مهن عيد الأضحى.. بطالة مقنعة تعبث بالبيئة وتنعش جيوب العاطلين

تعتبر مناسبة عيد الأضحى، فرصة سانحة للعديد من الفئات الاجتماعية بالمغرب، من أجل تحسين وضعيتها الإجتماعية، وذلك من خلال تحريك الدورة الاقتصادية للعديد من المهن التي تظهر مع هذه الشعيرة الدينية خلال كل سنة.
فحيثما وليت وجهك هذه الأيام، تجد حرفا ومهنا ظهرت من جديد في شوارع ودروب الأحياء، من قبيل بيع الأواني الخزفية، والفحم النباتي، وكلأ الماشية، ناهيك عن الإقبال المتزايد والمكثف على بيع معدات المطبخ والتوابل، بالإضافة إلى مهنة الحدادة وشحذ السكاكين، دون الحديث عن «فنادق الخروف» التي تنبت بشكل كبير في مدخل كل حي.
فعيد الأضحى أصبح محط اهتمام العديد من الشباب العاطل عن العمل، والطلبة، والتلاميذ، الذين، ينشطون بشكل كبير خلال الأيام الأولى من ذي الحجة، وكذا يوم العيد، حيث يتم فيه ظهور أنشطة عديدة أخرى مدرة للدخل الاقتصادي للفرد، كالذبيحة للأسر والعائلات التي تفضل حنكة الجزار في التعامل مع الأضحية، بالإضافة إلى الشباب الذي ينهمك في إعداد محرقة شي رؤوس الأضاحي، علاوة على التهافت الكبير على جلود الأضاحي التي تعد ثروة مهمة للمشتغلين في مهنة الجلد والدباغة.

فندق للخروف من خمس نجوم

مباشرة بعد دخول شهر ذي الحجة، استنفر إبراهيم طاقمه البشري الذي يشتغل معه في فندق الخروف خلال كل سنة، ونفض الغبار عن خيمته التي أدخل عليها بعض التحسينات عند صانعي الخيم بدرب عمر بالدار البيضاء.
فلإبراهيم مكان مستقر في درب السلطان بالبيضاء، حيث ينصب خيمته التي يطلق عليها اسم «فندق الخروف خمس نجوم»، معللا هذا التصنيف والتسمية في حديثه لبيان اليوم، إلى خدماته المقدمة في هذا الصدد لأضاحي العيد، حيث يشرف شخصيا عليها طيلة الإقامة، بالإضافة إلى سهره الكبير على كلئها، وشربها، المحدد في أجندة مضبوطة عنده، علاوة على تفقده الدائم والمستمر لحالتها الصحية، وكل هذا يقول إبراهيم «اكتسبت خبرته طيلة السنوات الخمس الماضية بعد الإقبال الكبير لزبنائي على فندقي الذي يشتغل معي فيه أبناء الحي الذين يعرفون المنطقة ويسهرون على حماية الخيمة من اللصوص والمتسكعين الذين يتحين البعض منهم الفرصة خلال هذه الفترة لينفذ سرقته».
بيان اليوم صادفت في جولتها أمام خيمة إبراهيم، أحد الزبائن الأوفياء لهذا الفندق، الذي ظل يتردد عليه طيلة الأربعة سنوات الماضية، مشجعين إياه على اقتناء الأضحية في الأيام الأولى، نظرا للخدمات التي يوفرونها لكبشه، من حيث النظافة والكلأ وتوفير كل حاجياته الضرورية.
وقال الزبون سعيد محبوب للجريدة إنه يثق في ابن حيه إبراهيم الذي نجح في هذا المشروع، مردفا أنه يقتني من عنده الفحم النباتي والبصل وأدوات الذبيحة من سكاكين ومعدات أخرى، بالإضافة إلى شي رأس الأضحية في محرقته التي عاينت الجريدة معداتها اللوجيستيكية المحضرة مسبقا من خشب وأحجار وسواطير، والتي يشتغل فيها طاقم خاص يوم العيد.
وعن ثمن مبيت الخروف لليلة الواحدة في فندق الخروف خمس نجوم، قال إبراهيم إن الثمن يتراوح بين 20 درهما و40 درهما، دون أن يخفي سخاوة الزبناء الذين يتعاطفون مع وضعيته الاقتصادية، موضحا وجود بعض التخفيضات لفائدة من يقبلون على كل خدماته التي يوفرها من مبيت وبيع وشي .. معتبرا الأمر في الأخير «مجرد تعامل مع ناس الحي، وعيش هذه الأجواء الجميلة مع أبناء الدرب، والاستمتاع بهذه اللحظات الموسمية التي تضفي على الحي صبغة خاصة ومميزة..».

