نهاية سعيدة مريحة للأعصاب

ماذا ستختارون لسهرة هذا المساء، فيلم العطلة (ذا هوليداي) لكاميرون دياز أم (بين الأطلال) لفاتن حمامة؟
ربما لا هذا ولا ذاك، ولا بأس من إعادة مشاهدة فيلم ديزني الكارتوني (الحسناء والوحش) بنسخته القديمة. كل يوم يتكرر السيناريو ذاته؛ بعد أن ننتهي من أعمال المنزل ويأتي موعد الالتفاف على المسؤوليات ومحاولة الهروب مؤقتاً من خناقها، حيث يقفز أمامنا خيار مشاهدة التلفزيون.
لدينا ما يكفي من وسائل الهروب الأخرى من واقع أوطاننا المصبوغ بمداد اليأس وحكايات الموت التي لا تنتهي، لكن أفضلها على الإطلاق هو الانزواء بعيداً عن عيون عواجل نشرات الأخبار والاستقرار في مقعد مريح في غرفة الجلوس لتناول فنجان شاي وتقمص دور مشاهد بليد، يتنقل بين خيارات المشاهدة في (نتفليكس) بخفة دم أنامل تبحث عن مخدر موضعي مؤقت للأعصاب المنهارة؛ مشاهد من فيلم كوميدي رومانسي أو خيال علمي يتحدث عن نهاية العالم يصلح لسهرات ليالي نهاية سنة كبيسة بالغة القتامة، أو مشهد من فيلم بالأسود والأبيض على قنوات الأفلام المحلية رتيب بخط واحد ومسار مرسوم بعناية لبلوغ نهاية سعيدة، يمكن التواري خلف ستارته للهروب من آخر مشهد اغتيال لطير من طيور جنان الوطن الغافي على جحيم مستعر.
هناك غزارة في الإنتاج السينمائي، تجعل من المستحيل اللحاق بركبه أو حتى الاختيار الحرّ في مستوى آمن من المشاهدة، لكننا في الأغلب نبقى أوفياء لأفلامنا القديمة التي سبق وأن شاهدناها مراراً واطمأنت نفوسنا إليها؛ أفلام نعرف أحداثها مسبقاً، نعرف مصائر أبطالها وحبكة حكاياتها وتفصيلة فساتين بطلاتها بل ومسارات حواراتها، أفلام نحبها لأنها أصبحت جزءا من ذكرياتنا، الجزء العزيز الذي لم نغادره حتى في أحلك الأوقات. لا يخلو هذا النوع من المشاهدة الرتيبة من تسلط مشاعر الحنين إلى الماضي ومحاولة البحث عن شيء لا ندرك ملامحه، شيء ما يقترن بأماكن وأزمنة حقيقية ضاعت منا في زحمة أحداث حياتنا الصاخبة ولا يمكن أن تعود.
يحلو لنا أن نهرب، أيضاً، من الخوض في تجارب جديدة وبينما نواظب على الاستمتاع بمشاهدة القصص ذاتها، فلن يتطلب منا الأمر كثيراً، سوى الاسترخاء في مقاعدنا وانتظار النهايات التي نعرف. ساعتان من المشاهدة المريحة للأعصاب تكفيان لغسل القلوب من آثار نزيف نفسي للمشاعر، ساعتان فقط تكفيان للاطمئنان على مصير بطل الفيلم الرومانسي الحالم الضاحك البسيط والمهرج، بدلاً عن اجترار قلق غير مجد على مصير بطل حقيقي يقبع في ظلام شارع بعيد وينتظر الإفراج عن أحلامه البسيطة، التي تقبض عليها لصوص بشرية بهيئة سياسيين وضعتهم الصدفة حراساً غير أمناء على بوابات الأوطان.
بإمكاننا بعد ذلك أن نحصل على نهاية سعيدة لا تتخطى حدود غرفة المعيشة، هي المسافة الواقعة بين كرسي المشاهدة وأحداث فيلم السهرة القديم، نهاية مخدرة ومريحة للأعصاب، تماماً مثل كوب من شاي الأعشاب الذي نتناوله قبل النوم!

 نهى الصراف
كاتبة عراقية

Related posts

Top