 4 مارس 2016 بالرباط حول موضوع “من أجل إعمال جيد للمشاركة المواطنة على المستوى المحلي”.
*مسؤول وحدة التنسيق والتعاون الوطني الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة

Related posts

Top