ندوة بمراكش تناقش “إلغاء تجريم الجنح البسيطة وتطبيق العقوبات البديلة”

أوصى المشاركون في ندوة نظمت، السبت الماضي، بمراكش، حول “إلغاء تجريم الجنح البسيطة وتطبيق العقوبات البديلة”، بضرورة تشجيع العدالة التصالحية ودعم الصلح الجنائي، مع اعتماد العقوبات البديلة، كإجابة قانونية عن بعض الجنح والمخالفات.
ودعا المشاركون في هذه التظاهرة العلمية، التي نظمتها (جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة)، والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، و(جمعية حلقة وصل سجن/مجتمع)، تحت شعار “عدم تجريم الجنح البسيطة، جسر التواصل بين المغرب وتونس – تجارب من شمال إفريقيا والشرق الأوسط”، إلى تشجيع العدالة التصالحية ودعم الصلح الجنائي سواء من طرف الشرطة القضائية أو النيابة العامة وفي المسار القضائي، مؤكدين محورية الاهتمام بالتوعية والتحسيس لتقبل العقوبات البديلة من طرف المجتمع والضحايا، عبر نهوض الإعلام بهذا الدور.
كما شددوا خلال اللقاء، الذي نظم بشراكة مع (المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب)، و(جمعية محامون بلا حدود – فرع تونس)، وبدعم من “مؤسسات المجتمع المفتوح”، على ضرورة توسيع التصورات المتعلقة بالعقوبة، لتشمل التأهيل الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي، مؤكدين أيضا أهمية العمل على إنجاز دراسة اقتصادية واجتماعية دقيقة حول آثار إعمال العقوبات السالبة للحرية. وأهابوا بضرورة “فتح ورش الإصلاح الجذري للقانون الجنائي في شقه الموضوعي والإجرائي، بما يكفل مراجعة الفلسفة العامة لهذا القانون وبنيته وملاءمته مع الالتزامات الدولية”، داعين إلى “مراجعة السياسات العقابية والجنائية ومواءمتها مع الدساتير والمعايير الدولية”.
واستعرضوا، في هذا الاتجاه، جملة من التجارب المقارنة الرائدة في مجال إعمال العقوبات البديلة، خاصة في البلدان الاسكندنافية، مسجلين الحاجة إلى مزيد من الترافع والتشبيك لتشكيل قوة اقتراحية مؤثرة مناصرة لإعمال العقوبات البديلة، مع الاهتمام بعدالة الأحداث وبالمؤسسات المصاحبة لها. كما سجلوا الحاجة إلى تجاوز بعض الإشكاليات المتصلة بالإطار المفاهيمي لتحديد الجنح البسيطة، والأخرى المتعلقة بالأطر القانونية، التي تسميها “ظاهرة التضخم التشريعي” بسبب اعتماد السياسات العقابية في غالبية بلدان المنطقة، وسلوك سبيل المقاربة الزجرية لمواجهة الحالات والمشاكل الطارئة.
وفي معرض حديثهم عن القانون كأداة ميسرة ومحفزة للاستثمار، أكدوا على ضرورة إعادة النظر في المقتضيات القانونية المنظمة للسجل العدلي، بما يكفل تحقيق إعادة إدماج الأشخاص المحكومين، ومن ثمة “تشجيع المقاولات على قبول تشغيل الأشخاص المحكوم عليهم، والذين خضعوا لبرامج تأهيلية بهدف إعادة إدماجهم وربط هذا المقتضى بإجراءات ضريبية محفزة”.
ودعا المشاركون في الندوة إلى إخراج “المرصد الوطني للإجرام” إلى حيز الوجود، مع الاهتمام بتعزيز قدرات القضاة والمحامين ومهنيي العدالة في استعمال الآليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكذا توفير الموارد البشرية والمادية الكفيلة بمواكبة الإصلاح الجنائي.
وضمن المتدخلين في هذه الندوة، قالت جميلة السيوري، رئيسة جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة، إن السياسة العقابية المعتمدة في التعاطي مع الجنح البسيطة، “تخلف أزمة اقتصادية واجتماعية، وتفرز ظاهرة خطيرة تتجلى في الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، وتؤثر سلبا على الإدماج في المجتمع”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن عدد السجناء في المغرب انتقل من 72 ألفا في سنة 2019 إلى أزيد من 84 ألفا في سنة 2020؛ 48 في المئة منهم محكومون بمدد قصيرة.وأكدت رئيسة جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة أن الإبقاء على حبس مرتكبي الجنح البسيطة يؤثر سلبا على سياسة وبرامج الإصلاح والتأهيل التي تقوم بها الدول المغاربية، حيث ترتفع نسبة الجريمة وحالات العود.
من جهته، قال عضو منظمة ” تجريم الفقر وإلغاء الجنح البسيطة بتونس”، إن “جائحة فيروس كورونا عمقت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في تونس، ما جعل الفئات الاجتماعية الفقيرة تتفقّر أكثر، وهو ما دفعها إلى الهجرة السرية أو التسول أو الالتحاق بالعمل غير المهكيل أو السوق السوداء. وأضاف بأن هذه الوضعية أدت إلى التصادم مع المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، وأيضا مع المنظومة القانونية السائدة، مشيرا إلى أن تشابك المسار القانوني مع استفحال الأزمة الاقتصادية أدى إلى اكتظاظ في السجون التونسية، حيث يبلغ عدد المساجين 23 ألف شخص، نصفهم بدون محاكمة، وعدد كبير منهم محكومون بارتكاب جنح بسيطة، منها ما هو مرتبط بالفقر الذي يعانون منه.
بدوره، قال نجيب العرج، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، إن الاستخدام المفرط للعدالة الجنائية باللجوء إلى آلية تجريم الجنح البسيطة، حين لا تكون ضرورية ومناسبة، تترتب عنها أضرار مجتمعية لا تمس الشخص المحكوم فقط، بل تمتد إلى أطراف أخرى، مثل الأسرة. وأضاف أن “الانخراط بقوة في هذه السياسة التقليدية يؤدي إلى الأفراط في المتابعات، ثم العقوبات، وهو ما يؤدي إلى تثبيت عواقب سلبية، من قبيل الاستبعاد الاجتماعي، إضافة إلى ما يترتب عنها من تأثير على مستوى التكلفة المادية الباهظة بسبب الإجراءات المرتبطة بتفعيل العدالة الجنائية”. وشدد المتحدث ذاته على أن القانون الجنائي “ينبغي أن يكون هو آخر العلاج”، مبرزا أن “العقوبة السالبة للحرية قد تكون رادعة وقد لا تشكل أي ردع، وقد يكون لها أيضا أثر سلبي، حيث يمكن أن تصدر عن الشخص الذي سُلبت حريته بعد مغادرة السجن ردة فعل غير محمودة، كأن يتحول إلى مجرم”.

Related posts

Top