شحذ وفحم وأواني خزفية

من بين الأنشطة التي تعود إلى الواجهة خلال عيد الأضحى، بيع السكاكين وشحذ القديمة منها، وهو ما أكده محمد العزوزي لبيان اليوم التي زارت ورشة عمله المخصصة لشحذ السكاكين وبيع الجديدة منها، موضحا أن هذا الإقبال ناتج عن الحاجة الماسة لهذه الوسائل خلال يوم العيد، التي يتم توظيفها خلال الذبيحة وأثناء تقطيعها.
فحضور السكاكين خلال يوم العيد ضرورة ملحة بالنسبة للأسر التي لا تلجأ لخدمة الجزار، الأمر الذي يحتم على رب الأسرة أو القائم على شؤون الذبيحة خلال هذه المناسبة توفير آليات اشتغاله لتسهيل مأموريته والنجاح في مهمته، حيث أوضح في هذا الإطار علال الحافيظي الذي وجدته الجريدة ينتظر دوره عند الشحاذ العزوزي أنه استغل هذا الوقت المستقطع من عمله لتفقد حالة سكاكينه التي سيوظفها خلال نحر أضحية العيد، مشيرا إلى أنه لم يستعملها منذ السنة الماضية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، يعد الفحم النباتي من بين الأولويات الضرورية خلال عيد الأضحى، نظرا لدوره الريادي في بعض الأكلات المشهورة خلال هذه المناسبة، من قبيل، «بولفاف» و»طاجين مجمر فوق الفحم».. لذا نجد خلال هذه الأيام أطنان كبيرة من الفحم في الشارع العام معروضة للبيع، حيث أوضح في هذا السياق عز العرب بنعدي صاحب محل لبيع الفحم والخزف بكراج علال بالبيضاء، أن الإقبال على شراء الفحم يكون كبيرا خلال هذه الظرفية، الأمر الذي «تفاعلت معه من خلال زيادة طلبي على طونيين آخرين من الفحم النباتي».
وأوضح بنعدي للجريدة أن طلب زبنائه على الفحم النباتي يتراوح بين 6 كلغ و 20 كلغ، «حيث هناك من الأسر من تحتفظ بما تبقى من الفحم إلى فصل الشتاء قصد التدفئة» يقول المتحدث ذاته، الذي أردف أن «ثمنه يبدأ من 7 درهم فما فوق، على حسب طبيعته وجودته ومصدر إنتاجه».
بنعدي قال لبيان اليوم إن له زبناء أوفياء يقبلون طيلة السنة على الفحم والأواني الخزفية، التي تعد مصدرا طبيعيا لأكلاتهم اليومية، غير أنه يكثر الإقبال خلال هذه الظرفية على الأواني الخزفية التي تعتبر وسيلة مهمة للتلذذ بمذاق لحم «الطاجين الخزفي» المعد فوق الفحم النباتي.
وكشف صاحب محل بيع الفحم والخزف بكراج علال بالدار البيضاء أن ثمن «الطاجين الخزفي» يتراوح بين 25 درهما و 130 درهما، وفق الخصائص التي تميزه من حيث الحجم والزخرفة ومواد صنعه..

توابل وجلود وكراء لمحلات تجارية..

