هكذا المغرب مختلفا عن الآخرين

بغض النظر عن مختلف حيثيات اللحظة السياسية العربية والدولية، وتعقيدات الظرفية التي تعبرها حاليا منطقة الخليج، والاصطفافات التي تتشكل حواليها بقناعة أو بمقابل، فإن الموقف الذي تبناه مؤخرا اتحاد كتاب المغرب على خلفية القرارات الصادرة عن اجتماع عقده المكتب الدائم لاتحاد الأدباء والكتاب العرب بمدينة العين الإماراتية في الفترة بين 16و 19شتنبر المنصرم، يعتبر نقطة ضوء وخطوة مهمة ذكرت الكثيرين بالاستقلالية التاريخية التي طالما ميزت هذه المنظمة الثقافية العريقة، وجعلت أداءها مختلفا عن باقي اتحادات البلدان العربية المشرقية.
اتحاد الأدباء والكتاب العرب تجرد من هويته الثقافية وتحلل من أي حرص على الروح النقدية، واختار الانغماس كلية في الموقف السياسي الرسمي الخليجي للدول المقاطعة لقطر، وتبنى رأيها وشروطها واتهاماتها كاملة، وخلص إلى دعوة المثقفين العرب إلى مقاطعة قطر، لكن اتحاد كتاب المغرب رفض ذلك، ورفض الزج باسمه ضمن من وقع على تلك القرارات، خصوصا أنه لم يشارك في الاجتماعات، ويعتبر أن كثيرا من الالتباس التنظيمي شاب انعقادها وسير أشغالها.
صحيح، أن أي موقف على هذا الصعيد اليوم من السهل تفسيره بالميل إلى هذه الدولة الخليجية أو تلك، ومن ثم يصعب تطوير حوار عاقل، خصوصا وسط المثقفين، ولكن ما عبر عنه اتحاد كتاب المغرب يعتبر حقا قرارا شجاعا وممتلكا لوضوح النظر ورجاحة العقل، وهو ما لا يستطيعه بالفعل سوى من رسخ، طيلة عقود، استقلالية حقيقية داخل الوطن وتجاه السلطة السياسية وباقي الفاعلين في البلاد.
لن نعلق هنا كثيرا على ما صدر عن اتحاد الأدباء والكتاب العرب في اجتماعه بمدينة العين الإماراتية، ونكتفي بالتأكيد على حاجة العرب إلى مثقفين ومنظمات ثقافية يصرون على استقلالية حقيقية، ويطورون، بالتالي، مقاربة نقدية موضوعية تجاه قضايا مجتمعاتهم والعالم، ولكن، عكس ذلك، يهمنا كثيرا الإمساك بما ميز دائما منظماتنا الثقافية الوطنية، وأيضا بعض جمعياتنا الحقوقية والنقابات والهيئات المهنية للصحفيين والاُدباء والفنانين، وذلك على صعيد الاستقلالية وحرية التعبير عن المواقف، والحضور الفعلي في الميدان وفِي الفعل، وذلك من دون أي ذوبان أو تبعية داخل معاطف السلطة أو  الكلام بلسانها، أو أن  تكون ذيلية أو مدجنة بلا روح.
من المؤكد كذلك أن اتحاد كتاب المغرب نفسه، هنا والآن، يحيا كثير تحولات، كما أنه يستعد لمؤتمره الجديد ضمن عديد سجالات واختلافات، لكن مع كل ذلك، لا بد للجميع أن يعي تعقيدات المرحلة السياسية والمجتمعية، هنا وعند الآخرين، وأن ننتبه إلى حاجة بلادنا إلى منظمات مدنية حاضرة بقوة، ولديها المصداقية والاستقلالية، وذلك في الثقافة والفنون والصحافة، وفِي أوساط حقوق الإنسان والنقابات والنساء والشباب وغيرها.
اتحاد كتاب المغرب هو أحد عناوين تميزنا الثقافي والمدني في كل المحيط المغاربي والعربي والإفريقي…، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية أيضا، والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، والمنظمات الحقوقية والنسائية الوطنية الجادة، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، والمركزيات النقابية، والنقابة الوطنية للتعليم العالي، والمنظمات الشبابية وجمعيات الحركة التربوية…
هي كلها هيئات مدنية تشكلت ضمن قواعد الشرعية والاستقلالية، وكرّست لنفسها مصداقية كبيرة لا ينكرها أحد، وهذا بالضبط ما أكسبها أهميتها واختلافها عن مثيلاتها على الصعيد العربي كله.
اليوم، برغم كل ما يحيط بواقعنا العام من تراجعات وتجليات ضعف، لا بد أن نحفظ لمثل هذه المنظمات روحها وحضورها وفعلها ومصداقيتها، وذلك لكونها صمامات أمان حقيقية لتميزنا ولمستقبل مجتمعنا.

محتات الرقاص

[email protected]

Related posts

Top