وفاة مرسي .. الديمقراطية طريق للموت!

توفي الرئيس المصري محمد مرسي بمحبسه وهو المسجون بسبب جرم الفعل الديمقراطي، إنه الرئيس المصري الوحيد الذي وصل إلى السلطة في مصر، مصر أرض الفراعين والحكم العسكري تريد أن تصنع ديموقراطيتها فجأة والنتيجة أن الديمقراطية أصبحت طريقا للموت

“الانتخابات الرئاسية” .. حدث استثنائي

بغض النظر عن دلالات الحدث وعن نتائجه استوقفتني حكاية مثيرة وبسيطة لكنها مكثفة من حيت دلالاتها، الحكاية قيل وفق المصدر الذي نقل الخبر أنها حكاية واقعية، سواء كانت القصة واقعية أم ذات أبعاد رمزية، تحكي القصة أن عجوزا من صعيد مصر ذهب إلى احد المقرات الانتخابية للتصويت ولأنه شخص كبير وسط حضور قليل كان محط اهتمام المسؤولين وتسارعوا لتقديم المساعدة والكثير من الترحاب والتهنئة على الأقل رقم أخر لإضفاء المزيد من شرعية العدد.
منح للعجوز كرسي وقلم للتصويت فسال العجوز القاضي المشرف ما الرقم المخصص لمرسي. تفاجأ القاضي بسؤال العجوز واعتقد في بداية الأمر أن العجوز وبحكم السن وظروف الشيخوخة يكون قد نسي فأعاد تذكيره أن لا وجود لاسم مرسي وأن التصويت محصور بين شخصين السيسي وحمدين الصباحي. ابتسم العجوز واثقا من قراره متشبثا أنه يريد التصويت للمرسي ازدادت دهشة القاضي لتطرح أمامه جملة تساؤلات والكثير من الحيرة؟ ولان العجوز لم يجد ما طلب قرر الخروج دون تردد أمام اندهاش الجميع.
الحكاية سواء كانت حقيقية أم افتراضية لكنها نافذة تتيح التأمل في ما يلي:

انتخابات الضرورة

حسنين هيكل المفكر والمؤرخ المصري صرح أن الحرية بمصر تقود مصر إلى الانهيار والضياع وان مصر في طريقها إلى الانتحار إن اختارت طريق الحرية وأكد أن الرئيس المقبل ينبغي أن يكون هو السيسي ليس باعتباره شخصا ولكن باعتباره مؤسسة تضمن البقاء والحفاظ على السيادة، لذا فسؤال الحرية ليس مطلبا آنيا للسلطة الحاكمة بمصر والمتحكمة في ثروتها وفي مصير مستقبلها لضمان امن الجوار / إسرائيل والسعودية، وإنما حماية الوطن من السرقة والضياع، فالعجوز الباحث عن الحرية وحرية الاختيار جاء في الوقت الخاطئ لأن الزمن السياسي بمصر الحالي لا يسمح بممارسة الحرية لأنه يعود إلى لحظات الحكم المطلق / الحكم باسم الضرورة السياسية / هوبز، حيت الدعوة إلى التخلي عن الحرية من أجل ضمان الأمن والاستقرار كضرورة أولى أهم من المطالبة بتحقيق الحرية وحمايتها.
فتصور حسنين هيكل والمؤسسة العسكرية يتماهى مع نظرية هوبز في تبرير الحكم المطلق من حيت نتيجة إلغاء الحرية لسبب أن الأمن شرط البقاء وإن كان الاختلاف موجود بين موقف هوبز وتصور المؤسسة العسكرية. فهوبز يعتبر أن إلغاء الحرية يكون بسبب فطرية الإنسان ككائن عدواني باعتباره ذئب لأخيه الإنسان ومن تم فأنانية الإنسان ودفاعه عن مصالحه عنصر معرقل لبناء مجتمع وحماية سيادة الوطن، أما في تصور المؤسسة العسكرية فسبب تغييب الحرية ليس هو أنانية الإنسان المصري وعدوانيته وإنما “لصوصية جماعة الإخوان المسلمون والذين نجحوا في سرقة الثورة وتضليل المواطن المصري” بحسب رؤية المؤسسة العسكرية من خلال الاستناد إلى كون حركة الإخوان المسلمين لم تستطيع تحييد المساجد وتم توظيفها كأداة للدعاية والاستعمال الإيديولوجي.
فكيف تستطيع الجماعة تحييد الدولة كإطار مشترك يضمن تجربة العيش المشترك بين مختلف الحساسيات والاتجاهات والطبقات مادامت لم تستطع تحييد المساجد؟ هكذا فكرت المؤسسة العسكرية والجهات الداعمة لها والشعار الذي رفع لإسقاط شرعية نظام مرسي المنتخب ديمقراطيا هو محاولة أخونة الدولة عبر عملية تحريف كبرى طالت الفعل الديمقراطي من خلال أسلمته أي توظيف الشرعية الشكلية للاستفادة من الجانب التصويتي والانتخابي كطريق للوصول للحكم وعدم الإيمان بمضمونها التعددي والاختلافي لذا كان 30 يونيو لحظة حاسمة لإنقاذ مصر؟ من طرف اللصوص الجدد من منظور دعاة ومؤيدي الانقلاب.