فإذا كانت لكل حرفة نصيب خلال هذه المناسبة، فإن بائعي التوابل هم الآخرين يتنفسون الصعداء خلال هذه الظرفية، بسبب الإقبال المنقطع النظير على التوابل ومشتقاتها، وهو ما عاينته بيان اليوم بسوق الغرب للتوابل بكراج علال، حيث لاحظت توافد العديد من ربات البيوت على هذه المحلات، التي تعرض جديد سلعها من التوابل التي يشترط مستهلكوها حداثة صنعها وقوة رائحتها التي تعتبرها لطيفة البرنوصي عربون تميز وجودة.
والمُلاحظ عن كثب لتطور مظاهر عيد الأضحى بالمغرب، سيقف كثيرا عند بعض الأنشطة والعادات التي اقتحمت المدن الحضارية على الخصوص، والمثال نستقيه في هذا الإطار، من انتعاش كراء المحلات التجارية، التي أصبحت تفتح أبوابها بدون رخصة من طرف السلطات المحلية، في تهرب واضح وفاضح من أداء الصنك كل يوم بالأسواق العمومية المعدة لهذا الغرض، حيث تتأثر المداخيل المادية للمجلس البلدي بشكل كبير، غير أن بعض الكسابة ومربوا الماشية القادمين من بعض البوادي القريبة من المدن ينفون هذه التهمة عنهم بحجة دفعهم ثمن كراء هذه المحلات لمالكيها التي تصل إلى 800 درهم في اليوم.
وبعد تعميم وزارة الداخلية في بلاغ لها خبر منع فتح هذه المحلات التجارية خلال السنة القادمة، هناك من «الكسابة» من تفاعل مع هذا الخبر بإيجاب وقرر عدم البيع في هذه المحلات من «الآن» كما هو الحال بالنسبة لبوشتى الهاشمي، غير أن البعض الآخر اعتبر الموضوع تشديدا مبالغ فيه من قبل السلطات المحلية ليس إلا، كما عبر عن ذلك ياسين النهاري، الذي أضاف أن هذه الأيام معدودة ولا تطول كثيرا ومتعلقة بمناسبة وحيدة طيلة السنة.
ومن بين المجالات التي تلحقها رحمة عيد الأضحى، نجد في المقام الأول أيضا صناع الجلود وممتهني حرفة «الدبغ»، الذين يجمعون ثروة مهمة من الجلود خلال هذه الفترة، حيث هناك جمعيات خاصة في هذا الحقل تقوم بحملات تواصلية مع أرباب الأسر، داعين إياهم إلى التعامل بشكل صحي مع جلود الأضاحي التي يمكن استغلالها في الصناعة التقليدية، كما يعمل الناشطون في هذه الجمعيات على توفير وسائل لوجيستيكية خاصة لنقل هذه الجلود، بالإضافة إلى تأطير شباب خاص للتعامل بجدية معها.

أزبال ونفايات

واللافت للنظر خلال مناسبة عيد الأضحى هو انتشار الأزبال والنفايات التي تخلفها ذبيحة العيد، الأمر الذي يؤثر سلبا على محيط المنطقة وشوارع الأحياء والمدن، خصوصا وأن سلوكات بعض المواطنين لا ترقى إلى التعامل الجدي والإيجابي مع هذه المخلفات التي تطلق روائح كريهة في أغلبها، نظرا لاحتوائها على جلود قابلة للتعفن في لحظات قليلة جدا على حد تعبير حسن القاطن بدرب مينة بالبيضاء.
وفي هذا الإطار دعت العديد من جمعيات المجتمع المدني التي تهتم بالشؤون البيئية كافة السكان إلى ضرورة التفكير في عمال النظافة الذين يشتغلون لمدة أربعة أيام متتالية والذين لا ينعمون بالراحة، ولا يستمتعون رفقة أبناءهم بفرحة وبطقوس العيد كباقي الناس.
وانتقدت في هذا الصدد جمعية المستقبل للبيئة والتنمية المستدامة بالبيضاء في بلاغ لها توصلت بيان اليوم بنسخة منه ما وصفته «بانتشار ظواهر غير صحية عند شباب بعض الأحياء الشعبية، عبر حرق الخشب لشواء وحرق أطراف ورؤوس الأغنام بالمدرات الطرقية وممرات الراجلين، مما يساهم في انبعاث الأدخنة وتلويث الهواء للدور السكنية المجاورة وتشويه المنظر العام والمساهمة في الفوضى بترك أماكن متفحمة في الشوارع والأزبال ومخلفات الرؤوس من القرون وغير ذلك من المشاهد التي لا تليق بأخلاق وقيم العيد المبنية على النظافة والسلوك الحسن والتفكير في الأخر (عامل النظافة)».
واقترحت في هذا الصدد جمعية المستقبل على السلطات المحلية تخصيص عربات وشاحنات صغيرة تجوب الأحياء والدروب تكون رهن إشارة المواطنين للتخلص من الجلود، أو تخصيص أماكن بالقرب من أوراش المساجد لجمع جلود الأضاحي كما هو معمول به للمساهمة في بناءها والعمل على تحقيق نظافة الأحياء حماية لبيئة ومحيط المدينة.

يوسف الخيدر

Related posts

Top