حملات الرقص والغناء

الفعل الأكثر إثارة في عملية ”انتخابات الضرورة” أن الحملة الانتخابية الذي قادها رئيس الضرورة كانت عبارة عن كرنفال مفتوح من الرقص والغناء وبحضور شيوخ الأزهر في الكثير من الأحيان. على الأقل لقد نجحت الحملة في تجميع المتناقضات آو تجميع ما لا يجمع ليس وفق التصور الماركسي لوحدة وصراع المتناقضات ولكن يبدو أن مقولة جون بيير فرنانJEAN PIERRE VERNANT التي تحدث فيها عن نوم العقل الجمعي حيت المجتمع ينتج أساليب يتم فيها الإفلات من المراقبة الجماعية والصرامة الاجتماعية على اعتبار أن الفعل الجماعي فعل مراقب والحاجة إلى التنفيس أمر ضروري لضمان التوازن.
المتعارف عليه أن الحملة الانتخابية أو الدعاية الانتخابية وسيلة للتعريف بالبرامج والتصورات وإجراء المواجهات بين المتنافسين لمنح فرصة لناخب كي يحسن الاختيار لذا يمكن فهم لماذا ارتبط الوصول إلى السلطة بفعل المعرفة لان أكثر المترشحين إقناعا هو الأكثر والأوفر حظا للفوز فكانت السياسة فعلا لغويا يرتبط بفصاحة السياسي وقدرته على التأثير أو الإقناع على الأقل كما ترسخ في التجربة اليونانية في حلقات الاغورا كحلقات للنقاش والتداول في الشأن العمومي وهو نفس التصور الذي رسخته نظرية يورغنهابرماس في تأصيله لمفهوم الفضاء العمومي المفتوح كفضاء تواصلي.
الرقص والغناء تحول في الأخير إلى تهجم وسب وقذف و ضرب من تحت الحزام، حين امتنع أغلب المصريين عن التصويت فكان امتناعهم صوتا معبرا ومن تتبع البرامج التلفزية والإذاعية سيصدم لحجم الإهانة التي تعرض لها الممتنعون وصلت لدرجة الإهانة المباشرة والتشهير والإساءة المحرمة قانونا. ما وقع بالحملة الانتخابية وبعملية التصويت الاستثنائية شبيه ببعض الحفلات والأعراس حين تبدأ بالرقص والغناء وتنتهي بالسب والشتم وأقسام البوليس.

قضاء مسيس وعسكر يحمي ممتلكاته

الدرس الأول والأساسي للانتخابات هو نسبة المقاطعة والتي وصلت بحسب مصادر غير رسمية تابعة لهيئات حقوقية بلغت تكثر من 84 في المائة. الأمر وهو مؤشر سياسي مهم يجب أخذه بعين الاعتبار إن لم نقل هو تصويت سلبي وبالتالي فالعملية بكاملها غير شرعية مادامت لا تستند على شرعية العدد ومشروعية قبول المواطنين. لكن أن يتم التمديد من الهيئة العامة للانتخابات فهذا تحول في وظيفة العمل القضائي والذي أصبح بقرار التمديد طرفا سياسيا لا يهمه تطبيق القانون والحفاظ على الشرعية وإنما أصبح يبحث عن الشرعية السياسية من خلال الرفع من أعداد المصوتين. فالأمر يطرح أكثر من تساؤل حول إصرار السلطة الحاكمة في التحكم وتوجيه الفعل السياسي في اتجاه يعاند توجهات أغلبية الشعب ومصالحه ليتأكد أن السياسة الحالية تتجه لان يحمي العسكر مصالحة والتي تقدر بثلثي ثروة مصر في أشكال مشاريع لجنرالات الفنادق وأن المواطن المصري البسيط يعيش خارج وطن لأن الوطن الذي لا يضمن كرامة وحرية المواطن هو سجن في صورة وطن.
على ما يبدو أن مقاطعة الانتخابات تكون سببا كافيا لجعل المؤسسة العسكرية بدون رؤية للمستقبل أو على الأقل هي مؤسسة بلا خارطة طريق، ولا احد يستطيع الإجابة على سؤال: مصر إلى أين؟! أو مصر أين؟ في ظل التعقيدات الحالية وانسداد الأفق نتيجة الدعم الخارجي السخي /الإطاحة بنظام مرسي يساوي 12 مليار من دول عربية كدفعة أولى ومعلنة وما خفي أعظم وعدم القبول الشعبي من الداخل. فالوقائع والأحداث تفقد أي قارئ للأحداث القدرة على فك شفرة الواقع السياسي المعقد حيت تختلط الأمور وتزداد قتامة مع المستوى الكبير من التضليل، وبالتالي يصبح الاعتقاد الإمساك بحقيقة ما يجري بمصر وفي مصر وإن كان من الصعب القول من أجل مصر -أمرا في غاية الصعوبة، لأن ثمة صراع بمصر ويدور في مصر بين قوى دولية فاعلة وذات مصالح متناقضة مما يرشح المشهد المصري للكثير من التأزيم لان الحل يأتي من خارج مصر وهذا هو جوهر الأزمة؟

> الفرفار العياشي

Related posts

Top